
عالم الفطر البري الواسع، خاص ومميز، والمعلومات عنه قليلة، البعض منه صالح للأكل والقسم الأكبر سام. في مثل هذا الموسم من كل عام تجمع العائلات في الريف العكاري الفطر البري من الطبيعة، لاعداده طبقاً مميزاً، من اطباق الموائد الريفية الشعبية الاقل كلفة والألذ والاطيب، على الرغم من المحاذير الكبرى والمخاطر غير المحسوبة بأن بعض الفطر سام وقد يتسبب بحالات وفاة.
إنها الخبرة المتوارثة أباً عن جد، في الريف العكاري، كما في العديد من الأرياف اللبنانية. فالفطر البري المشوي او المطبوخ او حساء الفطر، اطباق شهية وفوائدها الصحية كثيرة، لكن المعلومات العلمية عن الفطر البري، لجهة ايهما الصالح للاكل وايهما السام، شحيحة للغاية وانواع الفطر بالمئات. أشكال وأنواع والوان مختلفة تنبت في كل مكان في محافظة عكار التي تعتبر غاباتها مملكة الفطر، الذي هو بحد ذاته له خصوصية لكونه ليس نباتاً ولا حيواناً ولا يشبه اي كائن حي على ما تقول الباحثة بعلم الفطر ساندرا سليمان خريجة الجامعة اللبنانية وصاحبة الدراسة الثالثة عن الفطر على مستوى كل لبنان بعنوان "أنواع الفطر في ثلاثة أنظمة من الغابات في عكار(Mushroom diversity under three forest ecosystems in Akkar ).
Geastrum fimbriatum نجم الارض، تحت شجر العذر لا يؤكل

وتشير سليمان الى أن "للفطر خصائص تميزه عن باقي الكائنات الحية ان من حيث الشكل وإن من حيث طريقة التكاثر ونظامه الغذائي الخاص". ولفتت الى ان ما نشاهده على السطح هو ثمرة الفطر التي هي جزء من هذا الكائن الحي وهو العضو التناسلي الذي تظهره لتحقيق مهمته في التكاثر لشبكة تحت الارض متفرعة وكبيرة اسمها Mycelium. فظروف إنبات الفطر في لبنان تبدأ خلال فصل الخريف، بدءا من أول أيلول حتى بدء الثلوج وكذلك في فصل الربيع. من الظروف المناسبة للانبات مع بدء المطر أن تكون الارض رطبة والحرارة غير مرتفعة، فهذه العوامل تشكل دافعا لشبكة الفطر المنتشرة تحت الارض لتعطي الاوامر لإظهار عضوها التناسلي للتكاثر، لينشر غباره spores غير المرئي بالعين المجردة وهي بالملايين ومدة العيش من اسبوع الى اسبوعين لتكمل دورة نموها فوق الارض وتنثر غبارها التناسلي لتبقي على ديمومة استمرارها وتجدد نموها، إذ لا بذور للفطر.
أما الدافع الذي شجع سليمان لإتمام دراستها وبحثها عن الفطر في عكار، هو حالات التسمم التي كان يصاب بها البعض نتيجة تناولهم الفطر في عكار والذي يتسبب ايضا بحالات وفاة لدى البعض.
ولفتت الى ان "البحث كان صعباً للغاية نظراً لعدم وجود إلا دراستين سابقتين في لبنان:
الأولى للبروفسورين الفرنسيين Lyss and Ades عام 1957، تعرفا إلى 213 نوعا، والثانية لنادين معضاد من الجامعة الأميركية في العام 2006".
وأكدت أن "الفطر لا حدود له لكونه يمكن وجوده في اماكن مختلفة وغريبة، فهو كائن غريب ودراساته حول العالم ليست كافية بخلاف الدراسات عن النباتات والحيوانات التي هي أكثر بكثير. في لبنان نجد الفطر في الغابات وفي أماكن عدة ومختلفة تحت الشجر أو على اوراق الاشجار، على ضفاف الانهار وفي الحقول. ودراستي تركزت في ثلاث غابات اعالي عكار هي: تاشع وفنيدق وجرد القبيات. واهالي هذه المناطق يجمعون الفطر في مواسم ظهوره واعداده كطبق غذائي من دون أي دراية علمية ولكن وفق خبرات توارثوها مثال "ان الفطر الذي ينبت تحت هذه الاشجار بعينها مفيد للاكل، وهذا الامر غالباً ما تسبب بحالات تسمم لكون ليست كل انواع الفطر صالحة للاكل وبعضها سام وقد يتسبب بوفاة".
وتابعت: "لكن الثابت انه في هذه الغابات غالبية أنواع الفطر النابت فيها هو فطر سام وثمة صعوبة كبيرة جدا للتفريق بين ما هو مفيد وما هو سام. فالتعامل مع الفطر حساس ودقيق، لذا أنصح الجميع بعدم أكل الفطر البري ما لم نكن مؤكدين علمياً من سلامة هذا النوع".

أما من الناحية البيئية فتقول سليمان: "الفطر هام جدا للسلسلة الغذائية وللنظام البيئي الموجود فيه، فلديه 3 ادوار بحسب نوع الفطر واهم هذه الادوار: إن للفطر علاقة تبادلية تفاعلية Mutualistic، فهو يتعايش والمكان النابت فيه، نبات او شجر، كل يفيد الاخر. ذلك ان شبكة الفطر النامية تحت الارض تنقل فيتامينات ومغذيات لا توفرها المياه لجذور النباتات والاشجار، وتأخذ بالمقابل من هذه الجذور الغذاء الذي تحتاجه. والنوع الثاني هو saprophytic أو رمامي بحيث أن الفطر قد ينمو على جذوع واغصان الاشجار المقطوعة واليابسة ويكون دور هذا النوع من الفطر ان يتغذى من الاشجار اليابسة ويحللها ويستخدمها غذاء له. اما النوع الثالث من الفطر هو نوع سيئ ومؤذ ويطلق عليه اسم parasitic، يعتدي على كائنات اخرى يتغذى عليها ويقتلها وهناك انواع من الفطر ينمو في دماغ بعض انواع النمل ويتحكم بها ويتغذى عليها ويقتلها ويحقق تكاثره اثر سقوطه من جديد على نملة اخرى. وهذا النوع من الفطر غير متوافر كثيرا".
وشددت سليمان على أن "الفطر كائن حساس للغاية ويتأثر بأي عامل طارىء عليه، وهذا العام المناخ كان غير مؤات لإنبات الفطر نتيجة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة"، وقالت: "أتت الأيام الحارة والدافئة وأثرت على الموسم إلى حد كبير. فخلال اشهر أيلول وتشرين الأول وتشرين الثاني كنا نلاحظ مئات الأنواع من الفطر، ولكن في هذا الموسم لم نتمكن من العثور الا على 10 أنواع فقط. وانصح الناس التي تعمد الى جمع الفطر التي تعتقد بانه صالح للاكل، الانتباه كثيرا لجهة التأكد من صلاحية بعض الأنواع للأكل. واتمنى عليهم عدم الافراط في قطف كل الثمار للسماح لثمار الفطر بانجاز مهمتها في تحقيق دورة نمو جديدة للشبكات الموجودة تحت الارض على مدار السنة التي، وإن لم تنبت فطرها نتيجة العوامل المناخية، الا انها مستعدة لإنبات الفطر فور توافر المناخات الملائمة للمحافظة على ديمومة بقائها للمواسم والسنوات المتتالية".
إشارة إلى أن المجالس والمجموعات البيئية في عكار بدأت تعطي الفطر أهمية خاصة لدراسته، شأنه شأن كل المكونات الاساسية التي تغني وتميز طبيعة المحافظة، وبخاصة في مناطق الغابات.
وفي هذا السياق، يقول رئيس مجلس البيئة في القبيات الدكتور أنطوان ضاهر: "إننا نسعى منذ أعوام إلى زيادة معلوماتنا في ما يخص الفطر وأنواعه ودوره المهم في التوازن الايكولوجي ومكانته الغذائية وأيضاً خطورته من الناحية الصحية. ونحن نقوم بدورات تثقيفية على الموضوع، ميدانية ونظرية، مع اختصاصية الفطر وعضو مجلس البيئة ساندرا سليمان. كما يدخل موضوع الفطر عندنا ضمن دورة تدوم سنة، عنوانها "الغذاء من الطبيعة".
أنواع الفطر:
Coprinus micaceus
على كعب شجرة عذر مقطوعة
لا يؤكل
على كعب شجرة عذر مقطوعة
لا يؤكل

Helvella lacunosa
تحت شجر الشوح
لا يؤكل
تحت شجر الشوح
لا يؤكل

Pleurotus ostreatus
على شجرة الحور قديمة...صالح للاكل
على شجرة الحور قديمة...صالح للاكل

Lepiota sp.
تحت شجر العذر
تحت شجر العذر

Mycena seyniiفطر نابت على كوز الصنوبر

الأكثر قراءة
العالم العربي
10/17/2025 6:20:00 AM
"وقهوة كوكبها يزهرُ … يَسطَعُ مِنها المِسكُ والعَنبرُوردية يحثها شادنٌ … كأنّها مِنْ خَدهِ تعصرُ"
ثقافة
10/17/2025 6:22:00 AM
ذلك الفنجان الصغير، الذي لا يتعدّى حجمه 200 ملليليتر، يحمل في طيّاته معاني تفوق حجمه بكثير
ثقافة
10/17/2025 6:23:00 AM
القهوة حكايةُ هويةٍ وذاكرةٍ وثقافةٍ عريقةٍ عبرت من مجالس القبائل إلى مقاهي المدن، حاملةً معها رمزية الكرم والهيبة، ونكهة التاريخ.
ثقافة
10/17/2025 6:18:00 AM
من طقوس الصوفيّة في اليمن إلى صالونات أوروبا الفكرية ومقاهي بيروت، شكّلت القهوة مساراً حضارياً رافق نشوء الوعي الاجتماعي والثقافي في العالم.