الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

التفكير الرغبوي لواشنطن يصطدم بالوقائع الصعبة في اليمن

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
مقاتل يمنيّ موالِ للحكومة خلال قتال مع الحوثيين على الجبهة الجنوبية لمأرب (أ ف ب).
مقاتل يمنيّ موالِ للحكومة خلال قتال مع الحوثيين على الجبهة الجنوبية لمأرب (أ ف ب).
A+ A-

اقتحم الحوثيون الثلثاء الماضي مجمّع السفارة الأميركية في صنعاء واحتجزوا 25 فرداً من موظفيها، وهو حدث يمثّل ضربة جديدة للهيبة الأميركية في ولاية الرئيس الأميركيّ جو بايدن. وكانت شبكة "بلومبيرغ" أول وسيلة إعلامية أميركية تتحدث عن الموضوع، قبل أن تؤكد الولايات المتحدة رسمياً عملية الاحتجاز بعد حوالي 48 ساعة على نشر التقرير. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس إنّ بلاده بذلت جهوداً حثيثة خلف الكواليس لتأمين إطلاق سراح الموظفين. وأضاف الخميس "أننا رأينا بعض التقدم، ونحن نواصل العمل على هذه المسألة الحساسة".

أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في اليمن سنة 2015 مع اشتداد الحرب. ومع أنّ الديبلوماسيين الأميركيين أعيدوا إلى بلادهم، ظلّ بعض الموظفين اليمنيين يعملون من منازلهم أو كحراس أمنيين في السفارة. ولم تعلن واشنطن الوظيفة الديبلوماسية للعاملين المحتجزين، علماً أنّه تمّ الإفراج عن غالبيّتهم بحلول الخميس. ومن بين المحتجزين أيضاً متعاقدون مع "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية".

اندلعت الحرب في اليمن بعد انقلاب الحوثيين على اتفاق السلم والشراكة (أيلول 2014) والذي كانوا قد وقّعوا عليه بأنفسهم. اجتاح الحوثيون صنعاء وحاصروا الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي فرّ إلى عدن قبل أن يتوجه إلى السعودية بعد اجتياحهم للمدينة في آذار 2015. وقادت الرياض تحالفاً عسكرياً ضد الحوثيين بناء على طلب من هادي المعترف بشرعية حكومته من المجتمع الدوليّ ككلّ. وفي شباط من السنة نفسها، تبنّى المجلس بالإجماع قراراً دعا الحوثيين إلى الخروج من صنعاء والعودة إلى المفاوضات ورفع الحصار عن مؤسسات الدولة.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يحتجز فيها الحوثيون أميركيين أو أفراداً على صلة بهم. في 2015 احتجز الحوثيون أربعة أميركيين في صنعاء أيضاً. وأشار برايس منذ يومين إلى أنّ إدارة الرئيس بايدن ملتزمة "ضمان سلامة أولئك الذين يخدمون المصالح الأميركية في الخارج" ذاكراً أنّها تعمل على ذلك مع الشركاء الدوليين. من جهته، غرّد النائب الجمهوري مايك وولتر منتقداً الإدارة في تعاملها مع اليمن لأنّها أوصلت رسالة غير مباشرة للحوثيين مفادها "أنّه يمكنهم الإفلات من العقاب".

 

"الدهشة الأميركية"

بمجرّد وصول بايدن إلى البيت الأبيض، أوقفت إدارته دعمها لعمليات التحالف العسكريّة في اليمن كما رفعت الحوثيين عن لائحة الإرهاب، بعدما صنّفتهم إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عليها. ولم يكن وولتر الأميركيّ الوحيد الذي رأى في إلغاء التصنيف ضوءاً أخضر للتصعيد الحوثيّ. فعقب خطوة بايدن، شنّ الحوثيّون، ولا يزالون، هجوماً شرساً على محافظة مأرب الغنية بالطاقة للسيطرة عليها. في الواقع، يبدو أنّ الإدارة الديموقراطية لم تكن تتوقّع تداعيات خطوتها. لكنّها في محاولة لاستدراك سياستها الجديدة فرضت عقوبات على اثنين من قادة الحوثيين في أيار 2021 لدورهما في الحرب على مأرب. ولا يبدو أنّ ذلك كان نافعاً في وقف الهجوم أو حتى في منع الاعتداء على السفارة في صنعاء.

فالحوثيّون يواظبون على استعراض عضلاتهم عبر عمليّة الاحتجاز الأخيرة وفقاً لما قاله رئيس مجموعة "إنترناشونال إنترست" للمخاطر السياسية سامي حمدي في حديث إلى شبكة "تي آر تي". فهم يقولون "إنّنا نمسك بزمام الأمور" بينما هم مؤمنون فعلاً بأنّ واشنطن لن تقدم على أيّ ردّ فعل في مقابل "دهشة (الأميركيين) المتصاعدة من عناد الحوثيين" بحسب تعبيره.

 

التفكير الرغبوي

تعكس هذه "الدهشة" حالة التفكير الرغبوي المنتشرة بين أروقة البيت الأبيض والمعتقدة بأنّ الإشارات الإيجابيّة الصادرة عن الرئيس سيلتقطها الحوثيون (أو خصوم واشنطن بشكل عام) كبادرة حسن نيّة لا كعلامة ضعف. أمكن أن تمثّل هذه الإشارة دليلاً إلى وجود حسن نيّة لولا تكرّرها في أكثر من منطقة وملفّ، كما هي الحال مع برنامج إيران النوويّ والانسحاب من أفغانستان بناء على شروط طالبان وإعفاء "نورد ستريم 2" من العقوبات والقبول بمعاملة صينيّة حملت بشكل متكرّر نوعاً من الازدراء تجاه المسؤولين الأميركيين. وفي الواقع، تكفي التجربة الأفغانية الفاشلة التي مرّت بها الإدارة الحاليّة لتفسّر سبب تكوين الحوثيين فكرة عن عدم رغبة واشنطن بالردّ على عمليّتهم الأخيرة في صنعاء.

لقد رفض بايدن تمديد فترة إجلاء الأميركيين إلى ما بعد 31 آب خشية إغضاب "طالبان". وليس معروفاً بالضبط عدد الأميركيّين الذين تخلّت عنهم الإدارة بغية عدم إثارة حفيظة الحركة. ففي وقت تتحدّث تقارير عن بقاء بضعة مئات من الأميركيّين في أفغانستان، يشير مراقبون إلى وجود أكثر من 35 ألف شخص مرتبطين مع الولايات المتحدة بوثائق رسمية (أميركيين، حملة البطاقة الخضراء...). لن يكون مفاجئاً في هذا الإطار ألّا يخشى الحوثيون أي رد فعل من الأميركيين، وأن تكون حساباتهم في محلّها. كذلك، لن يكون مفاجئاً أن تكون الإدارة الحالية وسط أزمة مشابهة أخرى مع اختطاف عصابة هايتية بقيادة ويلسون جوزف 16 مبشراً أميركياً وآخر كندياً في تشرين الأول الماضي والذي يطالبها بفدية قيمتها 17 مليون دولار.

 

بين الكونغرس والإدارة

واجهت إدارة بايدن انتقادات من كلا الحزبين في الكونغرس على طريقة تعاملها مع الملف اليمنيّ: "إنّ انتهاك الأراضي السيادية لسفارة أجنبية وتهديد واحتجاز موظفيها يبرهن بشدة أن ليس لدى الحوثيين اهتمام بالسلام، ولا بإدخال التغييرات الضرورية ليصبحوا أعضاء شرعيين في المجتمع الدولي". كان هذا ما جاء في بيان قادة لجنتي الشؤون الخارجيّة في مجلسي الشيوخ والنواب.

في هذا الوقت، تكتفي الإدارة الأميركية بالعموميات والكلام المنمّق لحلّ الأزمة في اليمن. قبل يوم من عملية الاحتجاز، زار موفد بايدن الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ عدن. هناك، شدّد في لقاءاته مع المسؤولين الحكوميين على ضرورة "تكاتف اليمنيّين لإنهاء هذه الحرب وإدخال إصلاحات جريئة لإنعاش الاقتصاد ومكافحة الفساد وتخفيف المعاناة".  

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم