الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

بِمَ تَفيد إيران من قصف إربيل اليوم؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
منظر لمبنى مدمّر بعد الهجوم في أربيل شمال العراق (13 آذار 2022 - أ ف ب).
منظر لمبنى مدمّر بعد الهجوم في أربيل شمال العراق (13 آذار 2022 - أ ف ب).
A+ A-

كثيرة هي الفرضيات المطروحة لتفسير أسباب استهداف إيران القنصلية الأميركية في إربيل بعد منتصف ليل السبت-الأحد. وكان مسؤولون أكراد قد أعلنوا تعرّض إربيل، عاصمة إقليم كردستان، لـ 12 صاروخاً بالستياً من دون سقوط ضحايا. وذكر مراسل التلفزيون الإيراني أنّ الهجمات الصاروخية استهدفت "قواعد إسرائيلية سرية".

وذكرت إيران الأربعاء أنّ غارة جوية إسرائيلية استهدفت سوريا وقتلت أربعة أشخاص من بينهما مسؤولان في الحرس الثوري، متعهّدة الانتقام لمقتلهما. وأشار الناطق باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده إلى أن محاسبة إسرائيل عن هذه الهجمات هي "واحد من أهداف المقاومة الأساسية في المنطقة".

بالفعل، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين قولهم إنّ الهجوم الصاروخي قد يكون انتقاماً من الإسرائيليين على الغارة التي شنوها في سوريا.

وقال مسؤول أميركي لوكالة "رويترز" إنّ الصواريخ انطلقت من الأراضي الإيرانية. وأفادت تقارير أخرى أنّ الصواريخ انطلقت من مدينة تبريز شمال غرب البلاد. من جهته، أصدر جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان بياناً أكّد أنّ الصواريخ كانت "موجّهة إلى القنصلية الأميركية في إربيل".

وجاء بيان الخارجية الأميركية ضعيفاً نسبياً: "ندين الهجوم الشائن على قنصليتنا في إربيل، والسلطات العراقية والكردية تحقق في الحادث".

لكنّ النائبة الديموقراطية إيلين لوريا أعلنت عبر تويتر أنها تواصل مراقبة التقارير عن استهداف القنصلية الأميركية في العراق. وأضافت: "إذا كانت التقارير صحيحة، فعلى إدارة بايدن سحب محادثاتها مع إيران. لا نستطيع العودة إلى دخول خطة عمل شاملة مشتركة فاشلة (الاسم الرسمي للاتفاق النووي) لتقوية إيران أكثر وتهديد الأمن الدولي".

 

"انتقام" لمقتل سليماني

توقّع موالون لإيران على شبكات التواصل الاجتماعي أن يكون الهجوم الصاروخي انتقاماً لمقتل القائد السابق لـ"قوة القدس" قاسم سليماني والنائب السابق لقائد قوات الحشد الشعبي أبي مهدي المهندس في غارة أميركية على مطار بغداد أوائل يناير/كانون الثاني 2020. وردّت إيران حينها على الاغتيال من خلال إطلاق صواريخ بالستية على قاعدتين عسكريتين أميركيتين في إربيل. وبالرغم من أنّ إيران أبلغت الأميركيين أنّها أوقفت ردّها، عاد مسؤولون إيرانيون لاحقاً ليقولوا إنّهم لا يزالون يسعون للانتقام لمقتل سليماني.

ويعدّ الهجوم الصاروخي البالستي اليوم هو الأول من نوعه بعد القصف الذي استهدف القاعدتين العسكريتين الأميركيتين. وتعرّضت الأصول والمصالح الأميركية في العراق لهجمات كثيرة لكنّها نُفّذت على يد ميليشيات موالية لإيران. ونادراً ما ردّت الولايات المتحدة على تلك الهجمات.

كذلك، برزت تحليلات تقول إنّ استثناء الفصائل الموالية لإيران من المفاوضات لتشكيل الحكومة الائتلافية المقبلة ربما أدى إلى تدخل إيراني لعرقلة هذا المسار. وهذا ما يلفت إليه المحاضر في العلاقات الدولية في جامعة "ساسكس" البريطانية الدكتور قمران متين في تعليق لـ"النهار".

 

ويوضح أنّ إيران كانت تبذل جهداً كبيراً لإحباط تحالف ضمنيّ بين تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر و"الحزب الديموقراطي الكردستاني" بقيادة مسعود بارزاني من أجل تشكيل حكومة في بغداد على حساب الميليشيات الشيعية الموالية لإيران. "لذلك، قد يكون هذا الهجوم تحذيراً بالكاد مقنّعاً إلى الحزب الديموقراطي الكردستاني".

 

غموض

اللافت في هجوم اليوم أنّه جاء خلال اجتياز الأمتار الأخيرة التي فصلت الأميركيّين والإيرانيين عن إعادة إحياء الاتفاق النووي بعد مفاوضات شاقة في فيينا. لكنّ المحادثات شهدت في الأيام الأخيرة عرقلة روسية، حيث طالبت موسكو الأميركيين بضمان ألا تؤدي العقوبات المفروضة عليها بسبب غزوها أوكرانيا إلى تقويض علاقاتها التجارية مع إيران.

وأعلن الممثل السامي للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل يوم الجمعة أنّه تمّ التعليق المحادثات في فيينا بسبب "عوامل خارجية". وأضاف أنّ "النص النهائي جاهز أساساً وهو على الطاولة".

إنّ سبب التصعيد الإيراني الكبير يزداد غموضاً بما أنّه يقترن مع تشتيت تركيز الأميركيين عما يجري في أوكرانيا. يساعد ذلك إلى حدّ ما الروس الذين يخوضون معركتهم العسكرية في تلك البلاد، وهي معركة لا تجري وفقاً لمخططاتهم بفعل استنزافها لقدراتهم العسكرية والاقتصادية.

ربّما أمكن فهم هذا التصعيد في أوقات أخرى على أنّه مساعدة إيران لشريكها الروسي في مواجهة الأميركيين، مهما كانت هذه المساعدة محدودة. لكن قبل أيام من التوصّل إلى اتفاق نووي، طالب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بضمانات كي لا تتسبب العقوبات الغربية بسبب أوكرانيا بـ"أي ضرر لحقّنا في التجارة الحرة والكاملة، والتعاون الاقتصادي والاستثماري، والتعاون العسكري-التقني" مع إيران.

ولن تناسب روسيا عودة النفط الإيراني إلى الأسواق لأنّها ستخفّض سعر البرميل وبالتالي الضغوط الضخّميّة في الغرب. ومن المنطقيّ توقّع رهان روسيّ على أنّ الغرب لن يستطيع التعامل لفترة طويلة مع الارتدادات الاقتصادية لعقوباته على اقتصاداته المحلية.

لكنْ ثمّة جانبان آخر في المعادلة وفقاً لمتين: "إنّ الحكومة الإيرانية الحالية والحرس الثوري يملكان روابط وثيقة جداً واستراتيجية مع روسيا وبالتالي من المرجح أن يكونا راغبين بمساعدة روسيا في مواجهة العقوبات الغربية بفعل الغزو الروسي لأوكرانيا. علاوة على ذلك، إنّ واحدة من القضايا القليلة الباقية في محادثات فيينا هي رفع الحرس الثوري عن اللائحة الأميركية للمنظمات الإرهابية والتي قاومتها الولايات المتحدة لغاية الآن". لذلك، قد يكون الحرس الثوري وجّه رسالة في هذا الإطار كما أوضح.

وفقاً لمتين، هنالك أيضاً التصدير المحتمل للغاز الطبيعي من إقليم كردستان إلى أوروبا عبر تركيا. قد يعطي هذا الأمر الاتحاد الأوروبي مصدراً بديلاً للغاز لتخفيف الاعتماد على روسيا. بالتالي، إن منطق الهجمات يشمل "تقاطعاً بين المصالح الروسية والإيرانية (أو الحرس الثوري)".

 

احتمالات انهيار المحادثات تتزايد؟

قال إريك بروير من مركز "مبادرة التهديد النووي" إنّه ليس واضحاً حقاً ما إذا كانت المحادثات ستنجح. من جهتها، نقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية عن مسؤولين إيرانيين قولهم الاثنين الماضي إنّ المطالب الروسية الهادفة إلى تأمين مصالح موسكو في مناطق أخرى "لم تكن بناءة".

وأصرّ الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده الجمعة على أن "لا عامل أجنبياً سيؤثر على إرادتنا المشتركة للمضي قدماً نحو اتفاق جماعي"، مكرّراً كلاماً مشابهاً لوزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان قاله يوم الاثنين. لكنّ استهداف إربيل يمكن أن يطوي صفحة أيّ تباين أو تكهّنات بوجود هكذا تباين بين إيران وروسيا.

في جميع الأحوال، سينتظر المراقبون حجم ردّ الأميركيّين على استهداف مصالحهم، إذا حصل، لمعرفة تأثير القصف الإيراني على المفاوضات النووية. وقد لا تتحرّك الولايات المتحدة للدفاع عن مصالحها فترى إيران في هذا الأمر ضعفاً أميركياً يستدعي المزيد من التصعيد. ونشر أستاذ الأدب الإنكليزي والاستشراق في جامعة طهران والمقرّب من الحكم سيد محمد ماراندي فيديو للقصف الصاروخي الذي استهدف إربيل معلّقاً عليه: "هذه هي فقط البداية".

لهذه الأسباب تبدو الأبواب مفتوحة على جميع الاحتمالات.

_____________________________________________________________

 

*تمّ تحديث التقرير ليشمل تعليق الدكتور قمران متين ردّاً على أسئلة "النهار"

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم