السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

تحديد أنواع الفطر البريّ علم وخبرة... لا تتهوّروا في استهلاكها دون معرفة!

المصدر: النهار
الفطر في معاصر الشوف.
الفطر في معاصر الشوف.
A+ A-
بعد حالات التسمّم التي سُجلت في لبنان في الآونة الأخيرة نتيجة تناول بعض أنواع الفطريات البرّية، وفي ظلّ غياب التوثيق الكامل لكلّ أنواع وخصائص الفطريات في لبنان، والمعتقدات الخطأ عن بعضها التي تستند إلى تجارب الناس لا إلى العلم والمعرفة، كان لا بدّ من إطلاق صرخة للتوعية إلى مخاطر استهلاك بعض الأنواع السامّة. 
 
صالح للأكل أم لا؟ سؤال يطرحه كثيرون. يجد بعضهم أنّ رائحته الجميلة دليل على أنه صالح للتناول، أو أنّ مجرد نقعه في المياه المالحة سيخلصنا من الموادّ السامّة. لكن احذر ليس كل ما تسمعه صحيحاً، لا يمكنك المجازفة من مجرد تكهنات أو شكل أو لون. بعض الأصناف البرّية تكون صالحة ولذيذة، فيما بعضها الآخر يكون بلا طعم ولا يمكن أن يؤكل، وبعضها قد يكون سامّاً ومميتاً، فكيف نُميّز بينها جميعاً؟ وكيف يمكن التعرف إلى خصائصها وتحديد هويتها؟ والأهم كيف نستمتع بجولة في الطبيعة والتقاط الصور للفطر دون أن ينتابنا خوف غير مبرر منه؟
 
تعمل مجموعة من الاختصاصيين جاهدةً، على نشر التوعية بهذا العالم الواسع. ومنها الأستاذة في العلوم البيئية في الجامعة اليسوعية الدكتورة رنا الزين، والاختصاصية في علم الفطرياتIulia ديمتر، والاختصاصية في علم البيئة والتعريف عن علم الفطر رومي عازار. برأيهم الهدف من هذا الموضوع التوعية وتثقيف الرأي العام بشأن تناول بعض أصناف وأنواع الفطر البرية، التي قد تكون سامّة ومميتة. كذلك من المهم أن نساعد الناس على التمييز بين هذه الأصناف البرية والتعرّف إليها، حتى نتمكن من اكتشاف هويتها واكتساب المعرفة قبل تناولها وخصوصاً لمحبّي الفطر البري، وتفادي حالات التسمم التي سُجلت في الآونة الأخيرة. 

تتحدث الزين لـ"النهار" قائلة: "عالم الفطر البريّ واسع ومتعدد الأصناف والأنواع، هناك الآلاف من الفطر البري الذي يختلف نوعه وحجمه وشكله وألوانه". 
ونقصد بالفطر البري الأنواع التي تنمو بمفردها في البرّية، والأحراج والحقول وخاصة في المناطق الرطبة كالأودية التي تحتوي على موادّ عضوية (بقايا نبات وخشب مهترئ وبقايا حشرات أو حيوانات)... هذه الأماكن تعزز وجود هذه الأنواع من الفطر البرّي، عكس الفطر التجاري الذي يُزرع وينمو في أماكن معدّلة. 
 
أما بالعودة إلى أنواع الفطر البرّي، فيجب أن نميّز بين النوع الذي يؤكل والنوع الذي لا يمكن تناوله. وبعض هذه الأنواع يعدّ شهياً ولذيذاً، ويمكن تناوله نيئاً دون الحاجة إلى الطهو، وهناك أنواع أخرى يجب أن تطبخ. وككلّ الأطعمة الأخرى يختلف طعم الفطر حسب نوعه. 
كذلك هناك قائمة من الفطر البري الذي لا يمكن تناوله لأسباب عديدة، أهمّها غياب الطعم، وملمسه الخشبي. فيما يوجد أنواع أخرى من الفطر البري ذي روائح كريهة، بالإضافة إلى أنواع أخرى تكون مميتة وسامّة.
 
عادة جمع وتناول الفطر البرّي ليست متشابهة في كل أنحاء العالم، فهي موسمية في أوروبا وخاصة المناطق الريفية حيث يذهب الناس في رحلة للبحث عن الفطر البري، بينما تغيب هذه العادة في أميركا حيث يتخوف الناس من الفطر البرّي نتيجة معرفتهم بمخاطره الصحّية.
 
الفطر في غابة الأرز
 
وتشير الزين إلى أنّ تناول الفطر البرّي السامّ قد يؤدي إلى مخاطر صحّية وخيمة، وأحياناً تكون قاتلة ومميتة. 
 
قد يعدّ بعضهم أعراض التسمم بالفطريات البرّية بسيطة كالإسهال والتقيؤ والتشنجات والغثيان، وقد تظهر الأعراض بعد ساعات على تناولها، ويجب علينا الذهاب فوراً إلى المستشفى. 
فيما قد يؤدي الفطر البرّي إلى حالات تسمّم (ويصعب على الشخص ربط حالته بتناوله للفطر)، وقد يؤدي التأخير في التشخيص والرعاية الصحّية إلى تلف الأعضاء مثل الكبد والكلى. 
كذلك تُسبب بعض أنواع الفطر السامّ مشاكل في الجهاز العصبي، وبعضها يؤدي إلى الهلوسة وتغيّر في المزاج والثبات، وتناول جرعة زائدة منها قد يكون سامّاً وخطيراً. 
 
فيما تتمثل خطورة بعض هذه الأنواع من الفطر البرّي بتلف في الأعضاء والخلايا، ولا تظهر الأعراض على الشخص إلّا بعد مرور ساعات على تناولها. إذاً، يُشكّل استهلاك الفطريات البرّية خطراً وأحياناً قد يؤدي إلى الوفاة نتيجة ضرر في وظائف الأعضاء.
 
غابات العذر في فنيدق-عكار
 
استهلاك الفطر البرّي موجود منذ سنين قديمة، عندما كان الإنسان يتناول الفطريات كما الفواكه، دون أن يُميّز بين أنواعها ويعرف مخاطرها. ازدادت عادة استهلاك الفطريات مع تطور الحضارات، إلّا أنّ تسجيل حالات تسمم وربما وفاة جعلنا نكتشف أنّ بعض أنواع هذه الفطريات سامّ وخطير. ونتيجة ذلك، نشرت معلومات لا تستند إلى العلم بل إلى تقديرات وخبرات الناس، وهي غير دقيقة وصحيحة، بشأن كيفية التخلص من سمومها أو كيفية طهوها... ولكن للأسف، أدّت هذه المعتقدات الخطأ إلى زيادة حوادث التسمم، لكونها لا تعتمد على العلم بل على ما تناقله الناس عن نوع الفطر ولونه وشكله...
ومن بين هذه المعتقدات المتداولة، أنّ الفطر الذي يكون موجوداً في حقول مفتوحة يكون صالحاً للاستهلاك. أو أنه للتخلص من سموم الفطر يجب انتزاع الطبقة الخارجية أو رأس الفطر، أو أنّ نقعه في الماء والخل أو سلقه طويلاً يساعدان في التخلص من سمومه.
كلّ هذه المعتقدات خطأ وعارية من الصحّة، ولا يمكن الاستناد إليها للاستهلاك العشوائي للفطر البرّي. 
كيف نتفادى التسمّم من استهلاك الفطريات البرّية السامّة؟
وفق الزين، "هناك قاعدة وحيدة تتمثل بتحديد نوع الفطر البرّي حتى نعرف ما إذا كان صالحاً لتناوله. لذلك لتفادي حالات التسمم أو الخوف غير المبرر من الفطر البري، ننصح بعدم تناول الفطر البريّ إلا بعد التأكد من نوعه، والمقصود بذلك تحديد هوية الفطر العلمية. كما عليك تفادي جميع أصناف الفطريات البريّة إلّا إذا كنت تعرف تماماً هوية النوع. والأهمّ عدم التسويق لأيّ نوع غير معروف من أنواع الفطر البرّي إلا بعد التأكد من هويته العلمية. إذاً، يجب عدم التسرّع أو التهوّر في تناول أي نوع من الفطر البري دون معرفة وتحديد هويته العلمية".

تحديد أنواع الفطر علم بحدّ ذاته 
تحديد أنواع الفطر أمر معقّد ويتطلب معرفة وخبرة قوية في الميكولوجيا، أي علم الفطريات. وبناءً على العلم، لا يتعلق التمييز بين أنواع الفطر الصالحة للأكل والأنواع السامّة بالنظر إلى لونها أو شكلها أو رائحتها أو حتى موقع نموّها، بل يتطلب فحصاً دقيقاً لشكل الفطر وتشريح الخبراء له. كما لا توجد قاعدة عامّة لكل أنواع الفطريات يمكن تعميمها، فيجب إجراء فحص دقيق لخصائص كل نوع من أنواع الفطريات البريّة. 
كذلك لا يمكن الاستناد إلى لون الفطر لتحديد ماهيته وهويته، ولا يمكن الاعتماد على النظر فقط، وخصوصاً أنّ بعض الأنواع يمكن أن تكون متشابهة إلى حدّ كبير، ويميزها فقط الخبراء وعلماء الفطريات، أو عن طريق البصمات البوغية (spore print) أو بالفحص المجهري أو بالتحليل الجزيئي (molecular analysis) المعروف باسم ترميز الحمض النووي الشريطي (DNA barcording).
كما أنّ العديد من الأنواع يتغيّر شكلها ولونها خلال مراحل تطورها الشابّة، الناضجة والمتحللة. ومن ثم لا يمكن أن يتمّ تحديد النوع إلّا عبر من يعرفون خصائص نموّه وتطوّره. ويمكن للعيّنات التي تنتمي إلى النوع نفسه أن يكون لها أشكال مختلفة، أو تظهر تبايناً بسيطاً في شكلها نتيجة للتغيرات البيئية أو توافر الموارد، ما يجعل تحديد بعض الأنواع أمراً معقّداً وصعباً. 
مضيفةً أنه "حتى الخبراء قد يخطئون والعلماء لا يعرفون كل شيء. ويمكن الاستشهاد بالفيلسوف سقراط الذي قال "هناك شي واحد أعرفه، هو أنني لا أعرف شيئاً"".
 
فطر في غابة العذر
 
نصائح لمحبّي الطبيعة والفطريات البريّة
برأي الزين أنّ "الكثيرين، نتيجة الأزمة الاقتصادية وانتشار فيروس كورونا، وجدوا ملجأهم في الطبيعة واكتشاف عالم الفطريات البرّية. وبسبب غياب المعلومات الكافية عن أنواعها في لبنان، يصعب على الأشخاص غير المؤهلين علمياً والذين لا يملكون المعرفة الكافية التمييز بين خصائصها وأنواعها وهويتها، وتحديد الأنواع الصالحة للأكل من تلك السامّة. والناس تتجه إلى هذا العالم المجهول دون معرفة بهذه الأنواع ومخاطرها. صحيح أننا نجد بعض الكتيّبات أو المنشورات، إلّا أنّ بعضها ينشر معلومات غير دقيقة ومؤكّدة.
علينا أن نوازي بين التريّث وحبّ الاكتشاف. لذلك ننصح الناس باكتشاف الطبيعة والتقاط الصور للفطر، والتعرّف إليه أكثر. ولكن عليهم عدم التسرّع بتناوله والتأكد من هويته لتفادي التسمم، دون أن يصبح لديهم الميكوفوبيا. كما تنصح الزين بعدم اللجوء إلى التطبيقات الخلوية التي تحكم على صورة الفطر، لأنها ليست دائماً دقيقة ولا تأتي بنتائج مؤكدة ومثبتة. لذلك لا يمكن تحديد نوع الفطر من الصور، إذ تفشل الصور العالية الجودة في التقاط تفاصيل وألوان نوع الفطر المعنيّ بأمانة، ما قد يؤدي إلى حصول أخطاء وشكوك في تحديد الأنواع التي قد تكون مميتة. 
لذلك، لكل محبّي الفطريات الاستمتاع بالطبيعة وعالم الفطريات الجميل والواسع، وأن يتحلّوا بالصبر لاكتساب المعرفة والخبرة. هذه المهمة ليست سهلة وتتطلب إرادة وشغفاً وحبّ المعرفة. وعليه، يمكن لكل محبي الفطريات تحويل هذه الحوادث إلى نقطة إيجابية، من خلال مشاركة الخبراء والعلماء صورهم لأنواع الفطريات وتحديد مواقعها، لتوثيق هذه المعلومات بطريقة علمية على المجموعة التالية:
Mushrooms of Lebanon and Levant
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم