الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

ريم حراجلي تحصد جائزة "مهندس العام" في هندسة الميكانيك في دبي... "هي كل شيء لي"

المصدر: النهار
ليلي جرجس
ليلي جرجس
ريم حراجلي تحصد جائزة "مهندس العام" في دبي.
ريم حراجلي تحصد جائزة "مهندس العام" في دبي.
A+ A-
 
لم تكن ريم حراجلي (ابنة الـ 32 عاماً) تخطّط للدخول في معترك هندسة الميكانيك من الأساس، كانت تسير مع الحياة بأهوائها ووفق قدراتها وماديّاتها. لم تكن الخيارات كثيرة لكنّ طموحها كان يفوق كلّ شيء، هي اليوم تقطف ثمار تعبها وجهدها والتزامها وحبّها المعرفة، بنيلها جائزة "مهندس العام" في هندسة الميكانيك.
 
شابة من 100 رجل، كانت تلك الوردة التي تنمو معاكسة كلّ الظروف والصور النمطية التقليدية التي ترسم مصائر البعض. كان عليها أن تصعد سلّم النجاح درجة درجة، عيناها إلى الأمام حيث ينتظرها هدفها لتحقّقه متابعة نحو الأعلى. لم تكن تنظر إلى الخلف إلّا لتستخلص العبر والدروس.
 
بكت، انكسرت، تذوّقت كأس الخيبة، وعادت بإرادة وعزيمة لتثبت للجميع أنّها تستحق أن تكون هنا، وأنّها مثال ناجح في العمل كما في الحياة.
 
نعود مع ريم إلى بداياتها، إلى مدرستها حيث كانت متفوّقة، خصوصاً في مادّتيّ الرياضيات والعلوم، وبعد تخرّجها حائزة علامات ممتازة، وبسبب عدم توفّر القدرة المالية التي تسمح بدخولها إلى جامعة خاصّة، لم يكن أمام ريم سوى الجامعة اللبنانية، والاختيار بين اختصاصين في كلية العلوم، الرياضيّات لتصبح في ما بعد أستاذة، أو الهندسة.
 
اختارت ريم أن تسلك مجال الهندسة، وكان عليها إجراء اختبار القبول من بين 4000 طلب آخر، وقد اجتازت مع 290 طالباً آخرَ الامتحان، لتبدأ مسيرتها الأكاديمية بتحدّيات وصعوبات، خصوصاً في الجامعة اللبنانية المعروفة بأنّها من الجامعات التي يجهد فيها الطالب لتحقيق طموحاته والتحدّيات التي تواجهه.
 
تفوّقت ريم في سنوات التعلّم الجامعيّ، كانت مجتهدة في مواد الميكانيك، تتحدّث لـ"النهار" عن تلك المرحلة بالقول: "كنتُ على يقين أنني قادرة على فهم نظام الميكانيك بكلّ تفاصيله، ولدي الشغف في هذه المواد، لاسيّما ما يتعلق بموتورات السيّارات، وتوليد الكهرباء، وانتقال الحرارة من الداخل إلى الخارج، لم يُشجّعني أحد على هذا الاختصاص، ولكن هناك من شجّعني على النجاح، وهو جدّي". هذا ما تعترف به ريم في حديثها، "لقد تربّيتُ في منزل جدّي وجدّتي، ولقد تأثّرت بجدّي كثيراً، كان رجلاً عصاميّاً علّمني كلّ القيم التي أتّبعها اليوم في حياتي".
 
وتتابع: "كان النجاح هو الطريق الوحيد أمام عينيّ، هذا ما علّمني إيّاه جدّي، ولم أكن أسمح لنفسي بأن أرسب في أيّ مادة".
 
 
وماذا عن التحدّيات التي واجهتها، تشير ريم إلى أنّ نظام الدراسة في الجامعة كان شبيهاً بنظام المدرسة من حيث الدوام (8 صباحاً حتى الثالثة والرابعة ظهراً)، "وكوني دخلتُ معترك العمل باكراً بعمر الـ 18، كانت صعبة عليّ مراجعة المواد في المنزل عند عودتي. لذلك كنت أركّز كثيراً في الصفّ لأنني لا أملك الوقت لمراجعتها بسبب ارتباطي بتدريس بعض الأولاد، والعمل في أيام العطلة الأسبوعية لتأمين مصاريفي ومتطلبات الجامعة".
 
حتّى انّها كانت تضطرّ إلى التغيّب قبل أسبوع أو أسبوعين من الامتحانات لتتمكّن من مراجعة كلّ المواد، بالإضافة إلى اطّلاعها على كتب إضافيّة في المكتبة لتنمية معرفتها وضمان حصولها على علامات جيّدة تكفل نجاحها.
 
من السباق مع الوقت والتحدّيات في اجتياز كلّ المواد بتميّز، إلى مرحلة أكثر ضغطاً واستحقاقاً: العمل. كانت فرصتها الأولى كما أوضحت "وظيفة في أبو ظبي أي خارج البلد. فكان التحدّي كبيراً، خصوصاً أنّني في بلد غريب وبمفردي، أبدأ مسيرتي المهنية من نقطة الصفر. وكانت الصعوبة في تأسيس نفسي، وما كان يُخيفني أنني أعمل في شركة تضمّ أشخاصاً من جنسيات متعدّدة وثقافات مختلفة."
 
لقد شكّلت اللغة تحدّياً إضافياً حيث كانت ريم تتحدّث الفرنسية في حين أنّ الموظّفين كانوا يتحدثون الإنكليزية. عملت على نفسها وجاهدت لتواكب كلّ هذه المتغيّرات، وتكتسب خبرتها، وتثبت لنفسها وللآخرين أنّ المستحيل مرفوضٌ.
 
أمّا التحدّي الأكبر الذي واجهته ريم فكان في كونها الفتاة الوحيدة ضمن فريق العمل المؤلف من 100 شخص. ليس سهلاً أن تكون متواجداً بين كلّ هؤلاء الرجال، "كنتُ أخاف أن أبدي رأيي في الاجتماعات مثلهم، إلى أن تمّ تعيين مدير جديد، ولحسن الصدف كانت امرأة بريطانية".
 
تتابع ريم: "هذا التعيين انعكس إيجاباً على مسيرتي المهنية، فقد أخذت على عاتقها أن تعطيني هذه الفرصة للانطلاق، وساعدتني من خلال معاملتها وكيفية تعاطيها مع الموظفين لاكتساب المهارة والثقة. وبفضل تشجيعها ودعمها، بدأت أتحدّى نفسي وأبدي آرائي ووجهات نظري في المواضيع التي نناقشها، وعدم الخوف من السؤال، والبحث عن الأجوبة، فهذا يعني السعي إلى تطوير نفسي ومهاراتي وصقل معرفتي."
 
 
برأيها: "كنت أريد أن أثبت للجميع أنني استحق أن أكون في هذا المركز وأنا ناجحة فيه. وبدأت أكسر هذه الصورة النمطيّة في مهن كانت محسوبة على الرجال، من خلال الحديث على الملأ عن رأيي، وكسر الخوف من إبداء وجهة نظري. لقد بنيتُ الثقة التي ساعدتني على النجاح والمضي في الطريق الصحّ".
 
كان يتردّد على مسامعها في العمل أنّ "المرأة القوية إخت الرجال" وكانت تريد أن تكسر هذه الصورة، "كنتُ مدافعة شرسة عن آرائي المهنية، ولا أسكت عن قناعاتي والخيارات الفضلى، وهناك من كان يتفاجأ بصورتي التي يراها في العمل، وشخصيتي في الحياة الطبيعية التي تشعّ أنوثة وجمالاً".
 
لذلك تنصح كلّ الشابات والنساء: "لا تستسلمن، لن يكون الأمر سهلاً، لا تستمعن إلى التعليقات، واصغين لما تشعرن به، واعطين الثقة لأنفسكنّ أنكنّ قادرات على الوصول والنجاح. لا تدعن أيّ شخص يؤثر عليكنّ أو على طموحاتكنّ".
 
"شهد العالم تحسّناً كبيراً في الوظائف، واجتزنا أشواطاً كثيرة حيث بدأنا نرى نساء يتولّين مناصب مهمّة في مختلف المجالات، وهذا لم يكن موجوداً في الماضي. ومن المهمّ جداً لكلّ شابّة أو امرأة واجهت تحدّيات أو صعوبات، أن تعود إلى هؤلاء النساء الناجحات في مجال الأعمال". وتشدّد ريم على أنّها "مستعدّة لتقديم كلّ الدعم والنصائح لأيّ شابّة بحاجة لها. نتمتّع اليوم بالخبرة والمعرفة، ويمكننا مساعدة الشخص وتوجيهه ودعمه بما أمكن".
 
 
بالنسبة إلى ريم الجائزة التي حصدتها "هي كلّ شيء، هي بمثابة إثبات للمقولة "العمل الشاق يأتي بثماره"، تقول: "لقد كبرتُ على فكرة أنّه عليّ أن أجاهد وأعمل وأتعب من أجل الوصول إلى هدفي، لا يمكن للتعب أن يذهب سدى، ستجد مقابل كلّ الضغوطات و"الطلعات والنزلات" ثمار النجاح مهما طال الوقت".
 
تطمح ريم أن تصل إلى مركز أصغر مديرة في الشركة مقارنة بعمرها وسني خبرتها، وتقول "أريد بناء ثقافة في عالم الأعمال، يهمّني أن أسلّط الضوء على أنّنا لسنا مجرّد أرقام، وأن تظهر لنفسك وللآخرين أنّ بإمكانك أن توسّع فريق عملك وتدعمه، أن تؤمن بقدرات أعضائه وتقوّيهم حتّى يكبروا معك. لذلك أطمح أن يكون لدي فريق عمل يعرف ماذا يريد، ويلتزم بالقيم، وأن يكون وفيّاً ويحبّ التطوّر. من المهمّ ألّا نخجل من عدم معرفتنا لكلّ الأشياء، فعلينا أن نناقش كلّ الأفكار، وأن نحثّ أنفسنا والآخرين على التحدّي وحبّ المعرفة والصدق في العمل".
 
تتمسّك ريم بمقولة "الفشل ليس خياراً"، تردّدها في نفسها، وهي التي ساعدتها على تخطّي الصعوبات، سواء في معترك الجامعة أم في العمل. تعترف قائلة: "نعرف جميعنا أنّ لكلّ شخص قصّته التي تدفعه إلى الاستمرار والنضال، وقصّتي التي هزّت شيئاً في داخلي كانت في حرب تمّوز، عندما علقنا في الجنوب وبقينا في الملجأ. ما زلتُ أذكر حتّى اليوم ذلك الشعور الذي اعتراني عند سماع هدير كلّ صاروخ، والإحساس بأنّه سيسقط في المكان الذي نختبئ فيه".
 
عندما تشعر ريم بلحظات الضعف أو الانهزام أن ثقتها بنفسها مهزوزة،  أو أنّها عاجزة عن إيجاد حلّ، تبقى الفكرة الوحيدة التي تجتاحها: "طالما أنني عشتُ في الحرب ونجوت ولم أدعها تكسرني، فيمكنني الصمود والبقاء ولن يكسرني شيء".
 
لدى ريم ما يجعلك تسمعها حتّى الكلمة الأخيرة، حماسها واندفاعها في الحياة يجعلك تتوه في عالمها المفعم بالأحلام والطموح والإرادة القويّة والصلبة. برأيها: "كنتُ أتوقّع النجاح ولكنّني لم أكن أتوقّعه في هذا العمر، وكأنّه جاء في وقت مبكر أكثر ممّا كان متوقّعاً، هذه الجائزة التي حصدتها هي كلّ شيء بالنسبة إليّ، لم أكن أصدّق أننّي كامرأة سأحصد جائزة "مهندس العام" في هندسة الميكانيك".
 
لا تنسى ريم اللحظات الصعبة التي مرّت عليها، ومنها كما تقول: "اعتبرني أحد المدراء فاشلة وعملي لا يساوي شيئاً، وأنني لست مخوّلة للعمل معهم". عاشت ريم هذه اللحظات الضعيفة حيث بكت كثيراً وخرجت مكسورة تسأل نفسها: "ما الذي أفعله هنا"، ولكنّها لم تستسلم لهذه التصاريح التي جرحتها كفاية، وقرّرت أن تتابع، وتقول لنفسها: "أنا أفضل من ذلك، وعملت جاهدة على تثقيف نفسي والمطالعة والبحث عن كلّ ما يهمّني لتطوير مهاراتي وعلمي".
 
اليوم أصبحت ريم تُطلب شخصيّاً لاستلام المشاريع بسبب عملها المتقن وقدراتها على متابعة الشاردة والواردة، وتسليم المشاريع في أوقاتها، وتتابع أدقّ التفاصيل. هذه المثابرة وهذا التعب والجهد والثقة كانت الأجوبة لكلّ من شكّك بقدراتي، فيما أنا اليوم أحصد جائزة "مهندس العام".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم