الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

إما استرداد الأموال المنهوبة أو المجهول

المصدر: النهار
سينتيا الفليطي
إما استرداد الأموال المنهوبة أو المجهول
إما استرداد الأموال المنهوبة أو المجهول
A+ A-

"استرداد الأموال المنهوبة" مطلب صعد نجمه بعد انتفاضة 17 تشرين، فلم تكلّ حناجر المتظاهرين اللبنانيين من تكراره والتأكيد عليه. ولم تتوانَ الأحزاب السياسية في لبنان عن تبنيه والمزايدة بشأنه.

قدرت وزارة الخزانة الأميركية الأموال المنهوبة بـ 800 مليار دولار كما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، وقد نفذت عملية النهب 90 بالمئة من الذين حكموا البلاد حسب صحيفة "وول ستريت جورنال".

وتجدر الإشارة إلى أنه من الصعب في الواقع معرفة صحة هذه الأرقام دون الإطلاع على حركة تنقل رؤوس الأموال منذ 1992 حتى يومنا هذا. إلا أن المخيف ليس ضخامة الأرقام وحسب، بل مصدر المعلومة، أي الخزانة الأميركية المطلعة على النظام المصرفي والتحويلات المالية حول العالم.

في مطلق الأحوال وبغض النظر عن دقة الأرقام، لا يختلف اثنان في لبنان على أن هناك أموالاً منهوبة يجب استردادها وعلى أن هذه الأموال تساهم إن لم تكن كافية "وحبّة مسك" في انتشال لبنان من أزمته المالية والإقتصادية.

فهل هو واقع أم حلم صعب المنال؟ وما هو دور القوانين اللبنانية والقضاء اللبناني في تحقيقه؟

في القانون اللبناني

في أدراج مجلس النواب اقتراحان لقوانين تتعلق باسترداد الأموال المنهوبة: في أيلول الفائت تقدم الوزير جبران باسيل باقتراح قانون جرى وضعه فوق اقتراح النائب سامي الجميل النائم في الأدراج منذ العام الفائت. يؤخذ على نص القانونين عدم وجود آلية واضحة للتنفيذ علماً أن اقتراح النائب سامي الجميل متماسك لجهة المصطلحات، ويطابق الاتفاقية الدولية لاسترجاع الأموال المنهوبة. لكن العرقلة الفعلية لا تكمن في القوانين إنما في القيمين على تشريعها. فمشكلة الإصلاحات لا تكمن في الاقتراحات أو النصوص إنما في النفوس المصرة على الفساد. فلو وجدت الرغبة في الإصلاحات والمحاسبة والشفافية، لكانت المساءلة بدأت على أساس القوانين السارية المفعول كالإثراء غير المشروع أو قانون من أين لك هذا أو رفع السرية المصرفية، وهذا أضعف الإيمان.

- قانون الإثراء غير المشروع وقد وصفه البرلماني اللبناني السابق غسان مخيبر بأنه "كذبة كبيرة، كذبة تجرها أكاذيب أخرى" والمقصود أنه وضع من أجل حفظ ماء الوجه فقط، ولا يطبق. فمنذ صدوره في العام 1953 حتى يومنا هذا، لم تسجل شكوى واحدة تحت عنوان الإثراء غير المشروع ... صحيح أنه في الآونة الأخيرة، كانت ثمة محاولة لتسجيل أول دعوى تحت عنوان «الإثراء غير المشروع»، عندما ادّعت النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضية غادة عون، على رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. لكنها، كانت «كذبة» هي الأخرى. إذ أن الادّعاء جاء على أساس «مخالفته لتعليمات المصرف المركزي في ما يخص ملف القروض السكنية»، وليس على أساس الإجابة على سؤال كيف راكم ثروته. هكذا، بقي الإثراء غير المشروع مجرد قانون مكتوب على الورق.

- رفع السرية المصرفية في القانون اللبناني الذي يمكن أن يتحقق وفقا للقوانبن السارية المفعول وبواسطة هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان بناء على إشارة من النيابة العامة التمييزية. كما ويمكن بذل جهود إستثنائية لملاحقة الأموال المهربة إلى الخارج.

ويتضمن القانون اللبناني إلى جانب هذه القوانين تشريعات بخصوص مكافحة تبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتبادل المعلومات لغايات ضريبية من شأنها بالمبدأ الحد من الفساد، إلا أن المشكلة الأساسية والحقيقية تكمن في التنفيذ والقيمين على التنفيذ.

أما الأهم من ذلك، هو أن لبنان دولة طرف منذ 22 نيسان 2009 في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي دخلت حيز التنفيذ في 2005/12/14 والتي تضم حالياً 186 دولة. والتي تشير إلى آلية قانونية وإن كانت معقدة نسبياً، إلا أنها طبقت ونجحت في دول عدة كأوكرانيا وسويسرا. كما وتم الحجز على أموال الرئيس السوري بشار الأسد بموجب هذه الاتفاقية.

الآلية التقنية

عن الخطوة الأولى في الاتفاقية لاسترجاع أموال منهوبة أودعت لدى مصارف في دول أجنبيّة، أشار أستاذ القانون الدولي أبو كسم للنشرة إلى أنه "يمكن لمؤسسة إنتربول المساعدة بهذا الصدّد عبر مبادرتها الجديدة بخصوص المساعدة في استرجاع الأموال المنهوبة.

ويضيف: "تجدر الإشارة إلى أنّ القانون 44/2015، أعطى هيئة التحقيق الخاصّة صلاحية التجميد الاحترازي للحسابات، إضافة إلى صلاحية مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لمصلحة الدولة، والتي ثبت بموجب حكم قضائي أنها متعلقة بجريمة تبييض أموال أو تمويل إرهاب، أو محصّلة بنتيجتها ما لم يثبت أصحابها، قضائيًا، حقوقهم الشرعية بشأنها.

أمّا الخطوة الثانية، فيجب صدور حكم قضائي مبرم عن محكمة لبنانيّة بخصوص هذه الأموال وعدم مشروعيّة مصدرها، ولا يمكن الطلب من دولة أجنبية استرجاع الأموال المودعة لديها من دون صدور حكم قضائي. وللدولة اللبنانية أيضًا، إضافة إلى كلّ متضررّ مراجعة القضاء الأجنبي حيث مكان وجود الأموال لاستصدار قرار قضائي باستردادها.

أمّا الخطوة الثالثة، فيقتضي عقد اتفاقيات ثنائية ما بين الدولة اللبنانية والدول المودعة لديها الأموال، أسوةً بالاتفاقية الثنائية ما بين نيجيريا وسويسرا من أجل استرجاع أموال من المصارف السويسرية، بخصوص الاتفاقيات الثنائية، يجب أن تشمل أيضًا استرداد الأموال العينية والممتلكات.

في الخلاصة، استرداد الأموال المنهوبة أمر ممكن ومستحيل في آن معاً. فهو ممكن إذا قلبت السلطة القضائية الطاولة على رأس السلطة السياسية. وهو ممكن إذا استمرت الضغوط الشعبية بشكل فعلي وضاغط ليس فقط على السلطة السياسية إنما أيضاً على السلطة القضائية المعنية من أجل البدء بالإجراءات اللازمة. فالثورة اللبنانية حملها ثقيل كما يقال، لأنها غير معنية فقط بإيقاظ ضمائر المسؤولين إنما بإيقاظ المولج بهم السهر على مراقبة ضمائر المسؤولين. فنحن وبكل وضوح وشفافية بحاجة إلى ثورة قضاء، ثورة من أجل استقلاليتهم في الدرجة الأولى واستقلالية واستقلال لبنان تباعاً. إن هذه الخطوة التي من شأنها انتشال لبنان من أزمته معلقة على موقف قضائي جريء، جدي وبطولي.

وبين الواقع والمجهول، يبقى الرهان على وعي وهمّة شباب وشابات انتفاضة 17 تشرين وعلى واجبنا الوطني الذي يملي علينا التضحية في سبيل انتشال وطننا من الغرق ومن فم الحيتان "ومنهم صندوق النقد الدولي" وعلى رجال الدولة من القضاة.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم