الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الحقيقة رقم 2: خربولنا بيتنا... بيتر

المصدر: النهار
كميل بو روفايل
كميل بو روفايل
الحقيقة رقم 2 : خربولنا بيتنا ... بيتر
الحقيقة رقم 2 : خربولنا بيتنا ... بيتر
A+ A-
وقف الطفل بيتر أبي رزق (5 سنوات) في 14 تموز من العام الحالي تحت شجرة الزيتون التي كان يلهو تحتها في منزل جدّه في منطقة المدور قبل انفجار 4 آب بدقائق، وروى قدر المستطاع وضمن قدراته التواصلية تفاصيل هذه الليلة المشؤومة.
 
جلست إلى جانبه أمه جويل المصري التي كانت تتابع بنظراتها طوال الوقت ابنها الأصغر بول ذا السنة وتسعة أشهر، وقالت لـ"النهار": "تضاعف خوفي على بيتر وبول بعد كارثة 4 آب، لا يغيب أي منهما عن ناظري طوال اليوم، أهرول لأتفقدهما عند سماع أي صوت يذكّرني بالانفجار".
 
اصطنع بيتر ابتسامة ليطرد شبح الخوف الذي كان ينتابه لدى استعادته تفاصيل ما شاهده عند الساعة السادسة وسبع دقائق من مساء 4 آب. لفّ يديه وربّع قدميه ليحاول أن يأخذ موقع الدفاع، معترفا بعد محاولته الإنكار: "شعرت بالخوف لحظة الانفجار، طرت من الباحة الخارجية إلى داخل المنزل، وصَرخت مناديا أمي وطالباً النجدة، ورأيت عين جدي تنزف دماً".
 
كان بيتر يحكي، يحيط به والده شربل أبي رزق، جدته سميرة، أمه، وأخوه الصغير الذي كان يركض حولنا. جميعهم كانوا في المنزل ليلة الحادثة.
 
شاءت الصدف أن تكون هي التي تحمي العائلة من الموت، فبيتر المتعلق بمنزل جدّه واللعب تحت أفياء شجرة الزيتون، مشى ببطء شديد في اللحظة التي قررت فيها العائلة مغادرة المدور والعودة إلى المنزل في منطقة الزوق. انتظر الوالد ابنته، ولدى سماع الانفجار الأوّل هرول الجميع نحو المنزل للاختباء. الجدار الرملي هو الذي حماهم. المنزل كاد يسقط لو لم تفتح الجدة الباب لدعوة عائلتها للاختباء. قال بيتر: "دفعنا الضغط إلى الداخل، أصبنا بجروح في الظهر جدتي، أخي، وأنا، أمّا جدّي فأصيبت عينه".
 
الغريب بالنسبة للأم أنّ الضغط لم يدفع بزوجها شربل الذي كان يحمل الطفل بول، في حين اقتلع هذا الضغط شبابيك المنزل بحديدها والإسمنت. خلّف الانفجار دماراً شاملاً في هذا الحي في منطقة المدور. ظنّت الجارة التي لجأوا للاختباء لديها أنّ عدواناً إسرائيلياً ضرب المنطقة وأرادت الذهاب إلى الملجأ. 
 
أوضح الطفل بيتر أنّ خروجهم من المنطقة استغرق وقتاً طويلاً، "فسيارة أبي تضررت كثيراً". ولم تستطع العائلة نقل الجدّ إلى المستشفى بسرعة لمعالجة عينه، إلا بعد تدخل الأقارب، ولاحقاً ذهبت عائلة شربل إلى منزلها في زوق مصبح.
 
منع شربل والدته من دخول البيت في المدور في اليوم التالي للانفجار، وطلب منها البقاء خارجاً. لدى تفقده المنزل توجه نحو أمّه، ردًا على سؤالها "أهي مسألة زجاج مكسور؟"، بالقول: "بل طار البيت"! بالفعل، لم تستطع العائلة تكوين فكرة عن حجم الدمار في ليلة الانفجار.
 
انفجار المرفأ أتى في ظلّ ضائقة معيشية خانقة وتدهور الليرة التي لا تسمح لمدّخرها بتحمل تكاليف التصليحات الباهظة. فكيف اذا كان شربل موظفًا ويتقاضى راتبًا شهريا؟!
 
احتاج المنزل ترميماً وتكاليف كبيرة تحمّلتها العائلة بفضل مساعدة جمعية "فرح العطاء" التي اهتمت بكل بيوت الحي، وتكفلت بترميم المنزل. لكن ذلك لم يغن شربل عن تكبّد بعض النفقات وشراء لوازم منزلية ضرورية، لكنه عجز عن شراء بعض الأثاث كالبرّاد والتلفاز والمكيّف، لأنّ أسعارها تتجاوز القدرة الشرائية. وتكفلت شركة التأمين بتصليح السيارة جزئياً.
 
أصرّت العائلة على متابعة الطفل بيتر على الصعيد النفسي مع اختصاصي، لإخراجه من حال الخوف التي تملكته، ومن احتمالات تأثير الانفجار الكارثي على شخصيته وسلوكه.
 
تنهمك العائلة الآن في تأمين سبل العيش. تحاول تدارك ما حصل. وتمضي الأيّام مثل كل العائلات اللبنانية، يصطحبها وجع الانفجار في "نزهاتها" على محطات الوقود المقفلة، والصيدليات الفارغة. 
 
العائلة ترغب في الهجرة "إذا تأمنّت الأوراق اللازمة". بيتر الذي يواصل اللعب تحت شجرة الزيتون، "يخاف من بعض الأصوات التي تذكره بانفجار 4 آب".
 
من يستطيع أن يحمي عقول الأطفال ومخيلاتهم من الخوف؟!
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم