الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الأم والطفل: كيف نعزز التفاعلات الإيجابية والتواصل الناجح؟

المصدر: النهار
كيف نحافظ على علاقة متينة وقوية بين الأم وابنائها؟
كيف نحافظ على علاقة متينة وقوية بين الأم وابنائها؟
A+ A-
 
ليس سهلاً أن تؤسس عائلة وتبني علاقات صحية ومتينة مع كل أفرادها. هذه مهمة صعبة وتحمل تحديات كبيرة، خصوصاً أن الموروث العائلي أو التاريخ العائلي قد يترك ترسّباته في شخصية الوالدين والتي تنعكس عند تربية أولادهما.
 
بناء علاقة متينة ومتوازنة وصحية مع الابن أو الابنة ضروري ومهم لتطورهما ونموهما النفسي والجسدي، ولكن كيف يجب أن تبنى هذه العلاقة، وما هي ركائزها؟ وما هي حدود هذه العلاقة بين الوالدين والأبناء ومتى تصبح هذه العلاقة سامّة أو مضرة؟
 
تشرح الاختصاصية في علم النّفس يارا بصيبص أنه "لا يوجد صورة واحدة تُحدد كيف يمكن أن تكون العلاقة متزنة بين الأم وأولادها، ولكن إجمالاً من المهم أن تكون العلاقة هرمية وأن يكون لدى الوالدين السلطة وليس التسلّط، بمعنى أن يكونا مقررين في الأمور العائلية. وبالتالي أن يكونا المرجع ويضعان قوانين المنزل.
 
والأهم أن نعرف أن الأم والأطفال ليسوا متساوين في المركز العائلي. على سبيل المثال إذا كان الطفل حزيناً فمن واجب الأم أن تفهم ما يعانيه وتساعده على التعبير عن مشاعره. في المقابل إذا كانت الأم مريضة أو غائبة فالاهتمام بها ليس من مسؤولية الأولاد. وهذا ما يُفسر أن الولد والأهل ليسوا متساوين في المسؤوليات.
 
ونلاحظ عند بعض العائلات اختلاطاً أو تقلباً في الأدوار، حيث يلعب الولد دور والده والأم تلعب دور ابنتها، ما يؤدي إلى ضياع أو إرباك تمنع الولد من معرفة حدوده وتؤثر سلباً على نموه. أحياناً تعبّر الأم عن هذه المشكلة بالقول "أجد صعوبة في وضع حدود لأولادي الذين يأخذون القرارات ويضعون الحدود بأنفسهم عوضاً عن وضعها من قبلي. عندما كنتُ صغيرة كان والداي يسمحان لي بفعل كل شيء من دون أن يقولا لي يوماً "ممنوع" أو هذا "غير مسموح"، أو حتى أسمع كلمة "لا".
وعليه، تؤكد بصيبص أهمية أن "نقول "لا" لأولادنا وأن نشرح سبب هذا الرفض منذ الطفولة، فهذه التربية تسمح لهم بالنمو بطريقة متزنة وطبيعية وتجعلهم مستقلين تدريجياً عن أهلهم.
 
صحيح أننا نشجع على أن يكون هناك علاقة متينة للتواصل والتقارب، إلا أن ذلك لا يعني أننا أصدقاء، وهنا تكمن أهمية وضع الحدود للسماح بالتطور النفسي والعاطفي عند الولد، وهذه المهمة ليست سهلة لأنها مرتبطة بالتاريخ الشخصي للوالدين في طفولتهما، وهما بحاجة إلى معالجة المشاكل والترسبات من الطفولة حتى ننجح في بناء علاقه جيدة وعدم نقل تلك المشاكل إلى الأولاد. وهذا يتم من خلال العلاج النفسي لفهم المشكلة وبلورتها في إطار مهني.
 
 
 
وعن تأثير شخصية الأم على الولد، ترى بصيبص أنّ "الأم تعتبر المرجع الأول عند الطفل المولود، وهي الأولى التي تشعر به وتشمّه وتنظر إليه. لذلك منذ ولادة الطفل، قد تؤثر الحالة النفسية للأم عليه من خلال كيفية التعاطي معه والحديث معه وإطعامه والتعبير والغناء له... يشعر الطفل بكل هذه الأمور  التي تؤثر عليه وعلى نموه.
 
وتشدد بصيبص على أهمية أن تكون الأم جيدة بما فيه الكفاية (good enough mother) وهو مفهوم تحدث عنه المحلل النفسي Winnicott شرط أن لا تسمح بكل شيء من دون وضع حدود، أو تمنعه من كل شيء من دون أخذ وجوده بالاعتبار . لذلك التوازن هنا مهم، وترك مساحة للولد لكي ينمو ويستطيع أن ينتقل من الاعتماد الكلي على الأهل إلى الاعتماد الجزئي.
 
*على كل أم أن تعطي ما تستطيع لأولادها و أن تفكر بنفسها ورغباتها أيضاً لتكون مرتاحه نفسياً بشكل ينعكس إيجاباً على علاقتها بأولادها.
 
متى تكون العلاقة مضطربة بين الأم والولد؟ وهنا تتحدث بصيبص عن عدة عوامل تجعل العلاقة مضطربة بين الأم وطفلها، خصوصاً عندما لا تستمع إلى رغبات ومشاعر أولادها، فإن ذلك يصعّب أو يمنع بناء علاقة متينة ترتكز على الثقة. وتشير كل الدراسات إلى أن الطفل يتأثر ويشعر بوالدته حتى وهو جنين. لذلك لبناء هذه العلاقة الصحية، من المهم التواصل معه منذ الحمل وحتى الولادة، لأن هذه العلاقة النفسية تتغذى طيلة الوقت وتصبح متينة أكثر يوماً بعد يوم. وإن كانت الأم غائبه لأسباب معينة، من المهم أن يكون هناك بديل يرتاح له الطفل كالعمة أو الخالة.
 
 
وتستعين بصيبص بمثال عيادي من خلال قصة أم بدأ ابنها البالغ من العمر سنيتن يعاني من نوبة بكاء شديدة قبل النوم، وفي تلك الفترة كانت الأم قد فقدت والدتها، ولم تكن قادرة على التعبير لطفلها عن مشاعرها. وبعد جلسات نفسية علاجية، بدأت الأم تعبّر عن مشاعرها وبدأت تتحدث مع طفلها عن حزنها وما شعرت به بالقول: "أنا حزينة لأنني خسرت والدتي ولكن لا ذنب لك بهذا الحزن، وأنا أحبك ولن أتخلى عنك". وبعد عدة جلسات عاد الطفل لينام مطمئناً من دون بكاء، بعد أن عبرت له الأم عن مشاعرها. هذه القصة تؤكد أهمية التحدث مع الطفل وبناء هذه العلاقة القوية بينهما والإفصاح عن مشاعر الأم والولد من دون خوف أو تردد، وأن تصارحه بما تعيشه حسب عمره وما يناسبه والأمور التي تعنيه لأن الولد يشعر أحياناً بالذنب عندما يكون أحد الوالدين في حالة حزن أو غضب...
 
 
كما تلفت بصيبص إلى "ضرورة الحديث عن الشريك الآخر (الزوج/ الزوجة في غياب أحدهما) إيجابياً وبصورة جميلة وعدم إشراك الأولاد بالمشاكل الزوجية تفادياً لأي مسؤولية أو شعور بالذنب عند الأولاد. وهذا ما يعكس صورة عن الحياة الزوجية التي تؤثر في الخيارات المستقبلية للأولاد.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم