الأربعاء - 01 أيار 2024

إعلان

اعتراض على مشروع "ساحة مار مخايل"... تطوير الأماكن العامة ضحيّة التجاذبات؟

المصدر: "النهار"
محمود فقيه
محمود فقيه mahmoudfaqih
جانب من تنفيذ المشروع (تصوير نبيل اسماعيل)
جانب من تنفيذ المشروع (تصوير نبيل اسماعيل)
A+ A-

تفتقر بيروت إلى المساحات العامة. غياب الإنماء في العاصمة حرمها المساحات الخضراء، هي الملاذ الآمن للمواطنين الهاربين من جدران منازلهم ولمن يرتاح على مقعد أو لشخصين يتبادلان الحديث.

لا يقتصر الأمر على الحدائق العامة بل حتى الأرصفة في بيروت باتت مسرحاً للآليات والتعديات، وحتى المباني الحديثة بدل أن تعطي من مساحة عقارها جزءاً للرصيف جعلت منه موقفاً لسيارات السكان.

في محلة مار مخايل، تلك المنطقة التي كانت في مرمى عصف تفجير مرفأ بيروت، يلاحظ المارة منذ أشهر أن هناك مشروعاً قيد الإنجاز. بدأ التنفيذ في شهر آذار بعد الاستحصال على رخصة من بلدية بيروت. ولكن بعد شهر من إطلاقه تعرّض المشروع لحالة اعتراضية. ماذا في التفاصيل؟ وماذا يقول المؤيدون والمعارضون؟

 
اعتراض حاصباني

يعيد النائب غسان حاصباني في حديثه لـ"النهار" عملية الاعتراض إلى هواجس الذين لمسوا تغيّراً في هوية المنطقة وحياتهم اليومية الأساسية.

يؤكد حاصباني أن القيّمين على مشروع "ساحة مار مخايل" لم يستمعوا أولاً لجمهور واسع بطريقة علنية قبل المباشرة بالتنفيذ وكان حريّاً بالمجلس البلدي أن يجري مسبقاً هذا الأمر ليأخذ في الاعتبار هواجس الناس المتأثرين بالمشروع خاصة سكان المنطقة.

ويضيف: "عندما باشروا التنفيذ بدأت تتكشف التبعات السلبية التي لم تؤخذ بالحسبان. ثانياً هناك خلل في دراسة أثر السير الذي اعتمد على دراسات قديمة أجريت عن بيروت كلها". 

يتحدث حاصباني عن معاناة سكان المحلة من الازدحام اليومي وما تسببه المطاعم والمقاهي من أثر سلبي بسبب تعديها على الأرصفة بطريقة عشوائية ودون مسوّغ قانوني واستعدادها لاحتلال أي رصيف جديد، لدرجة تجعل من أي اتساع لرصيف مشاعاً تسطو عليه المقاهي عبر كراسيّ وطاولات ما يعذر مرور الناس وخاصة في شوارع الجميزة ومار مخايل وباستور حديثاً.

ويتحدث عن "ممارسات مخلة بالأمن وحتى بالآداب العامة والأخلاق تشهدها أرصفة المنطقة في ساعات الليل المتأخرة من قبل مجموعات من أشخاص مشبوهين"، مذكراً باعتراض مطارنة بيروت حين تداعوا إلى مطرانية بيروت للموارنة مع نواب المدينة وحذروا من الوضع المتفلت في مار مخايل النهر والجميزة.

وينتقد حاصباني مشروع ساحة مار مخايل لكونه يسهم في ارتفاع حدة الازحام ويقلص مساحة الطرقات لصالح الأرصفة، ويرى أن مشروعاً حصل على تمويل مستقدم بسبب انفجار المرفأ وتداعياته وتحت عنوان تجميلي للمنطقة كان من الأولى به إعادة السكان وترميم منازلهم ومساعدتهم قبل المباشرة بهذا المخطط.

يثني نائب بيروت على تجاوب المحافظ مروان عبود وجهوده الرامية لتوفيق وجهات النظر، لكن القيّمين على المشروع حسب رأيهم مصرون على تنفيذه بأي طريقة وهذا ما أدى إلى امتعاض الأهالي الذين نزلوا إلى الشارع للاعتراض والاحتجاج.

منطلقاً من هواجس الناس، يطالب حاصباني بتعديلات على تصميم المشروع الذي لم يأخذ في الاعتبار البنى التحية لولا تحذير سكان المنطقة.

ويقول "نحن مع تطوير الأرصفة في كل بيروت على أن يكون الموضوع بطريقة مدروسة ومنظمة. يهمنا التنمية والتطوير المستدام في العاصمة على أن تكون هناك صيانة بعد الإنجاز وأن يحرص أي مشروع على إضافة مساحة خضراء، كما أن المشروع يضيف إلى الأرصفة والطرقات اسمنتاً وبلاطاً مختلفين عن البلاط الأصلي الموجود في بيروت ومخالفَين لروحيتها وأصالتها وتاريخها وحضارتها". ويتابع "هذه المؤسسات التي تدّعي التنظيم والاحترافية بالعمل تقوم مع بلدية بيروت بأعمال مغايرة لهذه المبادئ، وإن كانوا يريدون فعلاً التطوير اللازم فعليهم أن يقوموا بالعمل على أكمل وجه لا بأجزاء مبعثرة. هناك أناس اعتادوا أن يعترضوا ولكنهم غير معتادين أن يكونوا محط اعتراض على أدائهم وعليهم التعوّد على ذلك إذا أرادوا العمل في أمور تطويرية"، مؤكداً استمرار التعاون مع المحافظ بغية الوصول إلى حل للأزمة.

ويعدّد حاصباني مجموعة من المؤسسات المتأثرة سلباً من المشروع كمدرسة ثلاثة أقمار، مدرسة الفرير، مستشفى الوردية، مركز الصليب الأحمر، مدرسة الحكمة-العكاوي، مطرانيتَي الموارنة والروم الأرثوذوكس ووزارة الخارجية، مستشفى الروم وجامعة القديس جاورجيوس، معتبراً أن "هذا النوع من المشاريع  غالباً ما ينتهي بتهجير الناس من أماكنهم بدل تثبيتهم فيها".

وفي ما يخص المجلس البلدي يؤكد عدم توقيع أعضاء المجلس البلدي المحسوبين على القوات اللبنانية على المشروع ويسأل عن المشروع المخبأ في أدراج المجلس كي يكون الناس على بيّنة تجاه الأعضاء الذين وافقوا ووقعوا، سائلاً عن المداولات التي جرت والأسس والدراسات التي اعتُمدت قبل الموافقة ومنح الرخصة، مبرزاً مجموعات من العرائض التي قُدّمت للمحافظ.

 

المحافظ

يبدي محافظ بيروت مروان عبود أسفه لما آلت إليه الأمور، ويوضح أنه استضاف في مكتبه 8 اجتماعات بغية توفيق وجهات النظر بين الأطراف، و"كنت حريصاً على المحافظة على الفكرة، ولكن مع الأخذ في الاعتبار هواجس الأهالي".

ولا يحبّذ المحافظ في حديثه لـ"النهار" فرض أي مشروع على الناس بالقوة، بل يجب "أن يكونوا مقتنعين به". ويؤكد أنهم "كانوا قد توصّلوا إلى حل مشترك ويؤمّن التوازن بين الطرفين، لكن الحل اصطدم في اليوم الثاني باعتراض الأهالي، وهو ما وضع المشروع أمام حائط مسدود".

ورمى المحافظ الكرة في ملعب بلدية بيروت، وقال: "بما أن المجلس البلدي هو صاحب الصلاحيات الأساسية، وهو من أقرّ المشروع الأساسي، وبما أنه كان المسؤول عن استمزاج رأي الناس والتواصل معهم، أرسلت الاقتراح الذي توصّلنا إليه إلى مجلس بلدية بيروت، وهو أمام خيارين: إما التمسّك بالمشروع الأساسي أو اعتماد التعديل المرسل أو الاستماع الى الناس مرة أخرى للوصول إلى حل جديد".

وأضاف عبود: "المجلس البلدي هو الممثل للعاصمة، ويضمّ أعضاءً ممثلين للأحزاب السياسية والفعاليات"، مشدداً على "الاستمرار في الحوار بغية الوصول إلى حلّ". ودعا الأطراف إلى التفكير "بمنطقية ومحبّة من دون أحكام مسبقة كي يقدّموا شيئاً جميلاً لبيروت".

 

موقف البلدية

بدوره رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني وصف من اعترضوا على تنفيذ المشروع وحاولوا إيقافه بالقوة بـ"البلطجية".

وقال لـ"النهار" إن بلدية بيروت علمت بالإشكال عبر وسائل الإعلام، وأضاف: "لم نتسلم أي مكتوب اعتراض ولم نتلق أي اتصال ولا حتى دعوة لاجتماع نبحث فيه الإشكاليات". ويضيف: "قال لي المحافظ إنه سيحل الموضوع سياسياً لأن الأمر سياسي لذا ابتعدت عن الموضوع وخاصة لكوني لم أتسلم أي مراسلة".

وبرأي عيتاني فإن "الطريقة السليمة للاحتجاج هي أن تتواصل لجنة من الأهالي مع بلدية بيروت وتقدم كتاباً بموجبه يُعقد اجتماع لتبادل جميع وجهات النظر ولبحث الآليات الهندسية والتعديلات الممكنة، وإن لم يتم التوصل إلى نتيجة يُعرض المشروع مرة أخرى على المجلس البلدي أو يتم اللجوء إلى طرف ثالث كي يبدي رأيه هندسياً".

ويكشف عيتاني أن أعضاء المجلس البلدي الممثلين للأحزاب لم يعترضوا على المشروع ويقول: "كنا مستعدين للجلوس مع الناس كي نسمع رأيهم ونطلعهم على رأينا. نحن نتخذ القرار المناسب والتنفيذ يكون في عهدة محافظ العاصمة".

ويرد رئيس بلدية بيروت على من ينتقد المشروع لكونه استحصل على سبعة أصوات فقط بالقول: "الدكتور غسان حاصباني هو نائب في البرلمان والمفروض أنه على علم بالقانون الذي بموجبه يُبت أيّ موضوع ومهما كان العدد ما زالت الجلسة قانونية". ويتابع "لم يبلغنا أحد ما هو الاعتراض، ولم يتواصل معنا لا النائب حاصباني ولا شقيقه إيلي الذي نزل واعتدى على الناس".

ويضيف عيتاني: "نحن نحاول أن نخدم المنطقة بعد الانفجار ونهدف إلى تحسين الحياة في محلة مار مخايل والجميزة ونعيد إحياء المنطقة اقتصادياً، أنا لا ناقة لي ولا جمل، وبرأينا هذا المشروع صالح هندسياً وعلمياً". 

برأي عيتاني، لو كان هناك شخص واحد متضرر من المشروع لأعادوا النظر فيه وأعدنا دراسته هندسياً إلا أنه يعتبر ما يجري لا يعكس أي مستند علمي، مؤكداً أن ساحة مار مخايل ليست أول مشروع يُرفض في المنطقة، وأكثر المشاريع في المنطقة هي عرض للتناحر بين الأحزاب الموجودة التي غالباً ما تنجح في تعطيل المشاريع.

يعيد هذا الخلاف بين البلدية والمعترضين الذي يتواصلون مع المحافظ حصراً، إشكالية التضارب في الصلاحيات بين مجلس بلدية بيروت والمحافظ، ولعلّ هذا ما دفع  عيتاني إلى اعتبار أن هناك مع ينكر وجود المجلس البلدي اليوم.

 
المشروع في رؤية معدّيه

تفاصيل المشروع ترويها لـ"النهار" المهندسة سينتيا بو عون ومنسّقة البحوث في مختبر المدن في الجامعة الأميركية في بيروت. ويهدف المشروع بحسب بو عون إلى توسيع الأرصفة عند تقاطع الجميزة-مار مخايل نزولاً نحو درج غلام وتقاطع شارعي باستور وأرمينيا، ويشمل إضافة مقاعد خشبية على الأرصفة مع إنارة وأشجار.

بعد شهر من المباشرة في التنفيذ، تلقى القيّمون على المشرع اتصالاً يدعوهم للاجتماع بالنائب حاصباني الذي يعارض المشروع والذي أبدى انزعاجه من عدة أمور اثناء الاجتماع معهم.

 تحصر بو عون فئة المعترضين بأصحاب المحالّ التجارية لا السكان وذلك لأنهم خسروا مواقف سيارات بسبب إعادة توزيعها في المنطقة.

وتقول: "نتفهم اعتراض النائب حاصباني لكون يعتبر نفسه نائباً ومن فعاليات المنطقة ولكون المشروع يجري دون معرفته، مع العلم بأننا سلكنا المسار القانون وطرحنا الدراسة على المجلس البلدي الذي بدوره منحنا رخصة باشرنا بموجبها التنفيذ". وتتهم المعترضين على المشروع "باستخدام خطاب يرهّب من المساحات العامة بحجج غريبة كأن المقاعد هي عامل جذب للمتسوّلين ومتعاطي الممنوعات".

كذلك تبدي تفهّمها للمخاوف من احتلال المطاعم الأرصفة الجديدة كاشفة عن تعهد المحافظ بعدم إعطاء أي رخصة تسمح بذلك.

تعلق المهندسة بو عون على استدامة المشروع وصيانته بعد الإنجاز، وتعتبر أن هذه الذرائع خيالية شبيهة بالمخاوف من احتمال استخدام الارصفة بطريقة غير سليمة وتعدّي دراجات خدمات التواصيل عليها. وسألت: "كيف لمشروع يرمي إلى توسيع الأرصفة كي يسير الناس بسلام وسلاسة أكثر أن يؤدي إلى تغيير هوية المنطقة؟".

وأيّدت "غالبية" الناس المشروع، حسب قولها، وهم "يرون فيه ملاذاً في ظل غلاء وسائل النقل كي يتواصلوا مع جيرانهم. وتضيف: "تحدث النائب حاصباني أمامنا مراراً عن تقسيم بلدية بيروت وكأنه يصوّب على المشروع لأهداف سياسية. المفاجئ أنه بناءً على تمنّي المحافظ أبدينا كامل الاستعداد لأن تجري تعديلات على التصميم الأساسي للمشروع بشكل يبدّد مخاوف الناس بعد اجتماعات ثمانية جمعتنا بالمحافظ والنائب حاصباني ووافقنا على مضض على تقليص عدد المقاعد لكن اللافت هو أن النائب حاصباني كان يطالب بتوفير مواقف سيارات أمام محال معيّنة دون معرفة الأسباب".

لم يتوصل مختبر المدن في الجامعة الاميركية في بيروت (Beirut urban lab) مع نواب المنطقة الآخرين كي لا يُعطى المشروع بعداً سياسياً لكونه مشروعاً إنمائياً بامتياز، حسب تعبيرهم، وتركوا للمحافظ التواصل مع من يهمّه الأمر. وفي ما يخص تسمية المشروع، تلفت سينتيا بو عون إلى أن هناك اعتراضاً على التسمية لكون المنطقة هي الجميزة، وهناك من يطالبهم بتسمية المشروع بساحة مار مطانيوس بدل مار مخايل، مؤكدةً أن موضوع التسمية هو من اختصاص البلدية.

منذ آذار الماضي حتى اليوم تتفاعل مسألة مشروع ساحة مار مخايل، والبحث عن حل يرضي كافة الأطراف ما زال محصوراً بجهود المحافظ بينما تغيب بلدية بيروت عن الصورة لكونها لم تبلغ أي اعتراض حسب قول رئيسها، إلا أن النائب حاصباني ينفي ويؤكد امتعاض الأهالي وتقديمهم عريضة للبلدية، بينما يرى مختبر المدن  أن ذرائع عدة تخلو من المنطق، فيما تحرم منطقة بيروت من مشاريع بسبب تجاذبات بانت هذه المرة للعلن لكونها على أعين المارة وليست تحت الأرض أو في جرود القرى.

 

 فيديو يشرح المشروع:
 

 
الصور والفيديو بعدسة نبيل اسماعيل
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم