الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

12 عاماً من العنف الزوجيّ… "القصة التي عشتها وحدي مع أولادي"

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
لوقف مسلسل العنف الزوجيّ (صورة تعبيرية)
لوقف مسلسل العنف الزوجيّ (صورة تعبيرية)
A+ A-
 لم تكن أم مصطفى (اسم مستعار) كما تُحب أن يُنادوها، تعرف أنها خلف أبواب منزلها الزوجي الذي كانت تحلم به وهي صغيرة ستكون على موعد مع وجه آخر وعنف وإهانات وشقاء طويل. كانت أحلامها وردية وكانت متمسّكة بها، لكن ما يظهر للعيان مختلف تماماً عما هو في الداخل، وما يجري داخل الجدران يبقى مخبّأً فيها ومستوراً عنها "كرامة القيل والقال".
 
دخلت أم مصطفى منزلهما الزوجي ولم تكن قد أتمت الـ19 عاماً، أحبته كما تقول لـ"النهار" ولم تكن تعرف أن زوجها الذي قررت أن تعيش معه العمر سيحوّل حياتها إلى جحيم، وأنها ستكون ضحية عنف زوجي لمدة 12 عاماً.
 
لم يكن عليها الانتظار كثيراً لترى وجه زوجها الآخر، فمنذ زواجها اكتشفت أنها تعيش مع حقيقتين: حقيقة الحب الذي شعرت به وحقيقة العنف الذي ينتظرها. لم يُخفِ زوجها الجانب المظلم والغامض من حياته، هو الذي كما تروي أم مصطفى "عاش طفولة قاسية وعنيفة يواصل حياته كما تربّى في طفولته، وهو يُربي أولاده بالطريقة التي عومل بها".
 
كانت أم مصطفى شابة صغيرة لا تعرف عن الزواج شيئاً، برأيها إنها "أمور تحدث وهذا أمر طبيعي نتيجة لحظة غضب أو استياء. كنتُ سعيدة معه ولم أفكر للحظة أنه سيكون معنّفي طوال هذه السنوات، وأنه سيكون مصدر خوفنا وقلقنا".
 
من العنف اللفظي والإهانات إلى العنف الجسدي، كان زوجها يواصل تعنيفه حتى أمام أنظار أولاده، "لم يأبه لشيء، فذكوريته في لحظات الغضب هي التي تسيطر على الجوّ، ولم أكن أفلت منه إلّا بعد أن يتعب فيتركني ويرحل من المنزل".
 
كانت أم مصطفى قادرة على أن تتحمل كل هذا العذاب بمفردها، لكنها لم تكن لتسمح بأن يمسّ أولادها، وهذا ما دفعها إلى التفكير جدياً في حلّ، فهي لن تسمح له بإيذائهم أكثر، خصوصاً بعد أن بدأ يعنّف أولاده أيضاً. تعترف بأنه "لم يكن يضربهم لكنه كان يحطّمهم ويرعبهم منه. لم يكن حنوناً عليهم وكان يكثر من الإهانات والصراخ، لقد كان مصدر خوف لهم وليس مصدر أمان. لقد كنا خائفين طوال الوقت ما دام في المنزل، كما لم يكن مسموحاً لنا الخروج أبداً، كنا كمن يعيش في سجن بيوميات قاسية ومرعبة".
 
 
لم تكن حياتها سهلة، وكما تشير "لقد عزلني عن العالم وكان ممنوعاً عليّ أن أرى أحداً. كنتُ أواصل المقاومة والصمود واعتبار أن ما نعيشه هو ما يعيشه معظم الأزواج داخل منازلهم، إلى أن بدأت أتعرف إلى نساء أخريات واكتشفت أن الحياة ليست كما نعيشها وأننا نعيش عنفاً متواصلاً وحرماناً قاسياً".
هكذا بدأت تعي أن العنف الزوجي ليس حالة طبيعية، وأن عليها أن تنتفض على الظلم الذي تعيشه كل يوم لأكثر من 12 عاماً. لكن ما جرى في عام 2016 كتب حياة جديدة لأم مصطفى. كيف؟
 
دخل زوجها السجن ثمّ هرب إلى خارج البلاد ، بقيت أم مصطفى مع أولادها الخمسة بمفردهم، كانت الحقيقة موحشة وقاسية هي التي لم تخرج من منزلها ولم تعمل قطّ في حياتها. لكن وضعها اليوم يختلف عمّا كان عليه سابقاً، وعليها أن تبحث عن عمل لإعالة أولادها والبدء من جديد.
 
هكذا قرّرت أم مصطفى أن تخرج إلى العالم من جديد، بعزم وقوة، ومن أجل أولادها حتى يعيشوا حياة سعيدة بعيداً عن الخوف واللا استقرار والقلق. وتصف تلك الانطلاقة بـ"الصعبة جداً، لم أعمل سابقاً ومع الوقت بدأت أثبت نفسي ووجودي. كنتُ سنداً وقوة لأولادي وهم كذلك، لقد أعطينا بعضنا القوة والدعم لاستكمال حياتنا من دون زوجي الذي لا نعرف عنه شيئاً منذ رحيله".
 
 
اليوم رأى أولاد أم مصطفى الدنيا على حقيقتها، وأن الأحلام يمكن أن تتحقق وأن الخوف يجب ألّا يكون رفيقهم الدائم. لقد بدأوا برؤية الوجه الآخر للحياة، والأهم استكمال دراستهم والعيش بسلام وفرح، بينما تسعى أم مصطفى إلى إنهاء معاملات الطلاق للحصول على حريتها.
 
أم مصطفى واحدة من عشرات النساء اللواتي يتعرّضن للعنف الزوجيّ، من دون القدرة على المواجهة أو الحدّ من هذا المسلسل المتواصل.
 
بلغت الجرائم التي رصدتها منظمة "كفى" عام 2022 حوالى 18 جريمة قتل (العنف الزوجي)، فيما سجّل عام 2023 ستّ جرائم قتل.
 
وأشارت المحامية ليلى عواضة في جمعية "كفى" في حديثها لـ"النهار" إلى أن "الصعوبات تختلف في قوانين الأحوال الشخصية بين امرأة وأخرى في ظلّ غياب وضع مشترك وقانون موحّد للأحوال الشخصية يحكم في هذا الموضوع. وبالتالي حتى القوانين الحالية تُميّز بين النساء، فهناك طوائف تكون تحديات المرأة فيها مادية لأن رسوم الدعاوى مرتفعة جداً، بينما هناك طوائف أخرى لا يمكن للمرأة أن تقدم دعوى لأنها محرومة من هذا الحق بما أن الطلاق في يد الرجل وحده.
 
لذلك نطالب اليوم بإقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية يساوي بين كل الناس، وتوحيد المعايير سواء بالرسوم والأحكام. هناك نساء محرومات من حضانة أولادهنّ لأنّ سنّ الحضانة في بعض الطوائف أدنى من طوائف أخرى، ونساء عاجزات عن الطلاق لأنهنّ ينتمين إلى طائفة غير مسموح فيها الطلاق، أو لأنّ رسوم الطلاق مرتفعة جداً.
 
 
مع العلم بأنّ هذه القوانين مخالفة للدستور اللبناني الذي ينص في مقدمته على "تكريس مبدأ المساواة في جميع المجالات وتكريس مبادئ حقوق الإنسان".
كذلك ترى عواضة أن "الحقوق مترابطة في ما بينها وعدم إقرار حق يؤثر على الحقوق الأخرى، وبالتالي إن لم يتحسن وضع النساء في الأحوال الشخصية ولم تصبح لديهنّ سلطة القرار في حياتهنّ الشخصية، لا يمكن أن نطلب منهنّ أن يكون لديهنّ سلطة في مركز القرار. علماً بأن الأساس يبدأ بالخاص إلى العام، ولذا يجب إعطاء المرأة الحق في الشراكة في السلطة الوالدية قبل أن نطلب منها الشراكة في الحياة العامة".
 
وفي ظلّ غياب الإحصاءات التي توثّق العنف في لبنان، تؤكّد عواضة أنّ الفرق اليوم هو في زيادة الوعي الاجتماعي للقوانين، وبدأنا نسمع أكثر بحالات العنف الزوجيّ وإبلاغ النساء عنها. ولقد نجحنا من خلال حملة تشريع حماية النساء من العنف الأسري منذ 6 سنوات في التوعية الاجتماعية والإعلامية قبل إقرار القانون 293، وربما هذا ما يجعل أيّ قضية عنف أسريّ تظهر إلى العلن ويُسلّط الضوء عليها.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم