الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

من المشانق إلى الرصاص وصاعق الانفجار... مشعل الحرّية لا ينطفئ

المصدر: "النهار"
أرشيفية.
أرشيفية.
A+ A-
ملفات قتل متراكمة، متعاقبة، كالجرح الملتهب. ذُيِّل معظمها بجملة واحدة: "التحقيق لم يتوصل الى نتيجة"! القاتل النذل أفلت من العقاب، هازئاً. على الأرض، دماء صحافيين استشهدوا قتلاً، على المشنقة، بالرصاص، بالتعذيب والخطف والتشويه، بالتفجير، وبعضهم وقف وجهاً لوجه أمام قاتله. دم كثير سال لم ينل من الأصوات الحرّة ولم يطفئ شعلة الكلمة الجريئة. دم كثير سال والمطالبة بالعدالة مستمرة. القلم لن ينكسر. الكلمة لن تموت.


شهداء 6 أيّار 1916

في الساعة الأخيرة، كلٌ قال ما لديه بجرأة. "حبذا الموت في سبيل الوطن!". 6 ايار 1916. 7 صحافيين أُعدِموا معاً وتباعاً، شنقًا (الى جانب 7 آخرين)، بأمر من والي الشام العثماني جمال باشا "السفاح"، في "ساحة الاتحاد" المعروفة لاحقا بـ"ساحة البرج" او "ساحة الشهداء".
الشيخ أحمد حسن طبّارة (صاحب جرائد "الاتحاد العثماني"، "الإصلاح"، "الائتلاف العثماني" و"الحضارة")، سعيد فاضل عقل (صاحب جريدة "صدى المكسيك")، عمر حمد (شاعر وصحافي في جريدتي "المفيد" و"الإصلاح")، عبد الغني العريسي (صاحب جرائد "صدى المفيد"،"الفتى العربي"،"لسان العرب"، و"المفيد")، الأمير عارف الشهابي (صحافي في جريدة "المفيد")، باترو باولي (مدير جريدة "الوطن" ورئيس تحرير جريدة "المراقب")، جرجي حدّاد (صحافي في جريدتي "لبنان" و"الرقيب"). وﻓﻲ 5 حزيران، لحق بهم الشيخان فريد وفيليب الخازن (صاحبا جريدة "الأرز").



نسيب المتني

في الأولى والنصف فجر 8 أيار 1958، اغتيل مؤسّس جريدة "تلغراف بيروت" الصحافي نسيب المتني بخمس رصاصات، اخترقت إحداها قلبه، ليخرّ صريعاً، بعدما صرخ في وجه قاتله: "يا كلب، يا جبان".
كان المتني معروفاً بجرأته ومواقفه القويّة.
 

فؤاد حدّاد

في 19 أيلول 1958، اغتيل الصحافي في جريدة "العمل" الكتائبية فؤاد حدّاد، الملقب بـ"أبو الحن"، إثر خطفه بعد خروجه من وزارة التربية.
 
كامل مروّة

سُدِّدت ضربة جديدة في 16 أيار 1966. كان صاحب صحيفة "الحياة" كامل مروّة يداوم كالعادة في مكتبه في الطبقة الثالثة (في مركز الجريدة في محلة "الغلغول" خلف "التياترو الكبير"). دخل عليه عدنان سلطاني بحجّة تسليمه رسالة خاصة. وما إن صار وحده وجهاً لوجه معه، حتى استلّ مسدّساً وأطلق عليه النار، بينما كان مروّة يحاول المقاومة بقذف الجاني بالتلفون الذي كان يستعمله عندما دخل عليه.
كانت التاسعة إلا خمس دقائق ليلاً. وسقط مروّة صريعاً برصاصتين من مسدس مزوّد بكاتم للصوت أصابتاه في قلبه. و"ألقي القبض على الجاني فوراً (وهو يهرب صوب البرج)". وسُجن... وباعترافه كان أداة مؤامرة "ناصرية"، لأن "الحياة" كانت، على قوله، "المنبر الأول في حملة عداء ضد القومية العربية".
 
إدوار صعب

16 أيار 1976، كان دور رئيس تحرير "لوريان لوجور" إدوار صعب، ذاك الصحافي الراكض أبداً وراء الحدث. الحرب الأهلية بدأت: معابر، خطف، قتل على الهويّة، وقنص. وعلى غرار سابقيه، قضى صعب بالرصاص، رصاص قنّاص لن يُعرَف أبداً من كان، ولا لحساب من كان يصطاد، خلال توجّهه من الأشرفية الى مكتبه في الحمراء.
 
 
سليم اللوزي

في 4 آذار 1980، وُجدت جثّة صاحب مجلة "الحوادث" الصحافي #سليم اللوزي في أحراج بلدة عرمون قرب مواقع للقوات السورية، بعد 9 أيام على اعتراض سبيله عند الحاجز الرئيسي لقوات الردع السورية على طريق المطار. هذا الصحافي"العريق" و"اللامع" كان عائداً الى لندن، بعدما جاء الى لبنان ليدفن والدته، رغم علمه بأن ثمة خطراً يهدّد حياته.



قُتل، وشوّهه قتلته ببشاعة: كان ملقى على بطنه، وفي مؤخرة الرأس طلق ناري حطّم الجمجمة ومزّق الدماغ. ذراعه اليمنى سلخ لحمها عن عظمها حتى الكوع، والأصابع الخمس سوداء نتيجة التذويب بالأسيد أو حامض الكبريت.


رياض طه

في 23 تموز 1980، أمطر مسلحون نقيب الصحافة رياض طه بوابل من الرصاص، في كمين نصبوه له قرب فندق "كونتيننتال" في الروشة، في طريقه من مقر النقابة الى الدوحة لمقابلة رئيس الحكومة المستقيلة سليم الحص. وفي تقرير الطبيب الشرعي، "أصيب النقيب بـ6 رصاصات من النوع المتفجّر، اخترقت الرأس والعنق والصدر، وأحدثت فجوات، وكلها كانت قاتلة".
 


واللائحة تطول...

يحيى الحزوري (جريدة "اللواء" – عضو في حزب البعث العربي الاشتراكي) اغتيل في 29 آب 1980. رئيس تحرير "الفهرست" سمير عاصم الشيخ في 9 تموز 1985، مع زوجته وولديهما في منزلهم في رأس بيروت. رئيس تحرير "النداء" الكاتب الشيوعي سهيل طويلة في 24 شباط 1986.
الصحافي حسن فخر (15 حزيران 1986) اغتيل بقذيفة صاروخية أطلقت على سيارته على طريق بشامون - دير قوبل. رئيس تحرير "مجلة بيروت" حسن بزون اغتيل في 22 شباط 1987، والكاتب الشيوعي مهدي عامل في 18 أيار 1987، ولاقى المصير نفسه القيادي الشيوعي رئيس تحرير مجلة "الطريق" حسين مروة في 17 شباط 1987.

وفي 15 كانون الثاني 1992، اغتيل الكاتب والصحافي مصطفى جحا المعروف بمواقفه المناهضة للنظام السوري وولاية الفقيه بإطلاق مسلحين النار عليه.

 
الى 2 حزيران 2005، يوم اغتيل محرّك "انتفاضة الاستقلال 2005" مطلق هذا الشعار، الصحافي في "النهار" #سمير قصير، في انفجار داخل سيارته في الأشرفية. بقي التحقيق معلقاً والعدالة شعاراً، وبقيت أفكار سمير وخلاصات نضالاته يتناقلها الأحرار قارئين كلماته التي نسج من خلالها مشرقاً حديثاً ديموقراطياً ممكناً. وهو المشرق الذي لا يزال ربيعه معلقاً الى حين. لم ينل استشهاد سمير من "النهار" التي بقيت صرحاً سيادياً مستقلاً، فانتقل القاتل الى تنفيذ مخططه الدموي مكملاً انتقامه بالنيل من "نسر النهار" #جبران تويني، صباح 12 كانون الأول 2005، في تفجير استهدف سيارته في المنطقة الصناعية في المكلّس. فقتل على الفور مع مرافقيه أندريه مراد ونقولا الفلوطي. "صاحب قسم الاستقلال الشهير" أصبح شهيداً كبيراً. وفي العام نفسه، غادر الجيش السوري لبنان (26 نيسان). التحقيق لم يفض الى نتيجة. بقي الأمس كأنه اليوم. وبقي قسم تتوارثه الأجيال، وألم يحفر عميقاً في نفوس المحبّين، وبقيت "النهار" مستمرة كما وعدت رغم تعاظم التحديّات التي واجهتها، وبقيت روح جبران حاضرة في أرجاء مكاتبها. في كل المراحل، كان الاستسلام ممنوعاً. الكلمة الحرّة ستنتصر على قاتل جبان لن يقو على عنفوان الصحافيين وعشقهم للحرية مهما عظمت التضحيات.

الى صحافيين "شهداء أحياء" نجوا من محاولات اغتيال، بينهم صاحب جريدة "السفير" طلال سلمان (1984) والنائب مروان حمادة (2004) والإعلامية مي شدياق (2005)، تشمل لائحة الشهداء مراسلين ومصوّرين صحافيين وعاملين في مؤسّسات إعلامية سقطوا خلال الحرب وبعدها، ولا سيما خلال الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على لبنان، وفي تغطية اشتباكات حدودية مع سوريا وإسرائيل في الأعوام الماضية.

الى 4 شباط 2021، وجد الكاتب والناشر لقمان سليم مقتولاً بأربع رصاصات في العدوسية بجنوب لبنان. كان لقمان معارضاً لـ"حزب الله" ومدافعاً عن التنوع والحريات ولبنان الذي لا يهيمن عليه محور بصبغة ايدولوجية. تعرّض لقمان لحملات تخوين قاسية خلال حياته. هزّت الجريمة الرأي العام، ولم يصل التحقيق الى نتيجة كالعادة. انضم لقمان الى لائحة أحرار سقطوا، وبقي قاتلهم من دون عقاب.

وإن انكفأت آلة الاغتيال في الأشهر الماضية، وثّقت تقارير لمراكز متخصّصة تعرّض صحافيين ومصوّرين لاعتداءات خلال عملهم الميداني، ولتهديدات وضغوط، وحتى "هدر دم"... كأن الأمس هو اليوم.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم