الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"الفاتيكان يصدم العالم المسيحي بإعلانه العثور على نسخة قديمة من الإنجيل"؟ إليكم الحقيقة FactCheck#

المصدر: النهار
هالة حمصي
هالة حمصي
صورة الكتاب الذي عثرت عليه تركيا عام 2000، والمتناقلة في وسائل التواصل (فايسبوك).
صورة الكتاب الذي عثرت عليه تركيا عام 2000، والمتناقلة في وسائل التواصل (فايسبوك).
A+ A-
يتداول مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي صورة وفيديو بمزاعم ان "الفاتيكان أعلن العثور على نسخة قديمة من الإنجيل عمرها 1500 سنة، ليصدم العالم المسيحي ويقلب النصرانية رأسا على عقب بإعلانه أن عيسى ليس الله ولا ابن له...". غير أن هذه المزاعم لا صحة لها. الفاتيكان لم يعلن أي شيء مما يزعمه المنشور. والصورة انتشرت عام 2012، وتعود الى "كتاب مقدس قديم، مكتوب بخط اليد بالآرامية، عثرت عليه الشرطة التركية خلال عملية لمكافحة التهريب عام 2000، وتم تسليمه الى متحف أنقرة الأنثروبولوجي". لكنّ خبراء ولاهوتيّين شكّكوا في أصالته، واعتبروه "خدعة"، "عملاً زائفاً". FactCheck#   
 
"النّهار" دقّقت من أجلكم 
 
الوقائع: التشارك في الصورة والفيديو تكثّف أخيراً عبر صفحات وحسابات في الفايسبوك (هنا، هنا، هنا، هنا، هنا...)، وتويتر (هنا، هنا، هنا...). وقد أرفقا بالمزاعم الآتية (من دون تدخل أو تصحيح): "الفاتيكان يصدم العالم المسيحي ويقلب النصرانية راسا على عقب بإعلانه العثور على نسخة قديمة من الإنجيل عمرها 1500 سنة وأن عيسى ليس الله ولاإبن له وأنه عبد الله ورسوله وأنه لم يُقتَل ولم يُصلب وأنه رفع حيا إلى السماء...".
 
 
 
 
التدقيق: 
البحث عن المنشور يبيّن أنه سبق ان انتشر على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، عام 2018 (هنا، هنا...)، وعام 2019 (هنا، هنا...)، وعام 2020 (هنا، هنا...)، قبل ان يتجدّد تناقله أخيرا.  
 
- ولكن ما حقيقة الأمر؟ 
أولا، الفاتيكان لم يعلن بالتأكيد اي شيء مما يزعمه المنشور. ولا اثر لهذا الاعلان المزعوم في المواقع والحسابات الفاتيكانية الرسمية او في اي مواقع ووكالات اخرى.  
 
ثانياً، تعود الصورة المتناقلة الى 23 شباط 2012، بحيث نشرتها مواقع اخبارية تركية (هنا، هنا، هنا، هنا، هنا...)، ومن ثم مواقع اخبارية أجنبية (هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا...) ضمن تقرير عن "العثور على كتاب مقدس عمره 1500 عام في أنقرة بتركيا". 
 
وافاد موقع national turk، في تقريره، ان "الكتاب المقدس كان في عهدة السلطات التركية بعدما وضعت اليد عليه عام 2000 خلال عملية في منطقة البحر الأبيض المتوسط بتركيا. وقد اتهمت عصابة مهربين بتهريب آثار بطريقة غير شرعية وحيازة متفجرات، وأحيلت على المحاكمة. وأدلت الشرطة التركية بشهادتها في جلسة استماع في المحكمة، وقالت إنها تعتقد أن المخطوطة يمكن أن يراوح عمرها بين 1500 و2000 سنة. وبعد ثماني سنوات من الانتظار في أنقرة، تم نقل الكتاب المقدس القديم إلى متحف أنكاران الإثنوغرافي، بمرافقة الشرطة".
 
ووفقا للمعلومات، "تحتوي المخطوطة على مقتطفات من كتاب مقدس، مكتوبة بحروف ذهبية على الجلد، وبخطوط من الكتابة السريانية باللهجة الآرامية، ومربوطة بشكل غير محكم". وذكر الموقع ان "الخبراء انقسموا حول مصدر المخطوطة وما إذا كانت أصلية، مما يجعلها إما لا تقدر بثمن، وإما زائفة". وكتب انه "بحسب ما ورد اليه، فقد قدم الفاتيكان طلبًا رسميًا لفحص الكتاب المقدس". 
 
 
غير أن وزير وزير الثقافة والسياحة أرطغرل غوناي نفى ذلك، لدى سؤاله عن الامر، وفقا لما أورد موقع trt haber التركي. وقال: "لا يوجد طلب لنقله إلى شخص آخر أو مجتمع أو مكان آخر...". وفي وقت لاحق، ذكرت صحيفة "زمان" التركية أن "الفاتيكان لم يطلب نسخة من الكتاب، لكن سفير الفاتيكان في أنقرة طلب من السلطات التركية التحقق منه ومن اصالته" (هنا).
 
ما الذي تضمّنه هذا الكتاب؟ 
ذُكر أن هذا الكتاب يحتوي على "آيات منسوبة إلى السيد المسيح"، و"يتنبأ فيها بمجيء النبي محمد". ووفقا لما ورد في تقارير اعلامية (هنا، هنا، هنا...)، فإن الكتاب "يتعامل مع يسوع المسيح كإنسان وليس كإله، وتُرفض فيه أفكار الثالوث المقدس وصلب المسيح، تماشيا مع العقيدة الاسلامية". "وفي واحد من النصوص، يُقال إنه قال لكاهن: "كيف يُدعى المسيح؟ محمد هو اسمه المبارك".
 
- خبراء ولاهوتيون يشكّكون -
فور انتشار الخبر عن هذا الاكتشاف، ابدى خبراء ولاهوتيون اهتماماً به، مبرزين جملة أمور استوقفتهم في مضمونه، والتي عزّزت الشكوك بأنه زائف.
 
 وقد سجّل الباحثان الآشوريان بيتر بتباسو Peter BetBasoo وآشور جيوارجيس Ashur Giwargis بعض الملاحظات المهمة على ما أمكنهما قراءته في الكتاب، منها ورود "اخطاء لغوية" لافتة في الكتابة بالآرامية، مقدمين أمثلة عليها، في تقرير نشرته وكالة الأنباء الآشورية الدولية في 29 شباط 2012 (هنا). 
 
 وقالا: مع أنه ورد في الكتاب أنّ "رهبانا في الدير العالي في نينوى كتبوا هذا النص عام 1500م"، الا انه "من المستبعد جدًا أن يرتكب رهبان مثل هذه الأخطاء المبدئية". 
 
خطأ آخر اشارا اليه، ووقعت فيه المواقع الاخبارية التركية والاجنبية بالقول إن "الكتاب عمره 1500 عام"، بينما ورد فيه انه "كُتب عام 1500م". 
 
كذلك، لاحظا أن "الكتابة المستخدمة هي اللغة الآشورية الحديثة، والتي تم توحيدها في أربعينات القرن التاسع عشر. وقد صدر الكتاب المقدس الأول باللغة الآشورية الحديثة عام 1848. وإذا كان هذا الكتاب كُتب عام 1500م"، كما ذُكر فيه، "لكان من المفترض أن يكون كُتب باللغة الآشورية الكلاسيكية".
 
 أمر آخر استوقفهما. "يشير النقش السفلي أيضًا إلى أن الكتاب كُتب عام 1500م. وإذا كان يحتوي على آيات تتنبأ بمجيء النبي محمد، فليس التنبؤ بأمر بعد 870 عامًا على حصوله إنجازا عظيما، ذلك أن النبي محمد أسّس الإسلام عام 630م".
 
كذلك، عرض الاختصاصي في النقد النصي الانجيلي الدكتور بيتر. جي ويليامز Peter J. Williams تقييمه للكتاب، معربا عن شكوكه في أنه "تزوير حديث" (هنا).
 
بدوره عرض الدكتور روبير شعيب "الحقيقة وراء الإنجيل المنحول الذي اكتُشف في تركيا" (هنا، هنا)، قائلا ان "ليست لدينا أية ضمانة على أصالة النص وأمانة النسخ. فالمخطوط يعود إلى 870 سنة بعد نشأة الإسلام. بكلمات أبسط: حتى لو كان الكتاب منسوخًا عن مخطوط يعود إلى القرن الخامس، لا بل حتى لو كان المخطوط الأصلي يعود إلى القرن الأول، ما لدينا الآن للبحث العلمي هو نص يعود إلى القرن الخامس عشر، أي بعد قرون عديدة من الفتح الإسلامي. وفي هذه الفترة الزمنية الطويلة جدًا، يمكن النساخ أن يكونوا قد أضافوا وبدلوا وأعادوا صياغة ما شاؤوا من النص". 
 
- انجيل برنابا المنحول -
مع الاضاءة على الكتاب عام 2012، انتشرت تكهنات أنه إنجيل برنابا المنحول، والذي يتوقع ظهور الإسلام. ونقلت تقارير اعلامية تصريح وزير الثقافة والسياحة التركي أرطغرل غوناي بأن "الكتاب يمكن أن يكون نسخة أصلية من إنجيل برنابا، والذي أخفته الكنيسة المسيحية بسبب أوجه التشابه القوي مع وجهة النظر الإسلامية في ما يتعلق بيسوع المسيح". 
 
لكن هذه التكهنات دحضها ايضا خبراء ولاهوتيون، مشككين في صحتها، ومبدين اعتقادهم ان الكتاب زائف، ويعود إلى القرن الـ16 ميلادي. وقال القس البروتستانتي إحسان أوزبك إن "من غير المرجح أن يكون هذا إنجيلا أصليا، ذلك أن برنابا عاش في القرن الأول بعد ميلاد السيد المسيح، وكان واحدا من تلاميذ يسوع المسيح، على النقيض من هذا الإصدار الذي يُقال أنه يعود للقرن الخامس أو القرن السادس الميلادي". وقال لصحيفة "توداي زمان: "نسخة أنقرة قد تكون كتبها أحد أتباع القديس برنابا".
 
 ردا على هذه التكهنات ايضا، تم التذكير بـ"تناقضات يتضمنها انجيل برنابا مع القرآن، رغم أنه يعترف بالإسلام وبالنبي محمد". وقد تناولها الكاتب والمفكر المصري عباس محمود العقاد بالتفصيل في مقالة نشرتها جريدة الأخبار بتاريخ 26 تشرين الاول 1959. ولاحظ ان الكتاب تضمن "العديد من التعبيرات التي اقترضها الأوروبيون من مصادر عربية". ورأى أنه "من الصعب تصديق رواية الكتاب عن أن السيد المسيح أعلن البشارة أمام الألوف باسم محمد رسول اللّه"، لافتا الى ان الكتاب "يحتوي على أخطاء عدة يمكن أن تكون واضحة لليهود والمسيحيين والمسلمين على حد سواء" (هنا، وهنا ايضا).
 
ويمكن القراءة هنا وهنا وهنا، وهنا، عن انجيل برنابا "المنحول" و"الكذبة"، وفقا للشرح المسيحي.  
 
- "ليست له قيمة" -
 "خدعة انجيل برنابا". بهذا العنوان، عنونت "لا ستامبا" الايطالية تقريرا اعده الخبير الفاتيكاني ماركو توساتي Marco Tosatti عن الكتاب المزعوم، في 5 آذار 2012. وكتب: "هذا الاكتشاف خدعة على الارجح، من عمل مزوّر كان ربما، بحسب البعض، عالمًا يهوديًا أوروبيًا من العصور الوسطى".
 
كذلك، ندّد البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر، بالكتاب باعتباره "خدعة". وقال خلال تعليم مسيحي في 24 حزيران 2015: "الكتاب مليء بالأخطاء التاريخية والجغرافية، عمل مزور"، و"ليست له قيمة ولا نصيحة مفيدة للحياة اليوم"، وفقا لما نقلت عنه وكالة Fides (هنا، هنا). 
 
النتيجة: اذاً، لا صحة للمزاعم ان "الفاتيكان أعلن العثور على نسخة قديمة من الإنجيل عمرها 1500 سنة، ليصدم العالم المسيحي ويقلب النصرانية رأسا على عقب...". الفاتيكان لم يعلن أي شيء مما يزعمه المنشور. والصورة المتناقلة انتشرت عام 2012، وتعود الى "كتاب مقدس قديم، مكتوب بخط اليد بالآرامية، عثرت عليه الشرطة التركية خلال عملية لمكافحة التهريب عام 2000، وتم تسليمه الى متحف أنقرة الأنثروبولوجي". لكنّ خبراء ولاهوتيّين شكّكوا في أصالته، واعتبروه "خدعة"، "عملاً زائفاً". 
 
 
 
 
 
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم