السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

بالصور: القرنة السوداء والسقوف العالية

أنطوان الخوري طوق
بالصور: القرنة السوداء والسقوف العالية
بالصور: القرنة السوداء والسقوف العالية
A+ A-

وسط الضجيج حول القرنة السوداء لا بد من قراءة هادئة متأنية وعلمية لما تمثله "القرنة" من ثروة جغرافية وبيئية وجمالية، وذلك بإنتزاع الملف من المبارزات والزجليات السياسية والطائفية والمناطقية ووضعه في إطاره الوطني والعلمي والقانوني.

يبدو لمتتبعي هذا الملف الذي تتناوله البيانات والتصريحات كأن الجميع في بشري والضنية ذاهبون إلى التصادم حول المياه وحق الملكية، مع أن الموضوع ليس بحاجة إلى هذا الكم من المواقف المتشنجة والتصريحات النارية، ولا سيما من بعض الصحافيين وبعض النواب الذين أفتوا جازمين بملكية الضنية لـ"القرنة" وهم ليسوا من أهل الإختصاص ولا من المرجعيات الصالحة لتثبيت حق الملكية، ولم يُعرف عنهم أنهم من أصحاب الهموم البيئية، لكأننا في موسم إنتخابي حيث تبرز المواقف الشعبوية والمشاعر المتأججة من دون أي تحسب لما قد تثيره هذه التصريحات من إحتقان وتشنج على ضفتي "القرنة".



في قراءة هادئة لما تمثله "القرنة" من الناحية البيئية، وبغض النظر عن الحكايات والاعراف والتقاليد والوجدان التاريخي الأهلي، ننظر إلى القرنة السوداء كأعلى قمة في الشرق الأوسط (3088 متراً) واكبر خزان للمياه الجوفية في لبنان، في حدود مشتركة بين بشري وبقاعصفرين واهدن، تغطيها الثلوج طوال أيام السنة وتبلغ مساحتها ملايين الأمتار، ومنها تتغذى ينابيع بشري وإهدن والضنية، وهي منطقة لا تزال عذراء يقصدها الرعاة والسياح والصيادون وهواة الحياة البرية والمتزلجون أيام الصيف. وقد زادت أهميتها ببروز الوعي البيئي وإنتشار الثقافة البيئية في بشري على أيدي الناشطين والجمعيات البيئية.

الكل يعرف جيداً أن الحفاظ على البيئة في لبنان لم يكن يوماً عملاً دولتياً ومؤسساتياً وانما نتيجة نضالات أفراد ناشطين اخذوا على عاتقهم تأسيس الجمعيات والتحذير من الأخطار التي تهدد الطبيعة اللبنانية بجبالها وأوديتها وغاباتها وبحارها وشواطئها وانهارها ومياهها الجوفية. فاللبناني لم يألف سلطة راعية لحاضره ومستشرفة لمستقبله، ولم يتعود شفافية مرجعيات رسمية وقانونية تأخذ على عاتقها إستشراف الأخطار والأزمات وتضع رؤى لحل أي نزاع عقاري أو أهلي أو مناطقي.



فوزارات، مثل البيئة والزراعة، وهي الأساس في أي عمل تنموي مستقبلي، لم تثر يوماً شهية التيارات السياسية والمستوزرين لأن موازناتها خفيفة ولا تعتبر وفقاً للهرطقة السياسية اللبنانية وزارات سيادية أو خدماتية دسمة، ولم تثر أي رغبة إلا بعد وعود "مؤتمر سيدر". نتيجة هذا الإعتقاد السخيف، نرى الأزمات تحاصرنا من كل الجهات: النفايات، التلوث، السرطان، التصحر، حرائق الغابات، المشاحر، المقالع، المرامل، الكسارات، التهريب وكساد المواسم الزراعية وعدم حماية الإنتاج المحلي أمام المنافسة الغريبة ونزوح أهل الجبال والاطرف في إتجاه السواحل والمنافي البعيدة.




اللبناني متروك لأقداره ليقلع شوكه بيديه. وإلا ما معنى هذا التباطؤ الرسمي في معالجة قضية القرنة السوداء التي تنذر بتصادم بين أهالي بشري وأهالي بقاعصفرين طوال سنين، ولا سيما أن الموضوع ليس طارئاً وإنما كان موضوع متابعة من المجالس البلدية المتعاقبة في بشري وفي بقاعصفرين، كما كان منذ سنوات قليلة موضوع متابعة مع رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس ميشال سليمان ومع قائد الجيش اللبناني سابقاً العماد جان قهوجي ومخابرات الشمال حيث تم الإتفاق بين بلدية بشري ورئيس بلدية بقاعصفرين السابق في مكتب مخابرات الشمال على إبقاء أربعة نباريش مياه من ثلاجات القرنة بشكل موقت إلى حين إنتهاء المواسم الزراعية الصيفية والانتهاء من العمل في بركة العطارة في جرد بقاعصفرين، وقد قامت انذاك وحدات من الجيش اللبناني بنزع الإمدادات الإضافية وبمنع أي ظهور مسلح في "القرنة".

فإذا لم يكن من الجائز مد نباريش من الثلاجات، فهل أصبحت عمليات الحفر لإنشاء بركة على سطح القرنة وفي باطنها من الأمور المسموح بها بيئياً وعقارياً؟

هذا الكلام برسم وزارة الزراعة والمشروع الأخضر صاحب الخبرة في إنشاء البرك الإصطناعية.

هنا، لا بد من طرح بعض الأسئلة على كل المعنيين بهذا الملف:

١- لماذا لا تتحمل الدولة اللبنانية مسؤوليتها وتعمد إلى إستكمال أعمال المساحة وترسيم الحدود في القرنة السوداء منعاً لكل إجتهاد وتحاشياً لكل إحتقان ونزاع أهلي في ظل الهمس عن تواطؤ رسمي؟

٢- كيف تسمح وزارة الزراعة، تالياً المشروع الأخضر، بأعمال الحفر في أرضٍ هي موضوع نزاع، وفي أعلى واكبر خزان مياه جوفية في لبنان وفي منطقة عذراء من دون دراسة أي أثر بيئي؟

تالياً، كيف تسمح بإحضار آليات ثقيلة إلى هذا الموقع الطبيعي وكيف سمحت لنفسها بتجاهل المعايير البيئية وقرارات وزارة البيئة سنة ١٩٩٨ التي اعتبرت "القرنة" موقعاً طبيعياً (القرار ١٨٧/١) إذ تمنع بموجبها أي أعمال على سطح الأرض وفي باطنها على إرتفاع ٢٤٠٠ متر؟ وكيف تم تجاهل تقارير الخبراء الجيولوجين الذين اوفدتهم وزارة الطاقة عندما كانت تعرف باسم وزارة الموارد فدرسوا طبقات الأرض ونوعية التربة واوصوا بعدم العبث بهذا الموقع (التقارير محفوظة في بلدية بشري ووزارة الطاقات)؟

3- لماذا لا تعمل الوزارات المعنية على إعلان القرنة السوداء محمية طبيعية حسماً لكل تخريبٍ أو جدال؟ لماذا لا يعمل المشروع الأخضر على تأمين مصدر للمياه لمزارعي بقاعصفرين وهذا حقّهم الطبيعي ولكن خارج موقع القرنة السوداء.

٤- في النزاع القائم حول ملكية القرنة، فسواء عادت هذه الملكية إلى بشري أو إلى بقاعصفرين، من الواجب منع أي عمل فيها قد يؤثر على سلامة مياهها الجوفية أو على تنوعها البيولوجي، مع العلم أن خرائط الشؤون الجغرافية واحداثيات خرائط الجيش ليست مرجعاً لحل أي نزاع عقاري كما يدّعي بعض المسؤولين والنواب في تسرعهم وارتجالهم للمواقف لكسب رضا أهالي الضنية وذلك بحسب الخبراء في الدوائر العقارية.

القرنة السوداء هي ثروة وطنية وهي سقف لبنان وسقف الشرق الأوسط. فليخفض بعض السياسيين وبعض حملة الأقلام سقوفهم العالية ليلتقي الجميع تحت سقف وطني واحد حيث يحتكمون إلى القانون والقانون وحده لإيجاد الحلول المناسبة. ولتتوقف كل الأعمال في القرنة السوداء إلى حين التوصل إلى الحلول الملائمة. فالموضوع ليس مارونياً ولا سنياً ولا شيعياً، ومن غير الجائز ومن غير المسموح به أن يكون كذلك أو أن يتحول إلى ذلك.

الموضوع هو قانوني صرف وبيئي صرف ووطني صرف. وليبحث المستثمرون في النزاعات الأهلية عن استثماراتهم في موضوعات أخرى وفي أماكن أخرى. ولتتحمل الدولة اللبنانية بوزارتها كافة، وممثليها واجهزتها، مسؤولية حماية القرنة السوداء من العبث بها وتجنب أي نزاع أهلي.





حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم