الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

المرأة في الثورة: مَوجة رابعة من النسويّة؟

لينا بوحبيب- "معهد عصام فارس"
المرأة في الثورة: مَوجة رابعة من النسويّة؟
المرأة في الثورة: مَوجة رابعة من النسويّة؟
A+ A-

مُنذ بداية عام ٢٠١٩، شاركتُ على نطاقٍ واسعٍ في المسار الذي سيفضي إلى عقد اجتماع بشأن تحقيق المساواة بين الأجيال في مدينة مكسيكو في شهر أيار ٢٠٢٠، والاجتماع اللّاحق الذي سيُعقد في باريس في شهر تموز عام ٢٠٢٠ المعروف باسم "بيجينغ + ٢٥"، للاحتفال بمرور ٢٥ عامًا على انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الرابع المعنيّ بالمرأة في بيجينغ في العام ١٩٩٥. وارتكز تحقيق المساواة بين الأجيال على الشباب (بحيث يُتوقّع أن يكون ما لا يقلّ عن ٣٠٪ من المشاركين دون سنّ الـ ٣٠ من العمر)، وعلى انعكاس تطلّعات وهواجس وأولويّات المُجتمع المدني. ودفعنا هذا المسار الصعب، نحن جيل النسويّات اللّواتي شكّلنَ جزءًا لا يتجزّأ من الاجتماع العالميّ في ١٩٩٥، إلى المُشاركة في حوار بين الأجيال مع النسويّات الشّابات اللّواتي يُضِفنَ أصواتًا جديدة وتحليلات واهتمامات عصرية، فضلًا عن ابتكار طرق مختلفة من التنظيم والتعبئة.

ركّزت النقاشات والانتقادات على الانقسام بين أجيال النسويّات، وعلى غياب الخطاب المُشترك المتّسق، كما أظهرت تباعدًا متزايدًا بين النسويّات على أساس العمر والإيديولوجيّات النسويّة. ونشهد هذه الخلافات داخل الحركة النسائيّة والنسويّة في لبنان، حيث يصعب إيجاد مجالات لتعزيز الحوار والتعاون بين الأجيال المتعدّدة.

في خضمّ هذه النقاشات بين أجيال النسويات، شكّلت الشابات منهن جزءًا لا يتجزّأ من الثورة اللّبنانية التي بدأت في ١٧ تشرين الأول، والتي لم يسبق لها مثيل في لبنان. في الواقع، النسويات كنَّ وما زلنَ يلعبنَ دورًا رائدًا في صياغة مَطالب "الثورة" التي من شأنها أن تمضي بنا بشكلٍ واضح نحو بلد تسود فيه المُساواة والعدالة والكرامة والحقوق وسيادة القانون.

شملت المطالب النسويّة خلال الثورة، على سبيل المثال لا الحصر، الدعوة إلى وضع قانون للمُساواة في الأسرة، ووضع حدّ للعنف ضدّ المرأة، والدعوة إلى مناهضة التحرّش الجنسيّ، وإلغاء نظام الكفالة الذي يربط العمّال المُهاجرين بعلاقةٍ ذليلة مع أرباب عملهم، وإشراك جميع النساء والفتيات، وحقوق مجتمع الميم LGBTQI (مثليي/مثليات الجنس ومزدوجي/مزدوجات التوجّه الجنسيّ والمتحوّلين/المتحوّلات جنسيًّا والمتحيّرين/المتحيرات وثنائيّي/ثنائيّات الجنس)، فضلًا عن حقوق الأفراد ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصّة، والتمتّع بالكرامة والتحرّر من الظلم والعنف للجميع. وتشدّد النسويات الشابات أيضًا على الحقّ في الحريّات الفرديّة والسلامة الجسديّة. ووُضعت مطالبهنّ ضمن إطارٍ جذّاب وذكيّ يُظهر تحليلاً للنظام الأبويّ وكيفيّة انعكاسه وتكاثره في المؤسّسات الاجتماعيّة وفي المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة.

بالنسبة إلى النسويّات الشابات، تأجيل تنفيذ هذه المطالب غير وارد، إذ بنظرهنّ أنّ هذه المطالب هي الثورة بحدّ ذاتها. وعلى هذا النحو، لم تعد سطوة الناشطين الذكوريين مقبولة. وهذا يشكّل انفصالًا كاملًا عن التجارب السابقة للثورات، حيث كانت الأصوات الرائدة والصاخبة دائمًا هي للذكور، وكانت المطالب محدودة ومحدّدة حسب القطاعات، في حين أنّ القضايا المتعلّقة بحقوق المرأة، لم تعتبر من الأولويّات. على سبيل المثال، فشلت تحركات عام ٢٠١٥ التي أشعلتها فضيحة النفايات في إشراك أصوات مختلفة وتحليل شامل لكيفية تأثير النظام الأبويّ/ الطائفيّ على جميع جوانب الحياة في المجالين الخاص والعام. وفي الواقع، أظهرت الحركة الاجتماعيّة في العام ٢٠١٥ علامات كره وعدائية تجاه النساء، تمثّلت خاصةّ في الهجمات الوحشيّة التي تعرّضت لها النساء المتحوّلات جنسيًّا اللّواتي كنّ يمارسن حقوقهنّ بالمُشاركة في التظاهرات.

تُظهر الثورات في بلدانٍ أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أيضًا، مؤشرات جليّة وواضحة على وجود مَساحات للتعبير النسويّ القويّ. شهدت السودان والجزائر، وأخيراً العراق، حشدًا كبيرًا من الناشطات النسويّات الشابّات، وغالبًا ما طالبت النساء بالتظاهر ضدّ القمع والعنف ووضع مطالبهنّ على الدوام في إطار الدعوة للتغيير وتحقيق سيادة القانون والعدالة والمساواة والكرامة للجميع. يَتجاوز دور المرأة في الثورات الحالية ما يتم تسويقه إعلاميًّا عن بروز المرأة في الثورة، أو الشّعارات المبسّطة على غرار "الثورة هي أنثى"، ولكنّها في الواقع دعوة إلى إصلاح النظام السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ الحاليّ القائم على السلطة الأبويّة وإطاحته.

تُظهر لمحة عامّة سريعة على الجيل الجديد من النسويّات اللّواتي يشكّلن الثورات الحاليّة، أنّنا نشهد حاليًّا تطوّرًا في ما يُطلَق عليه الموجة الرابعة من النسويّة، يُبرز تقاطعًا في الحركات النسوية المشاركة في الثورات الحالية، والتي تؤكد استقلالية وحقوق النساء وسلامتهن الجسديّة. كما تُظهر هذه الحركات فهمًا دقيقًا ومعمّقًا للروابط والصّلات، وتستخدم استراتيجيّات مُختلفة ومبدعة للتعبئة والتواصل، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعيّ، التي تعدّ غير مقيّدة أو مُلزمة بحدود جغرافيّة أو موضوعيّة. كما تبتعد عن تعريف الجنس على أنّه ثنائيّ. على القدر نفسه من الأهمية، تتنامى الروابط بين النسويّات الشابّات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باستخدام شبكات ومنصّات مختلفة. في الواقع، إنّ هذا الجيل الجديد من الأخوّة النسويّة والتضامن، ما هو إلّا بداية.

عندما بدأتُ الانخراط في مسار بيجينغ + ٢٥ كناشطة نسويّة في المُجتمع المدني، كنت مقتنعةً بأنّه لا ينبغي أن نطمح ونسعى إليه يتمثّل ببساطة في أن نكون قادرين على مقاومة التضييق المتصاعد على حقوق المرأة، والمحافظة على المكاسب السابقة وتحصينها. ومع ذلك، فإنّ قوّة ونشاط وتطوّر الأصوات النسائيّة الشّابة التي تصنع الثورات وتشكّلها، تجبرنا على أن ننظر ونتأمل بطريقة تتجاوز التمّسك بالمَكاسب السابقة. فهذه الأصوات الجديدة تأتي من المُجتمع المدنيّ، والعاملين/العاملات في وسائل الإعلام، والباحثين الشباب/ الباحثات الشابات، والطلّاب/ الطالبات، والفنّانين/ الفنانات، والناشطين/ الناشطات، والنساء الشابّات في جميع مناحي الحياة، والتوجّه الجنسيّ والهويّات الجنسانيّة.

يُلهمنا هذا التحوّل إلى إمعان النظر في مسائل بحثيّة نسويّة جديدة مثل:

كيف سنتعامل مع الطرق المبتكرة التي يستخدمها الجيل الجديد لإيصال الرسائل النسويّة وإبلاغها وكيف تؤثّر على الثورات الجارية؟

ما هي الطُرق الجديدة والمُختلفة للتعبئة من أجل المطالب النسويّة؟

كيف تطورت الحركات النسوية بين الجيل القديم والجيل الجديد؟

ما هو تأثير الروابط الإقليميّة؟ وكيف أثّر تطابق الأحداث على تشكيل الرسائل والإجراءات النسويّة على أرض الواقع؟

ما الذي نستخلصه من ذلك بشأن الأساليب السابقة المستخدمة في الدعوة النسويّة وممارسة الضغوط ومحاولات التأثير على السياسة العامّة؟ وكيف نتعامل مع المؤسّسات الاجتماعيّة وننخرط فيها في العصر الحاليّ دون أن نكون غير واعين أو متواطئين؟

كيف نقوم بتوثيق وأرشفة روايات الجيل الشاب والناشئ من النسويّات ودورهنّ في تشكيل الثورة؟

والأهمّ من ذلك، كيف نجمع المعرفة الأصليّة المهمّة التي تبتكرها كلّ يوم نساء شابّات، يقمنَ للمرة الأوّلى بإعادة المطالبة بالمساحة مع صوت الجيل الأكبر سنًّا من النسويات، وخصوصًا النسويّات في شمال العالم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم