الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

استدارة بايدن نحو الشرق الأوسط... موقتة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ ف ب).
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ ف ب).
A+ A-

"لن نتخلى (عن الشرق الأوسط) ولن نترك فراغاً تملأه الصين أو روسيا أو إيران". كانت هذه أهم تأكيدات الرئيس الأميركي جو بايدن للحاضرين في قمة جدّة قبل ختام زيارته الشرق أوسطية الأسبوع الماضي. وأضاف بايدن: "اسمحوا لي أن أختتم بتلخيص كل هذا في جملة واحدة: الولايات المتحدة ملتزمة بناء مستقبل إيجابي في المنطقة، بالشراكة معكم جميعاً". وترافقت تلك الكلمات مع تصفيق الحاضرين.

 

ربما تُعدّ كلمات الطمأنة بمستقبل أفضل للروابط الأميركية-الخليجية ضرورية بعد الاضطرابات التي واجهتها في ولايتي أوباما وبايدن خصوصاً. لكن وبسبب هذه الاضطرابات نفسها، يصعب توقع أن تصدق تعهدات بايدن في المدى المنظور.

 

سياساته غير متناسقة

قلّة من دول الخليج تتوقّع أن يستطيع بايدن الحكم لفترة طويلة. يرى البعض أنّ بايدن دخل مرحلة "البطة العرجاء" التي تقيّد الرؤساء الأميركيين في آخر ولايتهم الرئاسية. بايدن افتتح هذه المرحلة باكراً جداً. حزبه متّجه إلى خسارة كبيرة في الانتخابات النصفية، وحتى مع افتراض مواصلة الديموقراطيين الاحتفاظ بمجلس الشيوخ وفقاً لترجيحات معيّنة، يبقى أنّ بايدن أخفق في استمالة حتى محازبيه لتحقيق أجندته.

مع وضع مشاكل بايدن الداخلية جانباً، ثمّة تشكيك خليجيّ بإمكانات بايدن على مستوى السياسات الخارجية. إنّه الرئيس نفسه الذي أشرف على الانسحاب الأميركي الفاشل من أفغانستان الذي انتهى بمقتل 13 أميركياً بعدما نفى بشكل قاطع إمكانية أن تسيطر "طالبان" على كابول. وهو الرئيس الذي تسبّب باضطرابات كبيرة في العلاقات مع فرنسا بعد اتفاق "أوكوس" كما أنّه الرئيس الذي فشل في ردع روسيا عن اجتياح أوكرانيا.

 

لا شكّ في أنّ بايدن نجح، ولا يزال، في الإبقاء على تماسك الغرب خلف أوكرانيا وفي تمكين الجيش الأوكرانيّ من الدفاع عن كييف بفعل الدعم العسكري الكبير. لكنّه أيضاً لم يكن موفّقاً في الطلب من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مغادرة البلاد في بداية الحرب. كان رفض زيلينسكي العرض الأميركيّ هو الذي أدخل الحرب منعطفاً جديداً. من ناحية أخرى، لا تحجب المساعدات العسكرية الكبيرة إلى أوكرانيا واقع أنّ الولايات المتحدة لا تعرف هدفها النهائيّ في تلك الحرب.

 

فكرة أنّ بايدن لا يوحي بثقة كبيرة في الخليج قد لا تحمل مبالغة. بهذا المعنى، إذا كانت الإدارة الديموقراطية لا تنوي فعلاً مغادرة المنطقة وخلق فراغ للقوى المنافسة، فسيحقّ لقوى الخليج التساؤل عن كيفيّة تنفيذها هذا التعهد.

 

مسؤولية عمّا آلت إليه الأوضاع

حققت إيران وروسيا توسّعهما في المنطقة خلال ولاية أوباما التي ضمّت معظم فريق العمل الحالي للرئيس بايدن. تمكّنت إيران من تمويل وكلائها في المنطقة بفعل الأموال التي أفرج عنها الاتفاق النووي، ومن البديهي توقع نتيجة مماثلة مع استمرار تعلّق الإدارة الحاليّة بالعودة إلى الاتفاق كطريقة وحيدة لوضع برنامج إيران النووي "في الصندوق". ولا يبدو أنّ للإدارة تصوّراً واضحاً يقيّد النفوذ الروسيّ في الشرق الأوسط عموماً وسوريا خصوصاً. تدفع الإدارة الديموقراطية ثمن أخطائها السابقة.

 

توقّع أوباما أن تتحوّل سوريا إلى "مستنقع" لروسيا لكنّه لم ينقل ما يكفي من الأسلحة إلى المعارضة السورية لتحقيق توقّعاته. وثمّة نقطة لافتة في العودة الأميركية المستجدة إلى الخليج.

 

هي نبعت من قناعة متأخرة بأنّ المنطقة لا تزال تحتفظ بأهميتها للولايات المتحدة. إلى جانب التعهد بجعل السعودية "دولة منبوذة"، اعتقدت الإدارة بأنّه يجب نقل الموارد من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا لمواجهة الصين. لم يطرأ التغيير في الاستراتيجية إلا بعد الحرب على أوكرانيا والتداعيات الاقتصادية الناجمة عنها.

 

"الديبلوماسية شيء من هذا القبيل"

في مجلّة "فورين بوليسي"، يستشهد الديبلوماسيان الأميركيان السابقان آرون ديفيد ميلر ودانيال كورتزر بكلام وزير الخارجية الأسبق جورج شولتز الذي سأل ذات مرّة: "إذا زرعت حديقة وذهبت بعيداً لمدة ستة أشهر، فما الذي ستحصل عليه عندما تعود؟ الأعشاب الضارة. وأيّ بستانيّ جيّد يعلم أنّه يجب عليك إزالة الأعشاب الضارة على الفور. الديبلوماسية شيء من هذا القبيل".

 

هكذا، بعدما أهملت الإدارة المنطقة لستة عشر شهراً، نمت الأعشاب الضارة بحسب تحليل الكاتبين. حاول البساتنة الديبلوماسيون إصلاح الأضرار التي لحقت بالزهور والمساحات الخضراء عبر التهيئة لزيارة بايدن المنطقة، لكنّ الأخير لم ينجح وفقاً لرأيهما. فالخليج يحافظ على التوازن بين علاقاته مع أميركا من جهة ومع روسيا والصين من جهة أخرى، كما أنّ إيران هي الممسكة الآن بالمفاوضات النووية. كذلك، يبقى حلّ الدولتين معطّلاً بينما لا توقّعات كبيرة بشأن ضخ المزيد من النفط في الأسواق العالمية. إضافة إلى أنّ الخليج "أخذ أكثر ممّا أعطى"، يتوقّع ميلر وكورتزر أن تكون الزيارة الأخيرة رد فعل محدوداً في الزمن أطلقه غزو أوكرانيا والتحديات الاقتصادية الداخلية في الولايات المتحدة.

 

بين الآمال والواقع

بطبيعة الحال، لم تهمل هذه الإدارة الشرق الأوسط لستة عشر شهراً بل لنحو مئة شهر إذا كان على المراقب احتساب سياسات المسؤولين أنفسهم في إدارتي أوباما وبايدن. لهذا السبب، يصعب فعلاً توقّع أن تكون الاستدارة الأميركيّة المتجدّدة إلى الشرق الأوسط استدارة مستدامة. الزيارة إلى الشرق الأوسط كانت أقرب إلى ردّ الفعل منها إلى تجسيد استراتيجية جديدة. ربّما يفاجئ بايدن المراقبين ويبرهن أنّ خطوته استراتيجيّة لا تكتيكيّة.

 

لكن حتى ولو لم يتحقق ذلك، يبقى مجرّد التواصل المباشر بين الرئيس الأميركي ورؤساء دول المنطقة أساسياً كما يشير إلى ذلك سارهانغ حاماسعيد من "معهد الولايات المتحدة للسلام" حيث لدى الطرفين الكثير ليتعاونا بشأنه مثل الأمن والتجارة والطاقة والتنمية والتغير المناخي. قد لا تكون جميع هذه المواضيع المشتركة كافية لإعادة العلاقات الثنائية إلى سابق عهدها. لكنّها على الأقلّ تسهّل استعادة الثقة بين الطرفين... إن لم يكن في الولاية الحالية، فعلى الأقل في الولاية المقبلة.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم