الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

الطرقات المظلمة تقتلنا... لا حلول قريبة والمسؤولون نيام

المصدر: "النهار"
ايسامار لطيف
ايسامار لطيف
الراحل طانيوس الخوري (تعبيرية- نبيل إسماعيل).
الراحل طانيوس الخوري (تعبيرية- نبيل إسماعيل).
A+ A-
فقد الشاب طانيوس الخوري (30 سنة) حياته على طريق حبوب-جبيل لسبب يجمع أهالي المنطقة على أنه متصل بغياب الإنارة وإشارات المرور. كان الخوري شاباً مفعماً بالحياة لكنه خسر حياته في غفلة، فلم تكتفِ دولتنا بالضغوط الاقتصادية والمعيشية التي تمارسها على شعبها، لتخطف منهم أرواحهم وأحبّاءهم "على عينك يا تاجر" نتيجة غياب الصيانة والافتقار إلى الإنارة على طرقات باتت تُعرف بـ"طرقات الموت". نرفع الصوت وننضمّ الى محبّي طانيوس وعائلته المفجوعة، للمطالبة بوضع حدّ للإهمال المتمادي الذي يودي بحياة لبنانيين ومقيمين في غير مكان وزمان. فما العوامل المؤثّرة بعيداً عن وضع الطرقات؟ وهل نشهد تغييراً قبيل الانتخابات النيابية؟

طريق الموت
يقول أبو سمير (جار الضحيّة طانيوس الخوري) إن "شبّاناً عديدين دفعوا حياتهم على هذه الطريق التي يصحّ إطلاق تسمية طريق الموت عليها. فمن نهر إبراهيم إلى جبيل، لا إضاءة ولا إشارات سير"، لافتاً إلى أنّه في "السنة الماضية خسرت جبيل أكثر من 5 شبّان نتيجة حوادث مماثلة في ظلّ غياب رقابة البلدية، واليوم مشكلة الكهرباء التي زادت الأمر سوءاً".

"الموت المتنقّل"
للأسف، تسرق الطرقات اللبنانية اليوم حياة الضحايا من دون سابق إنذار، وكأن أرواح السائقين أرخص من تكلفة صيانة الطرقات، في ظلّ غياب الدعم الماليّ من وزارة الأشغال، وتأخّر إقرار الموازنة، ليقع المواطن ضحيّة دولته مرّة أخرى.

ونتيجةً لتراكم الأزمات في البلاد منذ 30 عاماً، لم تحظَ السلامة المرورية على اهتمامات المسؤولين وسط عدم توفر الأموال المخصّصة لهذا الغرض، وإذا توفّرت، فحدّث ولا حرج، إذ بين تقاسم الأموال يخسر المواطن مرّة أخرى فرصته في الحياة أو قد يخسر أحد أحبّائه. موتٌ متنقّلٌ يُصادفنا على الطرقات جنوباً وشمالاً، إذ لا يمضي يوم واحد دون تسجيل 6 حوادث سير كحدّ أدنى وفقاً لإحصاءات غرفة التحكّم المروري.

"وضع مأساوي"... فهل تُصلح الانتخابات النيابية ما أفسده الإهمال؟
يؤكد النائب في تكتل "لبنان القويّ" سيمون أبي رميا لـ"النهار" أنّ "الوضع على طرقات جبيل مأساوي والبلديات على دراية بذلك"، موضحاً أنّه "أجرت إحدى الجامعات دراسة قبل سنتين تُظهر أنّ طرقات الشمال وخاصّة مدينة جبيل بحاجة إلى صيانة على مختلف الأصعدة"، لافتاً إلى أنّه "تمّ الاتفاق مع البنك الدولي لتمويل مشروع إعادة تأهيل الطرقات، وفعلاً بدأنا بنحو 14 قرية تقريباً بصيانة الطرقات وتركيب الإنارة".
أمّا عن حال الطرق في جبيل، فيقول: "بدأنا بمشاريع عدّة ولكن الأزمة الاقتصادية أرخت بثقلها وأجبرتنا على التوقف، مثلاً طريق القدّيس شربل تشهد حوادث عدّة يومياً، إلّا أنّه تمّ إيقاف مشروع تحسينها، كذلك، طريق عنايا-اللقلوق-العاقورة التي لم يكتمل المشروع فيها بعدما قرّر المتعهّد إيقاف العمل بسبب أزمة الدولار".

إلى ذلك، يوضح النائب الجُبيلي بصفته متابعاً لهذا الملفّ أنّه "إذا تأمّن التمويل فالبلديات جاهزة للبدء بعمليات الإصلاح، وكلّ ما يقال خارج هذا الإطار فهو مفبرك ولا أساس له، إذ إنّ القاصي والداني يعلمان أنّ البلديات لا تملك الأموال لذلك، ولا الوزارة ولا حتّى الجهات المانحة التي نتواصل معها دائماً، إذ كلّ المباحثات والاجتماعات قائمة للتوصّل إلى نتيجة في هذا الإطار، ولكن ما من نتيجة ملموسة حتّى الساعة"، مستبعداً أن "يتمّ إصلاح الطرق قبيل الانتخابات النيابية"، مشيراً إلى "حزنه لفقدان جبيل ابنها الشاب طانيوس الخوري الذي قضى قبل يومين بحادث مؤسف تاركاً وراءه عائلة وأطفالاً بحاجة إليه".

من جهته، يقول رئيس بلدية مشمش - جبيل سمعان ضومط الخوري حنّا لـ"النهار" إنّ "بلديته مدركة لواقع الطرقات المرير اليوم ولكن ثمّة أزمة راهنة تعوق الوصول إلى أيّ حلّ".

ويتحدّث عن قيام البلدية بتركيب حدود للطرقات منعاً من الانزلاق، و"محاولة تركيب الطاقة الشمسية في بعض المناطق بدلاً من الكهرباء على الأقلّ لضمان إنارة الطرق وخصوصاً في فصل الشتاء، كما نتواصل مع الجمعيات والمؤسّسات المعنية لمساعدتنا ولكن هذه الأمور تستغرق وقتاً طويلاً وما بأيدينا حيلة".

 لا حلول قريبة
من جهته، يرى الخبير في إدارة السلامة المرورية كامل إبراهيم أنّ "الوضع المأساوي في لبنان اليوم يعوق طرح أيّ حلّ، فلا الدولة قادرة على التمويل ولا المواطن"، موضحاً أنّ "نسبة حوادث السير المميتة تُعدّ مرتفعة مقارنة مع الواقع الحالي، وهي تتأثر بثلاثة عوامل: صيانة الطرقات، صيانة السيّارات وغياب الرادارات".

بالموازاة، يشدّد إبراهيم على أنّ "حوادث السير مؤخراً لا تحصل فقط بسبب وعورة الطرقات أو الإنارة فحسب، إذ إن المواطن اللبناني المثقل كاهله من الأزمة المعيشية والغلاء بات عاجزاً عن إصلاح سيّارته أو صيانتها بـ"الفرش دولار"، وهذا ممّا يؤدّي إلى ارتفاع نسبة الحوادث، ويجهله البعض، متناسياً أنّ السيارة عبارة عن حديد وقطع بحاجة إلى صيانه من حين إلى آخر".

وفي رأيه، "لا حلّ حالياً، فمثلاً إشارات المرور في بيروت تحتاج إلى صيانة، ووقعت حوادث عدّة بسبب هذا الأمر ولكن في المقابل لدينا أزمة فعلية على صعيد الدولة والتمويل، فلا التنظير ينفع ولا تقاذف الاتهامات في هذه الحالة".

نموذج جبيل في كل المناطق...
لا تتوقف المأساة في جبيل بل تمتدّ إلى كل شبر في لبنان طاله الإهمال المميت. في العاصمة بيروت، يؤكد مصدر في البلدية فضّل عدم الكشف عن اسمه أنّ "حوادث السير تُسجّل ارتفاعاً ملحوظاً وسط انعدام الإنارة على الطرقات خصوصاً في معظم شوارع بيروت الداخلية والأوتوستراد، إضافة إلى تعطّل إشارات المرور"، لافتاً إلى أنّ "صيانة الطرقات اليوم بالدولار "الفرش" حتماً، والبلدية تعمل على التواصل مع جهات خارجية وداخلية لتأمين المال اللازم حفاظاً على السلامة العامة".

يقول سعد حرفوش وهو شقيق الشابة ليال حرفوش التي قضت بحادث مأساوي عند تقاطع خبّاز في منطقة الجديدة، نتيجة غياب الإشارات المرورية في حديث لـ"النهار"، إنّ "ما يُحزن أكثر من موت أحبّائنا على طرقات وطنهم ومنازلهم التي من المفترض أن تكون آمنة، هو عدم اكتراث الجهات المعنية والبلديات للأمر وكأنّ كلّ الذين قضوا لا قيد لهم في دولتهم"، مضيفاً "في الأعياد أو عند استقبال المسؤولين تُصبح الأموال كالتراب في أيدي رؤساء البلديات، ولكن عند سؤالهم عن صيانة الإنارة أو وضع حواجز منعاً لتصادم السيارات، تتبخّر تلك النقود فجأة، يا لسخرية القضاء"!



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم