الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

في خرق أخلاقي للإضراب... معلّمة "الرسمية" تحوّل منزلها إلى مدرسة مجّانية

المصدر: "النهار"
فرح نصور
من أجواء الدراسة لدى سوسن.
من أجواء الدراسة لدى سوسن.
A+ A-
"لا بدّ من أن تكون حسنة لوجه الله تعالى وأن يكون لي أجر بذلك"، بهذه العبارة، أوجزت المعلّمة سوسن دياب، الرسالة من استضافة الصفوف التعليمية مجاناً في منزلها، في سابقة في ظل إضراب معلّمي التعليم الرسمي.
 
خرقت معلمة اللغة الإنكليزية في مدرسة زوطر الغربية في جنوب لبنان، على طريقتها الخاصة، الإضراب الذي ينفّذه معلّمو التعليم الرسمي للمطالبة بزيادة رواتبهم بسبب غلاء المعيشة، ويعتكفون عن التعليم ويلتزمون منازلهم، ما أدّى إلى توقّف الدروس حتى إشعار آخر.
لكن سوسن فكّرت بطريقه أخرى "كي لا يضيع العام الدراسي على الطلاب، من منطلق إنسانيّ أخلاقي، متلائماً مع ما يُعرف عن التعليم بأنّه رسالة سامية"، بحسب ما تصف سوسن لـ"النهار".
 
وتخبر سوسن أنّ الفكرة انطلقت بعد كمّ التواصل الكبير من الطلاب لمراجعة دروسهم، وقد أيقنت أنّ هناك كفايات غير مكتسَبة بعد لديهم.
 
المدرسة التي تعلّم فيها سوسن هي مدرسة القرية، وطلّابها ليسوا كثيرين من حيث العدد، وجميعهم يسكنون بالقرب منها ويمكنهم أن يصلوا إليها مشياً على الأقدام. وصحيح أنّ المعلمين أضربوا، لكن لميس وبعضاً من زميلاتها، ما زلن يتابعن دروس الطلاب عبر الهاتف من حيث المراجعات لكي يبقوا في جوّ الدراسة.
 
 وفيما كان ظاهراً، من أسئلة الطلاب، أنّ هناك نقصاً في بعض المعارف التي تحتاج إلى شرح إضافي، شعرت سوسن تجاه هذا الأمر بمسؤولية كبرى، لعدم ضياع هذه المعرفة على هؤلاء التلاميذ، واقترحت حينها عليهم أن يأتوها إلى المنزل لمراجعة هذه الفجوات. وما كان منها إلّا أن أرسلت على مجموعه "الواتساب" الخاصة بأهالي تلاميذ صفوفها، لتسألهم إن كانوا لا يمانعون إرسال أولادهم لإكمال دراستهم. وما كان من الأهالي إلّا أن رحّبوا بهذه الفكرة وبقوة.
 
 
حينها، حوّلت سوسن بيتها إلى "مدرسة مجانية" تعلّم فيها طلابها من الصفّين السابع والثامن أساسي، وتحدّد لهم الأوقات التي يأتونها فيها. "بهذه الطريقة، يبقى الطلاب في جوّ المدرسة والدراسة لكونهم مجموعين مع زملائهم ويتلقّون الدرس كما لو كانوا في الصف"، تقول سوسن.
 
"ليس هدفي أيّ شيء مادّي أو معنوي، وإنّما هو بحت إنساني وأخلاقي تجاه تلامذتي، فأنا أشعر بهم وبمعاناتهم"، تروي سوسن. وتذكر أنه عندما كان التدريس عن بُعد، كان هناك تلاميذ، وبسبب أوضاعهم المادّية الضيّقة، يأتونها إلى المنزل وينتظرون أمامه دون دخوله، لكي يشبكوا حواسيبهم بالإنترنت، ما يدلّ على اندفاعهم تجاه الدراسة، "وأنا أقيس حالة الإضراب على أولادي، إذ لديّ ابنة من عمر تلاميذي، وسأكون منزعجة جداً إذا انقطعوا عن الدراسة". 
 
وبينما تعلّم سوسن تلاميذها اللغة الإنكليزية فقط، صنعت مبادرتها عدوى إيجابية، وجعلت من معلّمتي اللغة العربية والرياضيات، تحذوان حذوها. وبات التلاميذ يأتونهما إلى منزلهما أيضاً، بالتنسيق بين المعلمات الثلاث حول التوقيت وأيام الدروس. بذلك، يحظى التلاميذ بالمواد الأساسية ولا يُحرَمون منها.
 
ونظراً لأنّ هذه الصفوف ضعيفة باللغة لأنها درست عن بُعد في السنتين الماضيتين بسبب ظروف انتشار كورونا، "كان واجباً أن نعيدهم وألّا نقطع عنهم التعليم أبداً"، توضح سوسن. وبذلك، لا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يكون هؤلاء التلاميذ كبش محرقة بين الأساتذة والدولة. لا بل إنّ سوسن ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، وفضّلت إعطاءهم هذه الصفوف مجّاناً وعدم التفريط في حقوقها مع الدولة في آن واحد. وكان موقف الأهالي لافتاً، إذ أثنوا على مبادرة سوسن، و"هم سعداء جداً بهذه الخطوة وممتنّون لأنّ أولادهم لم ينقطعوا عن الدراسة مهما كان عدد الساعات".
 
وعن الأمور اللوجستية لـ"المدرسة المنزلية"، توضح سوسن أنّها لا تكلّفها شيئاً من الناحية المادية. أمّا من ناحية كونها متزوّجة ولديها أولاد، فهي تنسّق أوقات الصفوف قبل الظهر في وقت يكون فيه زوجها في العمل وأولادها في الجامعة والمدرسة.
 
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم