الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

أثينا، الاسكندرية، قرطاج وباريس... لكلّ مدينة سيّدتها

المصدر: "النهار"
الميلينيوم- باريس.
الميلينيوم- باريس.
A+ A-

ديانا حدّارة
 
 "لكلّ زمان رجاله" مقولة تعكس ذكورة التاريخ الذي ربما أسقط ولا يزال يُسقط سهواً أنثاه، لتروي سطوره حكايات رجال بنوا ثمّ دمّروا، ثم رمّموا ليصبحوا أبطاله وينحتوا في الذاكرة الإنسانية قصصهم بكل تفاصيلها الحربية والفكرية والعلمية. أما أنثى التاريخ، فتُذكر إما شذراً وإما أسطورة وإما كأنها امرأة خرجت عن مألوفها الأنثوي، لتُصوّر أنها إحدى عجائب بنات جنسها. ومهما يكن، سواء أنصف التاريخ المرأة أو لم ينصفها فإن لكل زمن ومدينة نساءهما، رغم أنف ذكوريته، نقشن في سطوره حكاياتهن، فسردن حكمة وعلماً وابتكاراً وعقلاً راجحاً. نساء شجاعات واجهن الأخطار من دون جزع، لينحتن في بقايا سطور كل مدينة وُلدن فيها مسارات جعلت العالم أجمل. 
ديوتيما الإغريقية، هيباثيا الاسكندرانية، إليسار الفينيقية، سيمون دو بوفوار الباريسية، نساء بعضهن تجاهل التاريخ وجودهن فيما بعضهن الآخر زرعن في أرض مدنهن خصوبة أفكارهن، فكن ملهمات أجيال من النساء ناضلن لأجل نيل حقوقهن الإنسانية. 
هنا سوف نقلّب في بعض صفحات تاريخ المدن وحاضرها، ونلتقط ما سقط منه سهواً حكايات نساء عشن في حواضرها الجميلة حملتهن في أجنة أحيائها وشوارعها. 

أثينا مدينة ديوتيما معلّمة سقراط
 

كثيراً ما شغلت حضارة الإغريق فكرنا بأساطيرها وأخذتنا إلى عالم فوضوي يقارب الواقع بثنائياته المتناقضة: الخير والشر، القبح والجمال، الحب والكراهية، الخيانة والوفاء... فتبدو رموزه وشخوصه تعيش في حاضرنا متّخذة وجوهاً وأشكالاً مختلفة. وأثينا عاصمة عالم الإغريق القديم، وعاصمة اليونان في الحاضر، ارتبط اسمها بسقراط كفيلسوف عظيم، لكن المدهش أن سقراط المعروف كأستاذ للعديد من المفكرين في عصره، اكتسب جزءاً من معرفته على يد امرأة هي ديوتيما، التي عاشت بين القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد. تُعدّ ديوتيما شخصيةً جدلية في التاريخ؛ فهي بقيت طوال خمسة قرون على وفاة سقراط، من دون ذكر، لا في كتب التاريخ ولا الأدب ولا الفلسفة، إلى حين تمت مراجعة كتابات أفلاطون، وكذلك اكتشاف قطعة أثرية تشير إليها، كما ورد ذكرها كفيلسوفة في إحدى محاورات سقراط مع تلاميذه، وأنّه تعلم منها فلسفة الحب والحكمة.

وكانت لديوتيما رؤيتها الفلسفية في الحب والنفس البشرية، فهي ترى أن "للحب طبيعته الخاصّة، لأنه ليس جميلاً ولا قبيحاً، ليس خيراً ولا شراً، حتى إنّه معرفة للعقل وغموض له في آن واحد، لكنه يقود إلى محبة الجمال، والبحث عن السعادة في اكتشاف الجمال".
وأثينا الراهنة ولّادة الفلاسفة والعلماء ذكوراً وإناثاً، لم يخفت وهج تاريخها، فيكاد كل حجر فيها ينطق بأسطورة أفلتت من قيود الزمان والمكان لتعبث بمخيّلة كل من تزورها. تزنّر أثينا المترامية الأطراف جبال: "إميتوس"، "بارنيثا" و"بنديللي"، فيما تحضن المدينة 12 هضبة، سبع منها تاريخية هي: الأكروبوليس، مجمع الحكماء، هضبة فيلوبابوس، هضبة المرصد وتضمّ متحفي بنيكس، والليكابيتوس. توفر هذه التلال ملجأً من الضوضاء والضجة في شوارع المدينة المزدحمة، وتقدّم إطلالة مذهلة لخليج سارونيك وشاطئ بحر إيجه على الجانب الجنوبي حيث تبدو مدينة تعانق البحر رغم أن لها مع ملكه حكاية تحدٍّ. 

أماكن في أثينا لا يمكن تفويت زيارتها
 
 
 

الأكروبوليس وتعني «المدينة العالية»، هنا على هذه الرابية ولدت الديموقراطية مفهوماً وممارسة سياسية... والفلسفة، والمسرح، وحرية التعبير والرأي، لتبقى بنات أفكار الإغريق الأساس الفكري والروحي للعالم المعاصر وقيمه. يتأمل الأكروبوليس في المدينة التي تبدّلت وجوه سكانها، وهو بقي حارسها المتكئ على أعمدة الزمن الذي يخبر أبناءه عن الحضارات والأساطير والأديان التي ازدهرت في يونانهم القديمة منذ آلاف السنين، فيما تُحفه الأربع، وهي أثينا البارتينون ومدخل الأكروبول بروبيلي وأركيتون والأسطورة نيكي، تصدّق على حكاياته محتفظةً بسيرتها الأولى. توّج هذه المعابد مجسّمٌ من الرخام لأثينا المرأة الحكيمة.
لابلاكا وموناستيراكي وثيوس من المناطق التاريخية الساحرة التي تقع عند أقدام الأكروبول. هنا في هذه الأحياء الثلاثة تترصد منازل تعود إلى القرن التاسع عشر، المباني الحديثة في تنافس مشروع في معقل الديموقراطية.
 

 
تسير في شوارع مخصّصة للمشاة وتتسوّق من متاجر، الأسعار فيها قابلة للتفاوض، فإن لم يساوم التاريخ اليوناني على مجده، فإن سوق موناستيراكي يسمح لك بالمساومة، ولكن على السعر. فاليونانيون في النهاية هم من شعوب البحر الأبيض المتوسط، ولديهم الكثير من العادات المشرقية التي تجعل التعامل معهم غير متحفّظ. أما المطاعم، فتقدّم ما لذّ وطاب من المطبخ اليوناني الذي قوامه زيت الزيتون والجبن، وكذلك أطباق المازة اليونانية الشهيرة الكفيلة بسد جوعك.
 

 
بسيري هو أحد أحياء أثينا القديمة ويقع إلى الشمال الغربي من موناستيراكي. شهد هذا الحيّ الكثير من التغيّرات، فقد تم ترميم بعض المباني ذات النمط النيو - كلاسيكي وافتُتح الكثير من المتاجر العصرية والمطاعم.
 

 
يجذب بسيري العديد من الشباب الأثينيين الذين يستهويهم طابعه الذي يمزج بين التاريخ والحداثة. هنا الشوارع ضيقة تحدّها المقاهي والحانات والمحالّ التجارية التي تعرض منتجات بأسعار مخفضة. أما الموسيقى اليونانية الحيّة فترافقك كيفما جلت في هذا الحيّ، وخصوصاً خلال عطلة نهاية الأسبوع. 

الإسكندرية وحكاية هيباثيا أول شهيدة فكر في التاريخ
الإسكندرية، هذه المدينة المستريحة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، غنّتها فيروز لبنان "شط اسكندرية يا شط الهوى" مدينة تحتشد على طول كورنيشها الذي شُيّد في عهد الملك فؤاد الأول في ثلاثينيات القرن العشرين أبنية بطابع معماري كولونيالي تسرد بصمت حكايات الزمن الجميل الذي تعرّفناه على الشاشة الفضية مع محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأسمهان وكارم محمود وعبد الحليم، حين كانت عاصمة السياحة الصيفية في مصر وربما العالم، قبل أن تنافسها منتجعات البحر الأحمر والساحل الشمالي. 
 

 
 
أبعد من كونها جميلة البحر المتوسّط تحضن الاسكندرية بين طيّات تموجات صفحاتها بحرها ويابستها على السواء الكثير من التاريخ القديم. فهي حملت اسم بانيها الإسكندر الأكبر سنة 332 ق.م وأنّثته، فجعلها هو وخلفاؤه عاصمة لمصر لما يقارب ألف سنة، حتى الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص سنة 641. 
وإن كانت شهرة الاسكندرية تعود إلى جمالها الطبيعي وإلى معالمها التاريخية التي تحكي أمجاد ماضٍ عميق عمق التاريخ الإنساني، فإنها المدينة الشاهدة على أول شهيدة فكر في التاريخ الأنثوي، إنها هيباثيا التي وُلدت فيها عام 370م، وهي ابنة عالم الرياضيات والحكيم (ثيون). تم تسجيل اسم هيباثيا في دائرة المعارف البريطانية تحت عنوان فيلسوفة مصرية و عالمة في الرياضيات 
 
 
 
كانت هيباثيا تعمل في مكتبة الاسكندرية وتلقي المحاضرات في جامعة الإسكندرية القديمة حيث كانت قاعة الجامعة تزدحم بالتلامذة الذين كانوا ينصتون إليها، وهي تقدّم شروحها عن فلسفة أرسطو أو أفلاطون.. وببراعة فائقة ناقشت قضايا مهمة ومعقدة مثل ”من أنا؟ ومن نكون؟ وما الخير؟ ما جعلها رمزاً للثقافة والفلسفة النسائية في عصرها "الذكوري"، وهذا خلق مزاجاً مضاداً لها فقد كانت الاسكندرية قد دخلت المسيحية حديثاً، وفي المقابل لم تعتنق هيباثيا المسيحية، وبالتالي كانت تهدّد حياة الكهنة وتخالف معتقداتهم فهدروا دمها وارتكبوا فيها أبشع جريمة عرفتها الإنسانية عبر التاريخ، إذ يقال إن هيباثيا كانت برفقة صديقتها داخل عربة تجول في أحد شوارع الاسكندرية، أوقفها فجأة مجموعة من الكهنة بملابس سوداء وأخرجوها عنوة من العربة وذهبوا بها الى كنيسة قيصرون وجرّدوها من ملابسها ثم ذبحوها، ولم يكتفوا بذلك بل قطّعوا جسدها وسلخوا جلدها ثم أشعلوا ناراً ألقوا فيها أعضاءها دون أيّ تردّد. 
 
 

رغم النهاية القاسية لفيلسوفة الاسكندرية، تكفي جولة في هذه المدينة المتوسطية التي استراحت على شاطئها كل الحضارات، وكأنها عروس بحر يهيم في جمالها كل من وطئ أرضها. 
 

أماكن لا بد من زيارتها في الاسكندرية
 
مكتبة الاسكندرية
تقع في منطقة الشاطبي. هنا في هذه المكتبة عملت هيباثيا ونهلت العلم. بُنيت المكتبة على أنقاض المكتبة القديمة التي شيّدها بطلميوس الثانى الذى اهتم بالثقافة، ويذكر أنها في عهده احتوت على أكثر من 700 ألف مجلد وكتاب، تعرّضت للحريق على يد يوليوس قيصر وأعيد بناؤها عام 2002 بدعم من اليونسكو لتكون منارة للثقافة في العالم، وتحتوي المكتبة راهناً أكثر من 8 ملايين كتاب وتُعدّ أول مكتبة رقمية وتشتمل على العديد من المتاحف والقاعات ومركز للمؤتمرات والقبة السماوية .
 
 
 
 

 
المسرح الروماني
يقع المسرح في منطقة كوم الدكة غرب سوق العطارين وقد بُنيت في العصر الرومانى في القرن الرابع الميلادي، واكتشفته بالصدفة البعثة البولندية اعتقاداً منهم بأنها مقبرة الاسكندر الأكبر، ومدرجات المسرح مرقمة باللغة اليونانية وهي مصنوعة من الغرانيت الأحمر تعلوها خمس مقصورات لها قباب وصالتان مزخرفة بالموازييك، اكتُشفت بجانب المسرح بعض قاعات التدريس، وربما كان يُستعمل كقاعة محاضرات كبيرة إضافة إلى استعماله كمسرح.
 
 
 
 
 

المدن الغارقة في أبي قير

في عمق البحر وجد بعض الغواصين أطلال مدينة قديمة تدعى هرقليون في منطقة أبى قير، وقد سُمّيت بهذا الاسم نسبة الى البطل اليونانى هرقل، كانت من أهم الموانئ على سواحل البحر المتوسط في القرن السادس قبل الميلاد، كما عُثر على المئات من السفن والمراكب الغارقة، إضافة إلى أهميتها التجارية كانت للمدينة أهمية دينية تمثلت في العثور على معبد هرقليون لعبادة الاله أمون وبعض المخطوطات القديمة، وعثر أيضاً على تماثيل للملوك البطالمة وبعض القطع الذهبية والأواني والجواهر.
 
 
 
 

متحف المجوهرات الملكية

يوجد المتحف في منطقة زيزنيا بالاسكندرية التي تتمتع بالهدوء والرقيّ. بُني عام 1919م وكان ملك الأميرة فاطمة الزهراء شيّد على الطراز الأوربي، ويضم العديد من المجوهرات الملكية التي صودرت عقب ثورة 23 يوليو. ويضم المتحف 11 ألفاً و500 قطعة من أهمها علبة نشوق من الذهب مطعّمة بالمينا وعليها ختم محمد علي، ومجموعة فناجين من البلاتين والذهب و2753 قطعة من الماس تعود للأمير محمد علي توفيق، ومجموعة من الأوشحة وساعات الذهب وقلائد مرصعة بالمجوهرات من عصر الخديوي سعيد باشا، ومجموعة مجوهرات الملكة نازلي، ومجموعة تحف الملك فاروق والملكة صافيناز.
 
 
 
 

حدائق المتنزّه
تقع حدائق المتنزّه في المنطقة التى سُمّيت على اسمها. تزنّر القصر الذى بناه الخديوي عباس حلمي الثاني لتكون استراحه له في فصل الصيف، وقد بُني على الطراز الإسلامي والفلورنسي ويعتلي القصر والحديقة هضبة بارتفاع 15 قدماً. وتحتوي الحديقة على أنواع عديدة من الاشجار كالنخيل، وجميع الحدائق داخل المتنزّه تطل على البحر كشاطئ عايدة وسميراميس وفينيسيا وكليوباترا والشاطئ الخاص بفندق فلسطين. ويوجد في المتنزّه من الداخل قصر السلاملك وقصر الحرملك وجسر بين جزيرة الشاي والقصور، ومبنى للسينما ومحطة قطار ومكاتب لإدارة الحديقة، وقد ظهرت الحديقة وفندق فلسطين في أفلام عديدة.
 
 

 
سوق العطارين
سوق العطّارين عبارة عن متاهة من المحالّ المتراصة في ممرات ضيّقة، تعرض الشاي والتوابل والهدايا التذكارية والأعمال اليدوية المختلفة. هنا في هذه السوق تتعرف إلى روح المصريين حيث التعامل مع الباعة لا يخلو من الطرفة. كما يوجد أيضاً جامع العطارين القديم، وهو أحد أقدم جوامع الإسكندرية وواحد مِن المعالم الإسلامية العريقة.
 
 

قلعة قايتباي

تقع القلعة في غرب الاسكندرية بمنطقة بحري وقد بناها السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي ليتصدى للهجمات التى كانت تشنها الدولة العثمانية على مصر، وقد شيّدت القلعة أعلى فنار الاسكندرية الذي تهدم عقب زلزال قوي ضرب المدينة. وظلت القلعة حصناً منيعاً للتصدّى لأيّ هجمات تأتي عن طريق البحر المتوسط. تنقسم القلعة الى ثلاث طبقات صُمّمت بشكل هندسي مربّع ومثمّن ليسهل على الجنود الاحتماء بها والدفاع عن المدينة.
 

 
سوق زنقة الستات
تُعتبر الزنقة أو سوق الخيط كما يطلق عليه البعض من أشهر أسواق الاسكندرية القديمة. يقع في منطقة المنشيّة الكبرى وسبب تسميته "زنقة الستات" كثرة المحالّ الصغيرة المتراصّة بعضها إلى جانب بعض. ويختلف المؤرخون حول بداية انشاء السوق فيرجعه بعضهم الى الحملة الفرنسية لوجود شارع فرنسا بجانبه وبعضهم الى محمد علي وآخرون الى تاجر مغربي أقامه لعرض السجاد والمنسوجات التي اشتهرت بها بلدته، وقد استُعين بالزنقة في تصوير العديد من
 الافلام والمسلسلات أشهرها فيلم "ريّا وسكينة" الذي ارتبط اسمه بهذا الشارع.
 

قرطاج حكاية أميرة فينيقية تغلبت على دهاء ملك
هي مدينة أسّستها أليسار وتشغل البال بتاريخها وجغرافيتها. وحكاية تأسيس هذه المدينة تعكس دهاء الأميرة الفينيقية وحكمتها، التي أبحرت من مدينة صور اللبنانية هرباً من جور شقيقها بيغماليون.
 

 
وبعد رحلة بحرية طويلة، رست سفنها على ساحل شمال أفريقيا في تونس الحالية ففاوضت حاكم البلاد الأمازيغي لمنحها أرضاً تبني عليها مدينتها، لكن يبدو أن الملك استهزأ بها وبرجاحة عقلها، ربما لأنها امرأة، فمنحها مساحة جلد ثور.
قبلت أليسار ذلك أمام دهشة مرافقيها، لكنها كانت تضمر خطة ذكيّة مكّنتها من بلوغ غايتها وتأسيس قرطاج، واحدة من أشهر المدن عبر التاريخ. فقد قصّت أليسار جلد الثور إلى أشرطة دقيقة طويلة أحاطت بها الهضبة التي تُعرف الآن بهضبة بيرصا، وهي تعني بلغة السكان الأصليين "جلد ثور". ثم قالت للملك هذه هي مساحة الأرض التي منحتني إيّاها، فما كان منه إلا أن انصاع لها، وكانت نقطة الانطلاق مدينة "قَرْتْ حَدَشْتْ" بمعنى "المدينة الجديدة" باللغة الفينيقية، ولكن اللفظ تحوّل إلى قرطاج بسبب النطق اللاتيني.
 
 
طبيعة قرطاج الخلابة جعلتها مدينة يطمع كل من ترسو مراكبه على شاطئها بالاستيلاء عليها. فدُمّرت ثلاث مرّات على أيدي جيوش الإمبراطورية الرومانية ولم يبق من آثارها إلا القليل.

بيرصا هنا وقفت أليسار وبنت مدينتها 
       
ومهما يكن من أحداث شهد عليها التاريخ، تبقى قرطاج مدينة تتكلم بصمتها الجميل على تاريخ مليكتها، التي وقفت هنا عند هضبة بيرصا أعلى نقطة في قرطاج حيث يقع راهناً متحف يحكي تاريخ المدينة، أُنشئ عام 1875 ويعرض مجموعات من التحف الأثرية التي وجدت في هذا الموقع، ويمثل ثلاث فترات كبـرى: الفترة الفينيقيـة البونيـة، الفترة الرومانية الأفريقية والفترة العربية الإسلامية.


 
حمامات أنطونين والميناء البحري
تأخذك أطلال حمامات أنطونين والميناء القرطاجي إلى عالم قديم تحلّق في فضائه قصص وأساطير. شيّدت الحمامات على شاطئ البحر في منتصف القرن الثاني بعد الميلاد (145 م-162م) ثم دمرها شعب "الوندال" فبقيت مدة طويلة مطمورة تحت التراب. ولم يتم الكشف عنها وإزاحة التربة من فوقها إلا بعد سنة 1945.
 

 
مسرح قرطاج
من آثار الرومان مسرح قرطاج الذي أعطى المدينة شهرتها العصرية من خلال مهرجان قرطاج الدولي، الذي يُقام خلال شهري تموز/ يوليو وآب / أغسطس، ويشهد خلالهما صخباً فنياً يختلف عما كان عليه في عصر الرومان حين كان الناس يحتشدون لمشاهدة مصارعة بين بطلين تنتهي بمقتل أحدهما ليصفق الناس للأقوى، بينما اليوم تصدح في فضاء المسرح موسيقى الشرق
والغرب. إنها المفارقات التاريخية يجسدها هذا المسرح.




باريس وحكاية بوفوار الفيلسوفة المتمرّدة


عندما نتكلّم على باريس، تنهال على مخيلتنا مشاهد الموضة والعطور، وازدحام الأناقة بكل ألوانها، وبرج إيفل، والشانزيليه، قصر فرساي ومتحف اللوفر، والمولان روج. ولكن وراء هذه المشاهد نختزن في ذاكرتنا لقب عاصمة الأنوار وما تحمله أحياؤها وشوارعها من سير عظماء عاشوا فيها، نحتوا في أجوائها الكثير من روائع الأدب والفن... هي ألهمتهم وهم كرّسوها مدينة الأزمنة التي لا تشيخ، وفضاء الحرّية الذي لا حدود له سوى حدود حرّية الآخر. وسيمون دي بوفوار إحدى رائدات الفكر النسوي الحديث التي لا يمكن إسقاطها سهواً من الذاكرة التاريخية هي التي عانقت الحياة بكل تفاصيلها بحرية، فقالت: "إنّ الحياة لا تتجزأ، يجب أن تؤخذ ككل،
 
فإما الكل أو لا شيء، كل ما هناك أنّنا لا نملك الوقت الكافي لكل شيء، هذه هي المأساة". 


ارتبط اسم دو بوفوار بفيلسوف الوجودية جان بول سارتر وُلدت وعاشت وماتت في باريس. يرتبط جزء كبير من حياة دو بوفوار وسارتر رفيق عمرها، في باريس بالحي اللاتيني، منطقة الجامعات، المستريح على الضفة الشمالية لنهر السين الذي يخترق باريس. وسُمّي "الحيّ اللاتيني" لأن الدروس في العصور الوسطى كانت تُعطى باللاتينية. 
 

 
في الواقع، يقسم نهر السين باريس قسمين: الضفة الشمالية منه شهدت تطوراً مدنياً في وقت مبكر جداً، خلال الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول قبل الميلاد، أما الضفة اليمنى فنُظمت في وقت لاحق من القرن السادس عشر.
هناك مقولة للباريسيين بأن الضفة الشمالية، حيث يقع "الحي اللاتيني"، هي منطقة الفكر حيث تحضن الجامعات ومعاهد البحوث والكنائس، أما الضفة اليمنى فهي منطقة الإنفاق بحيث تضم مركز البورصة والبنوك والممرات المغطاة، والمحالّ التجارية الأكثر شهرةً.
ويواصل طلاب جامعة السوربون والكتّاب والمثقفون على اختلاف أمزجتهم ارتياد مقاهي الحيّ اللاتيني ومكتباته، وبيت الفن والسينما والمدارس... فلا عجب زحمة الثقافة والفكر في هذا الحيّ، أما المطاعم الذوّاقة فتغص بالروّاد الذين يتدفقون إليها عندما يريدون راحة فكرية، ليغوصوا في ثقافة المعدة. 
 

على خطى دو بوفوار
وبوفوار ورفيق دربها كانا يرتادان دائماً مقاهي وشوارع الضفة الشمالية فحملت الساحة المواجهة لكنيسة Saint-Germain-des-Prés اسم "Sartre-Beauvoir". 
 

 
نظرة إلى الوراء على الأماكن الباريسية التي ميّزت حياة سيمون دي بوفوار وشكّلت هويتها الفكرية وصقلت شخصيتها المتحرّرة. وُلدت دو بوفوار عام 1908 في شارع 103 دو مونبارناس Montparnasse، في شقة باريسية راقية تعلو مطعم "لا روتوند" La Rotonde. ولأسباب مالية، كان على عائلتها الانتقال بسرعة إلى شارع 71 دي رين de Rennes، في شقة متواضعة، بدون مصعد، والمفارقة أن دو بوفوار تذكر في كتابها "مذكرات فتاة رصينة" Mémoires d’une jeune fille rangée أن علاقتها بأهلها توطدت وأصبحت أكثر هدوءاً لحظة انتقالهما إلى هذه الشقة المتواضعة. 
 


"لو فلور" و "ليه دو ماغو" هنا أمضت دو بفوار نهاراتها 
لطالما اشتهرت باريس بمقاهي الرصيف التي هي جزء من طقوس يوميات سكانها، كانت دو بوفوار وسارتر من الرواد الدائمين، فقد كان الثنائيان يمضيان أياماً طويلة جالسين في مقهى les Deux Magots في منطقة Saint-Germain-des-Prés في باريس. هو أكثر من مقهى بل كان ملتقى النخبة الأدبية والفكرية للمدينة، و راهناً مقصد سياحي شهير. استمد سمعته التاريخية من ارتياد الفنانين السرياليين، والمثقفين مثل سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر، والكتاب الشباب، مثل إرنست همنغواي. ومن بين رواده أيضاً ألبير كامو، بابلو بيكاسو، جيمس جويس، بيرتولت بريخت، جوليا تشايلد، والكتاب الأميركيون جيمس بالدوين، تشيستر هايمز وريتشارد رايت.
 


 
ويكاد مقهى دو فلور Le cafe de Flore يتناغم مع وجودية سارتر وبوفوار. فخلال الحرب، أمضى الثنائيان أياماً كاملة جالسين في هذا المقهى الأسطوري. للمكان ميزة فريدة، إذ يشعر رواده بالدفء وكأنهم في ضيافة أصدقائهم، في هذا المقهى كانت تدار حلقات نقاش مع أصدقائهم حول الحرب والسلام والوجود والماهية والحرية والمسؤولية. وهذا المقهى شهد على ولادة كتاب دو بوفوار "الجنس الآخر" الذي منعه الفاتيكان، والمفارقة أن فيلسوفتنا تعرّضت بعد سنة من نشر الكتاب لإهانة من أحد رواد مقهى les Deux Magots على خلفية الكتاب نفسه الذي اعتبره الفاتيكان عام 1966 من الكتب المحرّمة. 
  
 
كانت المقاهي مقصد دوبوفوار وسارتر نهاراً، فيما الحانات ونوادي الجاز كانت ملاذهما الليلي. لمدة عام، كان نادي "لو تابو" le Tabou في قبو فندق أوبيسون المكان الذي كانت يمضي فيه الثنائيان وأصدقاؤهما المثقفون أمسياتهم لأنه كان من الأماكن القليلة في العاصمة التي تغلق بعد منتصف الليل. وبسبب الاضطرابات أغلق النادي. بعد ذلك، راح سارتر وبوفوار يرتادان نادي سان جيرمان مع بوريس فيان، قبل أن تصبح الحياة الليلية في هذا الحيّ ذات شعبية كبيرة. 
 

 
 
فندق لويزيان Louisien 
 

 
 
يقع فندق لويزيان في شارع 60 دي سين كان محل إقامة سيمون دي بوفوار بين عامي 1943 و 1946. في عام 1943، نشرت روايتها الأولى l'Invitée، التي بدأت عام 1937، كانت توقف دراجتها الهوائية أمام الفندق خلال النهار، وتهرول مسرعة نحو Café de Flore الذي يبعد بضع دقائق سيراً على الأقدام. أما السبب فكما تذكر دوبوفوار في روايتها Dans La Force Des Choses: "كنت أحاول دائماً الوصول إلى هناك لحظة افتتاح المقهى كي أستولي على أفضل مكان و الأكثر دفئاً، بجوار المدفأة". في الواقع، خلال الحرب العالمية، كانت المقاهي من الأماكن القليلة التي يمكن سكان باريس الاستفادة من التدفئة فيها".
 
 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم