شعارات الانتخابات تملأ الطرق... الإنفاق بـ"الفريش"، حصّة وازنة لـ"القوّات"، و"التيار" يشكو نقص التمويل! (صور)
تراجع الإنفاق الإعلانيّ في لبنان بشكل ملحوظ خلال الاستحقاق الانتخابيّ لهذا العام، وذلك بفعل الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة ووباء كورونا، فعلى الرغم من الحملات الانتخابيّة وصور المرشّحين التي "غزت" الطرق من الشمال حتّى الجنوب، يرى الخبراء أنّ الإنفاق لهذه الدورة "خجول" مقارنةً بدورات سابقة.
لا شكّ في أنّ الهدف الأساسيّ من أيّ حملة انتخابيّة هو استمالة الناخب وشدّ العصب الشعبيّ، إن كان على الصعيد الطائفيّ أو المناطقيّ، وهذا ما تميّزت به الحملات لهذا العام، وسط توقّعات بأن ترتفع وتيرة الخطاب الانتخابيّ وحدته حتّى موعد الاستحقاق في 15 أيار.
من الشمال إلى الجنوب، يساراً ويميناً، ملأت صور المرشّحين وحملاتهم الطرق الرئيسية والفرعية والعين الانتخابيّة على صناديق الاقتراع في أيّار وعلى الناخب الفاقد ثقته بالسلطة وحاكميها. أمّا من لا يملك المال الوفير أو التمويل الخارجيّ، فكان "يتيماً" لجهة الإعلانات التي لا يتحمّل نفقتها بالدولار "الفريش"، إلّا القوى السياسيّة الحاكمة والرئيسية، في حين أن المستقلّين والمجتمع المدنيّ يُعانون من تفاوت في القدرات وسط غياب الرقابة الإعلاميّة والإعلانيّة، ممّا يجعل من الطرق والمنابر التلفزيونيّة حكراً الى حد ما على من يملك المال والنفوذ وحسب.
كان لحزب "القوّات اللبنانيّة" هذه الدورة حصّة وازنة طاغية، إذ تصدّرت لوائحه من حيث عدد اللافتات الإعلانيّة وتنوّع الرسائل.
وتشرح مديرة الشركة الإعلانيّة المسؤولة عن الحملة القواتيّة "فورس ماجور"، سارة عسّاف، في حديث لـ"النهار" أنّ "الفكرة الأساسيّة كانت جذب انتباه الشعب بمختلف أطيافه وهذا ما حدث. فالحملة انتشرت على نطاق واسع لأنّها حقيقيّة ونابعة من رحم معاناة شعب مثقل كاهله من أكاذيب السلطة ووعودها الفارغة، لذا قرّرنا تجسيد هذه الفكرة على أرض الواقع ولاسيّما أنّ الناس لم تعد ينطوي عليها هذه الشعارات الشعبويّة والفضفاضة".
وتُضيف عسّاف: "عرضنا على رئيس الحزب سمير جعجع أفكاراً عديدة، ولكنّه اختار العبارات الأقرب إلى لغة الشارع اللبنانيّ، والتي لطالما حاربتها القوّات. فاليوم ينقسم الشارع إلى قسمين، الأحزاب السياسيّة والثورة، والشارع الأخير الذي يشمل المجتمع المدنيّ، يرغب في التغيير ويسعى في سبيله ولكنّه لا يستطيع، فيما القوى السياسيّة تستطيع ولكنّها لا ترغب لغاية في نفس يعقوب".
"فيه يلّي بدّو وما فيه، في يلّي فيه وما بدّو"، "نحنا بدنا وفينا"، "نحنا فينا نضوّي البلد"، "نحنا فينا نعيد الثقة"، "نحنا فينا ما نرضخ للسلاح"... شعارات انتخابيّة أطلقتها "القوّات" في إطار حملتها، وتصدّرت بها "الترند" عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ أيضاً. وتُشدّد عسّاف هنا على أنّهم "عملوا بجهد على إظهار الحزب بصورته الحقيقيّة المتجرّدة بعيداً عن الشعبويّة، على عكس باقي الأحزب مثل "التيّار الوطنيّ الحرّ" مثلاً الذي تلطّى خلف اللون الكحليّ في دعايته خوفاً من ردود الفعل الشعبيّة ضدّه، التي هي، نوعاً ما، واضحة وظاهرة للعلن على أيّ حال".
أمّا عن اختيار اللون الأحمر، فتوضح المديرة المسؤولة أنّ "هذا اللون اشتُهر به حزب "القوّات" منذ سنوات عدّة، وكان من الصعب الاستغناء عنه، انطلاقاً من شعارنا "الأرزة خطّ أحمر" وغيرها من الشعارات القواتيّة العديدة، فلبنان اليوم خطّ أحمر، وحزب "القوّات" كذلك، لأنّه آخر ما بقي من قوى 14 آذار في مواجهة فرديّة مع الطبقة المنحازة والحاكمة التي خرّبت البلد".
وتقول عساف: "في 25 نيسان ستُطلق "القوّات" الماكينة الانتخابيّة كاملة، وسيكون هنالك خطاب لرئيسها سمير جعجع، حيث ستستوحي الحملة شعاراتها من تصريحات سيُطلقها جعجع، فيما نطلق الحملة بالتدريج لا دفعة واحدة".
وقد قام قسم التصميم في الوحدة والمناطق في الحزب بالعمل على الشعار بطريقة تحاكي الهويّة العامّة للحزب من حيث اللون الأصفر والكتابة التي ظهرت بالأخضر. ومن جهته، شدّد الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرلله على الموضوع من ناحية الحماية والبناء، وقدّم مصطلح "باقون"، في إشارة إلى بقاء "المقاومة الإسلاميّة واستمرارها في حماية أهلها في الوطن على امتداد أراضيه"، وفق رؤية الحزب.
"الاشتراكيّ" وصوت العقل
تراجع أسعار المساحات الإعلانيّة وعجز تمويليّ
شهدت أسعار المساحات الإعلانيّة تراجعاً ملحوظاً مقارنة بدورة انتخابات عام 2018. واعتبر مدير قسم الإبداع في شركة "فينومينا" سامي صعب في حديث لـ"النهار" أنّ "الإعلانات للحملات الانتخابيّة جاءت متأخّرة لهذه الدورة أصلاً وذلك لأسباب عدّة، نذكر في طليعتها أنّ معظم المرشّحين هم من الطبقة الحاكمة التي تشهد نقمة شعبية كبيرة، وبالتالي لم يستثمروا أموالهم في الحملات المعتادة تفادياً للغضب الشعبيّ، ولاسيّما بعد تفجير الرابع من آب، والسبب الثاني هو عجز المرشّحين المستقلّين عن تأمين مال انتخابيّ ليُنفق أساساً على الإعلانات التي ارتفعت أسعارها كثيراً بعدما كانت قد عدت كلّ من "كلّنا إرادة" و"نحنا وطن" بتقديم أسعار مناسبة لذوي الدخل المحدود". ورأى أنّنا "نواجه مشكلة أساسيّة على صعيد المحتوى في الإعلانات حيث ليست كلّ الأفكار واضحة، كما أنّ معظمها خارج عن السياق الانتخابيّ ويقوم على كيديّات سياسيّة كنّا نأمل بالتخلّص منها".
أمّا في ظلّ تعدّد الشعارات الحزبيّة التي تمحورت حول عبارات أو مواقف أُطلقت سابقاً للمرشّحين، فرأى صعب أنّ "من المؤسف التعامل بهذه الصيغة بعد ثورة 17 تشرين الأوّل وبعد تفجير مرفأ بيروت، حيث كان من المفترض أن يتوحّد الشارع في وجه السلطة الموحّدة أساساً من جهة الفساد والحكم، ولكن للأسف هذا لم يحصل، لا بل انقسمت الثورة وتصرّفت بطريقة غير ناضجة، فلم يأخذها أحد على محمل الجدّ، وهذا ما أضعف موقفنا مع أنّنا كنّا نمتلك فرصة تاريخيّة وذهبيّة للتغيير".
"بيروت بدّا قلب"، عنوان حملة لائحة فؤاد المخزومي الموجّهة إلى البيارتة عموماً. يقول مصمّم الحملة سامي صعب لـ"النهار" أنها "تهدف للتوجّه إلى البيروتيّين الذين لا تتعدّى نسبة اقتراعهم عادةً الـ 35 في المئة، ضمن رسالة واضحة تؤكّد حاجة بيروت المكسورة والجريحة إليهم".
"كيف يوظّف المال الانتخابيّ؟ ومن المستفيد الأوّل؟"... تراود هذه الأسئلة القسم الأكبر من الشعب، فالمتعارف عليه أنّ الانتخابات موسم "دسم" لكسب الأموال وأصوات الناخبين في آن واحد. ويشرح صعب أنّ "المال يُضخّ في الإعلانات المباشرة وغير المباشرة، حيث ترتفع نسبة المال الذي يُنفق عبر مختلف وسائل الإعلام بنسبة تزيد عن ثلاثة أضعاف عن الأيّام العاديّة، فتُصبح المعادلة أقرب إلى السوق السوداء".
ماذا عن الإنفاق الإعلانيّ وسط جنون الدولار؟!
بعيداً عن القوانين والمقرّرات العشوائيّة التي تُطلق اليوم، والتي نعرف جليّاً أنّها لم ولن تُطبّق، يبقى السؤال الأبرز هو تكلفة التغطيات الانتخابيّة لكلّ لائحة؟ وعلى أيّ سعر صرف تُحتسب؟
في الواقع، لا تزال صيغة الإنفاق ضبابيّة حتّى اللحظة، فالقانون حدّد سقفاً إنفاقيّاً معيّناً لكلّ لائحة، فيما الأزمة الماليّة وتقلّب سعر الصرف يفرض واقعاً مغايراً. من جهته، يُفيد صعب بأنّ "سعر اللافتات الإعلانيّة يختلف بين منطقة وأخرى، ووفقاً لموقع كلّ لافتة، حيث تبدأ الأسعار من 3000 دولار أميركيّ وقد تتجاوز الـ8000".
وهنا لا بدّ من طرح السؤال الآتي: من أين يأتي المرشّحون بأموالهم على قاعدة من أين لكَ هذا؟ وكيف سيبرّرون مواقفهم أمام هيئة الإشراف على الانتخابات؟ وهل ستغضّ الأخيرة النظر (على الطريقة اللبنانيّة)؟