الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

إسرائيل... من "ديموقراطيّة" إلى "فوضى-قراطيّة"

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم المسجد الأقصى وتهاجم المصلّين، 10 أيار 2021 - "أ ب"
قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم المسجد الأقصى وتهاجم المصلّين، 10 أيار 2021 - "أ ب"
A+ A-

"فكّروا في ذلك"... كتب توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمس" في 16 أيّار. "خلال الجائحة، في آذار 2020، ذكرت (هآرتس) في تقريرها أنّ العاملين الطبّيّين من العرب الإسرائيليّين هم الذين كانوا أساسيّين في تمكين مواطني إسرائيل اليهود من النجاة من فيروس كورونا. وفقاً لأرقام رسميّة... 17% من أطبّاء إسرائيل، 24% من ممرّضيها و47% من صيادلتها هم عرب".

 

تعليقاً على هذه الأرقام، تابع فريدمان، "لذلك، في المرّة المقبلة التي يقول فيها لكم أحد إنّ إسرائيل هي عنصريّة بحتة، دولة مناهضة للعرب، فكّروا في هذه الأرقام. لكن في المرّة التالية التي يقول لكم فيها أحد إنّ إسرائيل هي جنّة لمواطنيها العرب وإنّه لا شيء للتذمّر منه، فكّروا بهذا الاقتباس من قصّة (هآرتس). إنّه من الدكتورة سعاد حاج يحيى ياسين، التي عادت من دوام عمل طويل في إنقاذ اليهود والعرب الإسرائيليّين من كوفيد-19 في مستشفى تل أبيب، وقد سمعت للتوّ نتنياهو يستبعد تشكيل حكومة تضمّ إسرائيليين عرب".

 

تقول يحيى ياسين: "حين أعود إلى منزلي من غرفة الطوارئ، بعد أن أكون قد بذلت كلّ ما في وسعي لمعالجة الجميع، وأسمع رئيس الوزراء يقول إنّه علينا تشكيل حكومة وحدة وطنيّة للتعامل مع الأزمة – لكن من دون العرب، وكأنّنا مواطنون من الدرجة الثانية – أشعر بالألم. لماذا من المقبول بالنسبة لنا أن نكون على الخطوط الأمامية في المستشفيات، نتعامل مع كورونا، لكن ليس مشروعاً بالنسبة لنا أن نكون في الحكومة؟"

 

"إنّه الفصل العنصريّ. لا شيء أقلّ"

في الواقع، إنّ ما يعاني منه عرب إسرائيل يفوق مجرّد فقدان التمثيل السياسيّ الذي يشير إليه فريدمان. ولا السماح لأقلّيّة إثنيّة بالعمل في القطاع الطبّيّ يعبّر عن ميزة تفاضليّة لأيّ دولة تعتبر نفسها ديموقراطيّة. بالنسبة إلى التمثيل السياسيّ في الحكومة الإسرائيليّة، تَبيّن أنّه خلال المفاوضات التي سبقت اندلاع الحرب الأخيرة، لم يستبعد نتنياهو فرضيّة التحالف مع "الحركة الإسلامية- الجناح الجنوبي" بقيادة منصور عبّاس. بطبيعة الحال، لم يكن نتنياهو مهتمّاً بعدالة التمثيل السياسيّ بمقدار اهتمامه بتأليف حكومة تحصّنه من المحاكمات. لكن، حتى مع افتراض قيام حكومة تضمّ أحزاباً عربيّة، كان يصعب رؤية نهاية للتمييز الذي يعاني منه عرب إسرائيل في المدى المنظور.

 

يرسم ما كتبته محلّلة الشؤون الخارجيّة والمواطنة العربية- الإسرائيلية رلى جبريل، في صحيفة "واشنطن بوست"، صورة عامّة لمعاناتها ومعاناة نظرائها العرب من حاملي الجنسية الإسرائيلية بسبب التمييز. "نحن الفلسطينيّين في إسرائيل لا يُسمح لنا أبداً بأن ننسى من نحن: مواطنون من الدرجة الثانية. تذكّر المؤسسة السياسية في إسرائيل بشكل اعتياديّ مليونين منا بأنّ وضعنا الأدنى المفروض علينا قانوناً مبنيّ فقط على إثنيّتنا. بالنسبة إلينا، إنّه الفصل العنصريّ – لا شيء أقلّ".

 

قدّمت جبريل أمثلة عدّة عن المعاناة: حين تعود إلى إسرائيل، يسألها المسؤولون في المطار عن سبب زيارتها، علماً أنّها تحمل الجنسيّة الإسرائيليّة وهذا السؤال يوجّه عادة للأجانب. كذلك، إنّ قدرة عرب إسرائيل على امتلاك الأراضي مقيّدة، كما هي الحال بالنسبة إلى إمكانيّة الوصول إلى التعليم ورخص البناء والحصول على موارد أخرى. وأضافت: "المواطنون الفلسطينيّون معرّضون للقمع المنهجيّ وعنف الشرطة، التمييز والفصل العنصريّ، حتى أولئك الذين أرادوا من بيننا العيش جنباً إلى جنب مع الجيران اليهود".

 

التمييز يصل إلى الموازنة

أمام كلّ هذه القيود التي يخضع لها عرب إسرائيل بشكل شبه يوميّ، تكاد أهمّيّة التمثيل السياسيّ للعرب داخل الحكومة الإسرائيليّة تصبح ثانويّة. فالتمييز الذي يتعرّض له هؤلاء متشابك المستويات، ومن غير المرجّح أن تحلّه المشاركات الحكوميّة لعرب إسرائيل، هذا إن تأمّن لها الظرف المناسب في المقام الأوّل. وعلى أيّ حال، ليست جبريل وحدها التي تنتقد التمييز الإسرائيليّ الممنهج في حقّ أقلّيتها العربيّة.

 

في 27 نيسان الماضي، أصدرت منظّمة "هيومان رايتس ووتش" تقريراً اتّهم إسرائيل بارتكاب جريمة الفصل العنصريّ (أبرتهايد). وقبل ذلك بفترة قصيرة، أصدر مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" تقريراً خلص إلى النتيجة نفسها.

 

من جهته، سرد الكاتب السياسيّ الإسرائيليّ يوسي كلاين هاليفي، في "نيويورك تايمس"، ما يعاني منه عرب إسرائيل، حيث حَفر تاريخ من مصادرة الأراضي والتمييز في الموازنة والاحتلال الذي لا ينتهي للفلسطينيّين، جروحاً عميقة وغياباً للثقة. إنّ الرسالة التي يتلقّاها العرب من هوية الدولة اليهوديّة ورموزها هي أنّهم لا ينتمون تماماً إلى الدولة التي يحملون جنسيتها بحسب مقاربته. وينتقد كلاين هاليفي اليمين الإسرائيليّ لأنّه أقرّ قانون يهوديّة الدولة الإسرائيليّة لكنّه لم يقرّ، أقلّه ليس على نفس المستوى من الوضوح، ديموقراطيّتها.

 

"فوضى-قراطيّة"

إذا كان هنالك حاجة لمزيد من الوقت لمعرفة آثار حرب غزّة الأخيرة على مسار المفاوضات الفلسطينيّة- الإسرائيليّة، فالتناقضات التي فجّرت الحرب تراكمت قبل فترة طويلة من الانفجار. وما فعله الأخير هو أنّه ظهّر إلى الواجهة أزمة إسرائيليّة داخليّة جديدة كانت مخفيّة تحت الرماد. تضاف هذه الأزمة إلى تعقيدات الصراع ككلّ.

 

 يرى الأكاديميّ البارز في "مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية" أنتوني كوردسمان، أنّه إلى جانب "الدولتين الفاشلتين" في غزّة والضفّة الغربيّة، برزت "دولة فاشلة" أخرى وهي إسرائيل نفسها.

 

ذكر كوردسمان كيف تراجعت السياسات الإسرائيليّة من "ديموقراطيّة فعّالة" إلى شيء بدأ يشبه الـ "فوضى-قراطيّة" التي تركّز أكثر فأكثر على الضمّ الانتهازيّ والاختيار الأمنيّ والعسكريّ عوضاً عن مسار السلام. بالنسبة إلى الأكاديميّ نفسه، فشلت إسرائيل في إعطاء الفلسطينيّين الإنصاف والمساعدات التي يمكن أن تحقّق الاستقرار.

 

لقد بنت مؤسّسات الرأي ومراكز الأبحاث الغربيّة المؤيّدة لإسرائيل على الترويج لمفهوم أنّ "إسرائيل هي الديموقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط". اليوم تتعرّض هذه الصورة لاهتزازات أعمق ممّا كان عليه الأمر في السابق. وفي وقت تستلم فيه إدارة جديدة الرئاسة الأميركيّة رافعة شعار الدفاع عن الديموقراطيّة وحقوق الإنسان في سياستها الخارجيّة، تصبح استدامة الدعم الأميركيّ للدولة العبريّة – وفقاً للشروط السابقة – أكثر صعوبة. الحرب على غزّة لم تبيّن سوى أوّل البراهين على صعوبة تلك الاستدامة.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم