الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"كان يا مكان"... قصّة حبّ وحرب يرويها أبناء باب التبّانة وجبل محسن بقطعٍ فنّية

المصدر: النهار
فرح نصور
من معرض "كان يا مكان" (تصوير حسام شبارو)
من معرض "كان يا مكان" (تصوير حسام شبارو)
A+ A-
 
الشباب "الأعداء" السابقون من جبل محسن وباب التبانة، أصبحوا اليوم مصمّمين ومنتِجين يعملون يداً بيد. تركوا المعارك في أذهان أصحاب المحاور، وحوّلوا، عبر تصاميمهم، الحرب إلى سلام وفنّ. "كان يا مكان"، هو قصّة الحبّ والحرب، والأمل والبدايات الجديدة، وهي عنوان لقصّة في موسم الأعياد. 
 
في العام نفسه الذي تمّت فيه المصالحة بين أبناء جبل محسن وباب التبانة، 2014، أطلقت منظمة "march" غير الحكومية مبادرات منها مبادرة "كان يا مكان"، لتأهيل شباب المنطقتين وتدريبهم وتعليمهم والجمع في ما بينهم. 
 
اليوم، شباب "كان يا مكان" يصمّمون قطعاً فنيّة يعرضونها عرضاً دائماً في منطقة الجمّيزة في العقار 392393/ رميل، وما ميّز المعرض خلال موسم عيد الميلاد، أنّه وسّع مجاله وتفرّد بتصاميمه، وأطلق خطّ الألبسة الخاصّة بـ"كان يا مكان". وينتج المصمّمون قطعاً فنيّة من أثاث المنزل المطرَّز والملوَّن بتصاميم فريدة، إلى جانب المؤونة والألبسة.
 
تصوير حسام شبارو

ماذا تعني "كان يا مكان" للشباب المصمّمين؟ وكيف طووا صفحة المعارك عبر الفنّ؟

تعلّمت مريم التصميم في "كان يا مكان"، وطوّرت مهاراتها في هذا المجال خلال 4 أشهر، لتبدأ بتصميم الأثاث والملابس والتطريز، هي وأصدقاؤها الشباب والصبايا في الجمعية. 
 
ابنة جبل محسن تروي لـ"النهار" أنّ "كان يا مكان تعني الكثير، وأثرها كبير جدّاً في حياتنا، فهذا المشروع حوّلنا من المعارك إلى شباب منتجين، فهو ليس مجرّد كلمة، هو تاريخنا وحكايتنا كشباب من باب التبانة وجبل محسن، عاشوا المعارك لكن رفضوها". ومع برنامج كهذا، تقول مريم "إنّنا نختم مرحلة المعارك، ولم يعد أبداً وارداً خيار الحرب مع أشخاصٍ تعايشنا معهم، فانخراطنا بين أولاد باب التبانة، جعلنا نجدهم أشخاصاً مثلنا ودودين وأصبحنا أصدقاء مقرّبين". 

من خلال تجربتها وتجربة الآخرين، تؤكّد مريم أنّ أهالي معظم الشباب في هذه الجمعية رفضوا أن ينضمّ أولادهم إليها لمعرفتهم أنّ أولاد المنطقة الأخرى سيكونون فيها. أمّا الآن، فتشجّعوا جدّاً بسبب حديثنا عن تجربتنا الإيجابيّة. 
 
تصوير حسام شبارو
 
 

حسّان (اسم مستعار)، انضمّ إلى "كان يا مكان" لأسباب مادّية. هو ابن باب التبانة وكان سجيناً محكوماً بتُهم الإرهاب. ولدى خروجه من السجن لم يجد عملاً ولم يكن يمتلك أيّ صنعة. وجد صعوبة في إيجاد عمل بسبب عدم امتلاكه سجلّاً عدليّاً "لا حكم عليه"، وكانت الجمعية ملاذه.

رغم خروجه من السجن عام 2018، أي بعد مرور 4 سنين على المصالحة بين جبل محسن وباب التبانة، "كنت أرفض في بادئ الأمر الانضمام إلى هذه الجمعية بسبب عدم رغبتي في الاختلاط بأهل جبل محسن، لأنّهم من غير طائفتي، وبسبب الاشتباكات التي راح على أثرها ضحايا كثيرون "فالكبار أكلوا والصغار دفعوا الثمن في هذه المعارك"، يفيد حسّان لـ"النهار". لكنّ الحاجة كانت أقوى منه، وقرّر التجربة في المرحلة الأولى. 
 
لدى تجربته، وجد إيجابيات عديدة أولاها طيبة أبناء جبل محسن "الذين لطالما كنّا أعداءً معهم، وكذلك المردود المادّي وصنعة تعلّمتها، وغيّرت فكرتي عن أبناء منطقتي طرابلس". 
 
حاليّاً ينتج حسّان القمصان وينخرط في الموضة، وأصبح يمتلك صنعة، و"صرت أعرف الحياة كما يجب أن أعرفها، ورسالتي عبر "كان يا مكان" هي أن يركّز المرء في عمله ويبدع، فالمعارك والحروب هي من صُنع الكبار".
 
تصوير حسام شبارو
 
كان محمود، ابن جبل محسن، عاطلاً من العمل، ويجول في الشوارع، و"لم أرد أن أمدّ يدي إلى الحرام، لذلك انضممت إلى الجمعية"، هذا ما يورده لـ"النهار". ابن الـ26 عاماً، يجيد عمل الـ"بار تندر"، وطوّر مهاراته فيها في الجمعية وتعلّم إنتاج المؤونة والخبز وبعض المأكولات، إلى جانب اللغة الإنجليزية. 

"هذه هويّتي وهويّة جميع الشباب لكنّ الحرب طمستها، إذ يجب علينا أن ننفتح ونرى كيف يعيش الناس لكي نعيش"، يفيد محمود. لم يكن يتقبّل في بادئ الأمر أن يختلط بأشخاص من باب التبانة. وفي أوّل أيّام انضمامه إلى الجمعية، كان يجلس وحده. لكن بعد فترة "وجدت أنّهم يشبهونني".  

وكسر حاجز المعارك "بنبذِ عقلية المعارك في ذهني، فلدى حديثي معهم، وجدت أنّهم "آكلين الضرب مثلنا"، و"ما مرّ من معارك كان "ضحِكاً علينا"، فالوقت الذي راح من عمرنا ذهب دون رجعة"، وفق محمود. 

يسكن الشاب على خطّ التماس بين المنطقتين، وقد أُصيب في أحد الاشتباكات. وكان ذلك كفيلاً بأن ينزع فكرة نبذ الآخر من فكره، لذلك نوى فتح حياة جديدة عبر "كان يا مكان". وأهم رسالة يوصلها محمود هي "أنّنا جميعنا إخوة ولن ننجرّ إلى المعارك والحروب، وحوّلنا الحرب إلى سلام وحبّ، وهو شعارنا في هذا العيد". 
 
تصوير حسام شبارو
 
تخطّي الأسى يقتضي الحديث عنه وتحويله إلى قطعة فنّية

مبادرة "كان يا مكان" هي برامج إعادة تأهيل وانخراط، من خلال مشاريع تعليمية وتدريبية ومبادرات للاستدامة، هذا ما تؤكّده منسّقة برنامج "كان يا مكان"، ماريا راجحة، لـ"النهار". وتشرح أنّ الهدف من هذه المبادرة، ليس فقط إعادة تأهيل أثاثٍ متروك وصناعة الجديد منه، بل أيضاً لرواية قصص شباب وصبايا عبر هذا الفنّ والتعبير عن الحبّ وعن الحرب التي عاشوها، وهو تأكيد لنهاية هذه الحرب وبداية جديدة، فتخطّي الأسى يقتضي الحديث عنه وتحويله إلى قطعة فنّية". 
 
الموادّ الأوّلية التي يستخدمها الشباب لإنتاج الأثاث، هي أثاث قديم وبالٍ، ويدرّبهم مصمّمون لينتجوا بأنفسهم. وبرامج الاستدامة هذه، بحسب راجحة، تؤمّن فرص عمل للشباب، وتفتح لهم باباً لكسب العيش خارج هذا البرنامج، ولا سيّما في هذه الأزمة. 
وعن أسعار القطع الفنّية هذه، فهي بمتناول الجميع وفق راجحة، ومن دون أرباح. 
 
تصوير حسام شبارو
تصوير حسام شبارو
تصوير حسام شبارو
تصوير حسام شبارو
تصوير حسام شبارو
تصوير حسام شبارو
تصوير حسام شبارو
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم