الأربعاء - 01 أيار 2024

إعلان

ترابط بين استهداف العراق والسعودية؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
مجمّع لمنشأة "أرامكو" في جدة، 2019- "أ ب"
مجمّع لمنشأة "أرامكو" في جدة، 2019- "أ ب"
A+ A-

أعلن "تحالف دعم الشرعية في اليمن" الأحد إسقاط تسع مسيّرات أطلقت نحو عدد من المناطق في السعودية حيث استهدف الحوثيون محطة للغاز في خميس مشيط ومحطة نقل الكهرباء بظهران الجنوب. وأضاف التحالف أنّ ميليشيات الحوثي استخدمت صواريخ كروز إيرانية لاستهداف محطة توزيع تابعة لشركة "أرامكو" في جازان ومحطة تحلية مياه في الشقيق ومحطة للغاز المسال التابع لـ"أرامكو" في ينبع. وأشار التحالف إلى أنّ قوّاته اعترضت ودمرت صاروخاً بالستياً متجهاً نجو جازان. واقتصرت الأضرار على الماديات.

ورأى التحالف في هذا التصعيد رفضاً للدعوة الخليجية لإطلاق جهود ومبادرات للسلام في اليمن. وكان مجلس التعاون الخليجي قد دعا الحوثيين لإجراء محادثات بشأن النزاع اليمني تستضيفه الرياض في 29 آذار. ردّ الحوثيون عبر اشتراط إجراء الحوار في دولة محايدة.

 

ضربتان

مهما يكن إطار مساعي إيجاد حلّ للنزاع اليمنيّ، فمن المؤكد أن تواجه إخفاقاً في المدى المنظور بعد الهجوم الذي وقع قرابة منتصف ليل السبت-الأحد. كان الحوثيون قد تلقوا ضربتين مؤخراً. الأولى تمثّلت في شنّ ألوية من "قوات العمالقة" المدعومة من الإمارات هجمات معاكسة أخرجت الحوثيين من شبوة فخفّفت الضغط عن مأرب. قضى الهجوم المعاكس سريعاً على جميع المكاسب التي حققها الحوثيون خلال هجومهم على شمال شبوة في النصف الثاني من سنة 2021 بحسب "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى".

وتمثّلت الضربة الثانية في اعتماد مجلس الأمن الدولي أواخر شباط قراراً جدّد نظام العقوبات على اليمن وصنّف الحوثيين "جماعة إرهابية" للمرة الأولى وفرض حظر توريد الأسلحة إليهم. وأدان القرار الهجمات العابرة للحدود التي يشنّها الحوثيون ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية في السعودية والإمارات كما الهجمات على السفن التجارية وانتهاكات حقوقية أخرى ترتكبها الجماعة الموالية والمدعومة من إيران.

في الوقت نفسه، جاء الهجوم الأخير بعد أسبوع واحد على الاستهداف الذي طال القنصلية الأميركية في شمال العراق. أطلق الحرس الثوري على تلك المنشأة اثني عشر صاروخاً بالستياً سقطت بالقرب منها من دون أن تتسبب بخسائر في الأرواح. انطلق الهجوم من الأراضي الإيرانية. تبنّى الحرس الثوري إطلاق الصواريخ وقال إنّه استهدف "قواعد إسرائيلية سرية" رداً على قتل الإسرائيليين مسؤولين في الحرس داخل سوريا في وقت سابق من الأسبوع الماضي.

 

أسباب محلية

قد يكون للهجومين أسباب موضعيّة وأخرى متقاطعة. في اليمن، عمد الحوثيّون إلى التصعيد بعد تعرّضهم للانتكاسة العسكرية في كانون الثاني. فقد شنّوا ثلاثة اعتداءات على الإمارات في الشهر نفسه مستخدمين الصواريخ والطائرات المسيّرة. من جهة ثانية، قد يكون أحد أسباب شنّ الهجوم الإيرانيّ على المصالح الأميركية في إربيل إحباط تحالف ضمنيّ بين التيار الصدريّ و"الحزب الديموقراطيّ الكردستانيّ" لتشكيل حكومة جديدة على ما قاله لـ"النهار" المحاضر في جامعة "ساسكس" الدكتور قمران متين. وهدفت المساعي إلى تشكيل حكومة عراقية مع استبعاد الميليشيات الشيعية الموالية لإيران عنها.

 

تعزيز أجندة إيران

على ضفة موازية، من غير المستبعد أن يكون الهجومان على العراق والسعودية مرتبطين طالما أنّهما يحقّقان مصلحة إيرانية عليا. فهما متقاربان زمنياً وتوقيتهما يخدم أجندة طهران في سباق الأمتار الأخيرة نحو إعادة إحياء الاتفاق النووي. تلمّست إيران استعداداً أميركياً كبيراً لتقديم ما أمكن من تنازلات من أجل إعادة البرنامج النووي الإيراني "إلى الصندوق". وعلى ما يبدو ليس للتنازلات الأميركية أي سقف في هذا الإطار.

استقال ثلاثة مسؤولين من الفريق الأميركي المفاوض في فيينا اعتراضاً على التخفيف الكبير للعقوبات المفروضة على طهران، وأبرزهم ريتشارد نيفيو، نائب الموفد الأميركي الخاص للشؤون الإيرانية روبرت مالي. وتقدّمت روسيا في الخامس من آذار بطلب إعفائها من العقوبات الأوكرانية في سياق تعاملاتها المستقبلية مع إيران بعد التوقيع على الاتفاق النووي. بعد عشرة أيام، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنّ بلاده حصلت على ضمانات مكتوبة لهذا الغرض.

وتشير تقارير إلى أنّ الولايات المتحدة قبلت برفع العديد من الشخصيات والكيانات الإيرانية عن لائحة الإرهاب من بينهم مسؤولون حاليون وسابقون في الحرس الثوري تتّهمهم الولايات المتحدة بارتكاب انتهاكات حقوقية واعتداءات إرهابية كان أميركيون من جملة ضحاياها. وتطالب إيران برفع كامل المنظّمة عن لائحة الإرهاب، وقد يكون ذلك أحد أسباب الهجوم على القنصلية في إربيل.

 

"أكثر من المتوقع"

يعني هذا الأمر لو تحقّق أنّ واشنطن وسّعت لائحة رفع العقوبات لتطال مجالات غير مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني. بعد ذلك، لن يعود مستغرباً كلام الموفد الروسي إلى فيينا ميخائيل أوليانوف عن تخطّي "النجاح" الإيرانيّ في المفاوضات كلّ التوقّعات: "حصلت إيران على أكثر بكثير مما أمكنها أن تتوقع. أكثر بكثير". وأضاف أنّها حصدت أكثر ممّا توقّعه هو شخصيّاً مشيراً إلى أنّ الإيرانيين قاتلوا لمصالحهم "كالأسود... على كل فاصلة، كل كلمة... بنجاح كبير".

إنّ استهداف الحوثيين لمنشآت "أرامكو" في السعودية يساهم في زيادة عدم استقرار أسعار الطاقة وهو ما يؤرق الإدارة الأميركية مع موجة ارتفاع أسعار الوقود والسلع، وهي موجة بدأت قبل الحرب على أوكرانيا. ومن المتوقّع أن يستمرّ ارتفاع التضخّم في الولايات المتحدة بالحدّ الأدنى خلال الأشهر القليلة المقبلة التي تسبق الانتخابات النصفية. دفع ارتفاع أسعار الوقود إدارة بايدن لا إلى تليين مواقفها في المفاوضات مع إيران وحسب، بل حتى إلى فتح قنوات التفاوض مع حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من أجل زيادة الإنتاج النفطيّ.

تتحرّك إيران بناء على هذه المعطيات فترفع سقف الضغط على الإدارة الأميركية. سمح بايدن للإيرانيين بزيادة التصعيد عبر إرساله إشارات يائسة عن رغبته بالعودة إلى الاتفاق النووي مهما كان الثمن... حتى لو بلغ حدّ التغاضي عن استهداف حلفاء أميركا، بل التغاضي عن استهداف أميركا نفسها في الشرق الأوسط.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم