الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

شيرين أبو عاقلة لن تكون الأخيرة... حكّموا ضمائركم!

المصدر: "النهار"
ايسامار لطيف
ايسامار لطيف
شيرين أبو عاقلة.
شيرين أبو عاقلة.
A+ A-

سلام عليك يا قدسُ، سلام على أرضٍ سُقيت دماء الأبرار غدراً وظلماً وحرماناً. ألف سلام على كلّ من لا يزال يحمل القضيّة الفلسطينيّة، والسلام الأكبر لروح البطلة الشهيدة شيرين أبو عاقلة...

في مهنتنا، لا يمكننا توقع النتائج، ولا الأحداث ولا حتّى يمكننا التنبّؤ بها، فمتى نادانا الواجب نُلبّي النداء بتسليم كلّي، وكلّنا إيمان برسالتنا وحقّ المشاهد بالمعرفة. ولكن، هل تستحقّ شيرين أن تسقط غدراً من أجل هذه الرسالة التي باعها كثيرون اليوم؟ أتستحق فلسطين أن تسيل دماء الشهادة على ترابها الذي ارتوى أساساً وما من مُجيب؟

الفارق بين شيرين وغيرها من المراسلين هو أنّها لم تخف من الحرب، ولم تفزعها الذخائر والتهديدات، كما لم يُثنِها العدو عن متابعة رسالتها، لا بل زادها عزماً وصموداً، فعاشت وماتت في ميدان العمل الذي قدّسته وعشقته حتّى الموت.

 

"أنا إنسان، أخاف، أقلق، لكن حين يكون هناك حدث هام أشعر بأنّ عليّ أن أكون في الميدان لا في المكتب" – شيرين أبو عاقلة. بهذه الكلمات وصفت الزميلة، البطلة، عملها على أرض الواقع، فما بين الخوف والقوّة خيط رفيع يُسمّى القضيّة، التي آمنت بها حتّى الرمق الأخير، وفي وسط القصف والنيران وأصوات المدافع، وضعت الصحافيّة كرسيّها في شارع حيّ الشيخ الجراح، وقالت كلمة واحدة تختصر كلّ شيء: "وهي قاعدينلهم". إنّها المرأة الفلسطينيّة المناضلة، والصحافيّة البطلة، وأهم من كلّ ذلك هي إنسانة.

ليس القتل بالشيء الجديد على سياسة الاحتلال الإسرائيلي، وليس جديداً  على الصحافة التي تعودت تقديم الذبائح فداءً للرسالة. استشهاد شيرين هو تجديد لذكرى كل شهيد مات ظلماً وسُلب حقّه في الحياة لأنه حمل القضيّة الفلسطينية على كتفيه.

"المخاطر تحاصر الفلسطينيين كافة وليس الصحافيّ فقط فلماذا الخوف؟ أنا أحبّ القدس وأحبّ أن أراها سعيدة"، هكذا ترى الشهيدة المدينة المحتلة، التي تبكي كلّ لحظة شهيداً جديداً برصاص الاحتلال، المدينة التي لم تفرح من الاجتياح ولا تزال منذ حينها حتّى يومنا هذا ترتدي الأسود حداداً. في قاموسنا وعاداتنا يكون الحداد لمدة زمنية معيّنة أقصاها سنة، أمّا عند الفلسطينيين فالحداد قائم حتّى تحرير الأرض، ولو بعد حين.

عندما اخترتُ مهنة المتاعب هذه، كنت أحلم بأن أصبح مراسلة حربية، وتحديداً في فلسطين، فكيف لا؟ أليست هذه القضيّة الأسمى التي تُبثّ ليلاً ونهاراً على القنوات؟

 

أذكر مرة، كنا عائدين من الشمال باتجاه بيروت، فشغلنا الراديو وإذا بأغنية "الحلم العربي" تصدح، فدائماً تذكّرني هذه الأغنية بالأراضي المحتلة، وأسأل نفسي، لمَ أُحرم من زيارة قبر السيّد المسيح هناك؟ لمَ الأطفال في خوف مستمرّ؟ لمَ لا تنتهي الحروب ونعيش بسلام فحسب؟... أفكار طفولية، راودتني ولا تزال، فأنا بداخلي طفلة تكره القتل والموت والدماء، طفلة تكره المحتلّ الذي سلب القدس وغيرها من المناطق تحت شعار "التوسّع أو المستوطنات". ربما قتلوها بالجسد، ولكن روحها حيّة لم تمت ولن تموت، فمن قال إن أمثال شيرين يموتون أصلاً؟ 

اعتدنا سماع الأخبار السيّئة... ولا سيّما أخبار الموت، نشتمّ رائحته على بعد أميال، ولكن  لا لطمس الحقيقة أو الخضوع... فلا تعتادوا، وحكّموا ضمائركم!

الحقّ أقول لكم، تبّاً لضمائر ماتت وأفواه صُمّت عن الحقّ، فهي كالمعتدي تسلب وتطيح ومصيرها واحد!

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم