الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

رجال يحاصرون نساءً في بيروت... عدم الرضوخ للتروما ضروريّ

المصدر: "النهار"
ديانا سكيني
ديانا سكيني
لحظة دخول الناشطات الى الآلية العسكرية. (حسن عسل)
لحظة دخول الناشطات الى الآلية العسكرية. (حسن عسل)
A+ A-
مرت واقعة السبت في وسط بيروت من دون أن تثيرَ الحد الأدنى من ردود الفعل المنتفضة على مشهد استباحة الناس أمام عيون الأمن. على مدى ساعات، استمر عرضٌ سورياليٌ بات واقعياً بامتياز مع الاستيعاب البطيء لمعنى هذه الأحداث العميق، وما يؤسّس له.
 
بعلم من الأمن، اتّجهت مجموعات من الشبان والرجال إلى وسط بيروت للانقضاض على متظاهرين سلميين يمثّلون 30 منظمة ومجموعة، في تحرك واضح العناوين ويُطالب بحماية الحريات الفردية والمجتمعية، وبوقف الاستدعاءات التعسّفية وصون التنوّع الثقافي.
 
كانت الاتصالات تنهال من المتظاهرين المحاصرين الذين ضُربوا وشُتموا وطوردوا في الشوارع أمام العدسات، ولم يتمّ التمييز بين "أنثى وذكر". أصوات سيّدات أصبْن بتروما من التهديد المباشر لحيواتهن يجري تناقلها في تسجيلات عبر مجموعات "واتساب": "نحن موجودات في آلية عسكرية، والمعتدون يحاصروننا ويطرقون عليها بقوة ويحاولون الاعتداء علينا". بكاء وصراخ، "رجال" يحاصرون نساءً! والأمن يقول إن الآليات ستتحرك، والجيش يستقدم تعزيزات، غير أن الحركة الأمنية بدت بطيئة بما يكفي من الوقت لإيصال الرسائل المقصودة وغير المقصودة ربما؛ ولعلّ أبرزها أنه بات في إمكان من يعطي أذونات للتجمعات المحاججة أمام السفارات الأجنبية، باعتداءات مماثلة وذريعة حماية المحتجين، لمنح الإذن أو حجبه. ولكن مهلاً! أيّ تظاهرة ستُمنع مستقبلاً؟ تظاهرة تحمل شعار حماية الحريات ومناهضة القمع الفكري والسياسي وزجّ الناس في السجن بسبب نكتة؟
 
وثّقت فيديوات عند جسر "سليم سلام" رجل أمن وحيداً يحاول إقناع أصحاب الدراجات النارية بعدم التوجه إلى وسط بيروت ومواجهة المتظاهرين، لكن الرجل لم يقوَ، "لفة وحدة يا وطن وحياتك بس منوصل رسالة". قبّل أحدهم رأسه، وأكملوا طريقهم نحو "الفتح المبين"، مواكَبين بالبثّ المباشر، وربط القنوات بين مجموعة "أبو بكر" في بيروت و"جنود الفيحاء" في طرابلس، ومنهم من كان يُمنّي النفس بالوصول إلى وسط المدينة لولا المسافات الطويلة وثمن البنزين!
 
 
وعلى السوشال ميديا، بدت الجيوش الإلكترونية أشبه بالجماهير التي تملأ المدرجات في العصور الوسطى للتصفيق والابتهاج والاعتبار من "الاقتصاص من المجرمين ومن يُحكم عليهم بالردّة!".
 
لا مبالغة في استعادة تشبيه العصور الوسطى وأسلوب "داعش": حشد غفير من الرجال الذين يسعون إلى الوصول إلى سيّدات مختبئات في عربة، بهدف الضرب وربما الرجم! هذه بيروت في عام 2023، المدينة المتوسطية المتنورة، ويحدث أن تحتضن ساحة "رياض الصلح"، رجل الاستقلال، هذا المشهد المقذع الذي جرى تنظيمه باسم "مناصرة العائلة والدفاع عنها" ومواجهة "ثقافة المثليين"، علماً بأن دعوة "مسيرة الحريات" لم تشتمل على أي عنوان مباشر يتعلق بمجتمع "الميم عين"، وإن كان ناشطون من المنظمين لا يخفون بطبيعة ثقافتهم الحقوقية احترام خيارات الأفراد، ويرفضون تجريم هذه الفئة والاعتداء عليها. وهي الفئة الموجودة منذ عقود في البلاد، ولا يمكن وضع تكبير مسألتها من قبل أطراف سياسية ودينية إلا بصياغة مشترك وهمي بينها، وإلهاء الناس عن همومهم المعيشية ومآزق الطبقة السياسية. فأين الخطوات العملية لفرض المثلية على المجتمع؟ في كتاب ألعاب ألغاه وزير التربية بسبب ألوانه؟ أم في اقتراح قانون وقّعه ثمانية نواب لا يقوون على فرض نقاشه في لجنة؟!
 
في أبعاد ما جرى، شيطنة مستمرة لفئة تدافع عن الحقوق والحريات بمعزل عن لعبة أحزاب السلطة التقليدية، وهي كانت مشاركة في تحرّكات تغييرية شهدتها البلاد. وإذ تلتقي هذه الأجندة الحقوقية مع مموّلي بعض الجمعيات، يتناسى البعض أن الدخل الذي يتقاضاه بضع مئات من العاملين في الجمعيات أعال عائلات لبنانية أنهكها الانهيار. أمّا هذه الثقافة بمعناها الجوهري فهي أرحب من عدد قليل من الجمعيات، وتتعلّق بلبنان ورسالته واحترامه المواثيق الدولية، وترتبط مفاهيمها بشخصيات فكرية مؤثرة في تاريخه.
 
غطت الدماء وجه متظاهر جرى التنكيل به أمام العدسات، وعلى مرأى من الأمن. وخلال وجوده في المستشفى، كان همّه ألا تنتشر صوره في وسائل الإعلام، لأنه يدرك أنه لن يستطيع السير في شوارع بيروت مجدداً. وعلى حساباتها، نشرت الناشطة حياة مرشاد رسالة تعلن فيها تعليق نشاطها في مواقع التواصل موقتاً بعد إصابتها بتروما جراء ما تعرّضت له من اعتداءات جسدية ولفظية. وقد حوصرت الأم لولدين مع مجموعة سيّدات في الآلية العسكرية التي كاد ينقطع فيها الأوكسيجين بسبب عدم القدرة على فتح الباب أو النافذة خوفاً من المعتدين. أمام هذا الانكفاء، تخرج إدانات معدودة خجولة، ولا يُسمع لسياسيين ومسؤولين وأمنيين وقضاة صوت. لا يوقف معتدٍ ولا يفتح تحقيق. وتشَنّ حملة إلكترونية على النائب إبراهيم منيمنة تصفه بـ"نائب الشذوذ" لمساهمته بمحاولة إخراج متظاهرين بسيارته.
 
يجري الانقضاض على فئة سلمية لا تحمل سلاحاً للدفاع عن أنفسها وأفكارها، ويتمدّد نفوذ الأقوياء المسلّحين الذين يقبضون على لبنان وهوائه. منطقٌ يراد تكريسه، والأجدى ألا تطول التروما، وألا يُرضخ للاستكانة بفعل الاستباحة. يجب وضع كلّ المجاهرين بالدفاع عن الحريات حتى من القوى التقليدية أمام مسؤولياتهم، والعمل بالتقاطعات الضرورية للردّ على رسالة السبت الفائت، عبر تنظيم احتجاج جديد، وتأطير العمل المشترك بشكل أكثر تأثيراً وتنظيماً.
 
كانت أحلام ناشطين تتمثّل في العمل لتغيير الطبقة السياسية، فباتت أولوية بعضهم السير في شوارع بيروت من دون التعرّض لاعتداء!
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم