كفّوا: إنه وقت التمرّد على المحاور

منذ البدء كان لبنان بلد الأيدي المتـشابكة كان ذلك قدره ومبرر وجوده. وحدهم المخلصون من أقربين وأبعدين أدركوا ذلك السرّ: حتى يبقى هذا البلد ويستمرّ يجب أن يُصان بالوفاق داخلياً وخارجياً.تاريخه الحديث يدلّ على أنه عندما ينزلق الوفاق فيه إلى مفهومٍ للشراكة التجارية على نحو ما صرنا نشاهده في عمليات تأليف الحكومات أو طريقة إبعاد بعض الوزراء يتحول الحكم إلى نوع من أسهمٍ في الشركات باتت تسمى محاصصة. فيُصبح الحكام تجاراً بكل معنى الكلمة. لكلٍ حصته، أي لكلٍ أسهمه في الشركة. ولا يذكر التاريخ أن وطناً بُنيَ واستمرَّ على مثل هذه القواعد. منذ البدء التقى العرب حول لبنان. ليس ذلك في عملية تأليف الجامعة العربية وحفظ المكان اللازم لخصوصية لبنان فحسب، بل في مواكبة سنوات استقلاله المضيئة ثم في حروبه. ولا يزال بعض شهود تلك الأيام الكالحة يذكرون صورة مشتركة لوزير خارجية السعودية الأمير سعود الفيصل ولوزير خارجية الكويت وأميرها بعد ذاك الشيخ صباح الأحمد الصباح يسيران معاً في ردهة القصر الجمهوري أبان اشتداد الأزمة في مرحلةٍ من ولاية الرئيس الياس سركيس "١٩٧٦ – ١٩٨٢" وهما رافعان أيديهما بالصلاة والدعاء. حصل ذلك بعد مؤتمري الرياض والقاهرة عام ١٩٧٦ وإنشاء "قوات الردع العربية" للذين نسوا ذلك، للحلّ العربي، وقبل أن تتحول إلى قوات سورية محض، وتفاصيل ذلك الزمن المظلم انتهى بالوصاية السورية وحدها بعد انسحاب سائر القوى العربية وبالفواجع على أنواعها ثم بالانسحاب السوري في نيسان ٢٠٠٥.قبل اتفاق الطائف في خريف ١٩٨٩ كانت القمة العربية في الدار البيضاء في أيار تلك السنة قد حضرت الأرضية لذلك عبر لجنة عربية عليا مؤلفة من الملك المغربي الحسن الثاني والملك السعودي فهد بن عبد العزيز والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد هدفها مساعدة لبنان على حلّ أزمته "واستئناف دوره الطبيعي ضمن الأسرة العربية". ونشطت تلك اللجنة في سبيل ذلك الحلّ بهذا البلد كما وردَ يومذاك في الإعلان الذي "يمثّل تنوّعه ثراء للعرب والعروبة" وقام ممثلوها بزيارة يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان. وأدّت تلك الجهود يومذاك إلى انعقاد مؤتمر الطائف في تشرين الثاني من السنة نفسها على خلفية ما كان رُسم له في...