الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ذكرى "جمول" ولبنانية المقاومة في 1982... نسخة "حزب الله" أخذتها إلى الساحات الإقليمية!

المصدر: "النهار"
ابراهيم حيدر
ابراهيم حيدر
من مسيرة الحزب الشيوعي (مروان عساف).
من مسيرة الحزب الشيوعي (مروان عساف).
A+ A-
تحضر في ذكرى إطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية "جمول" في 16 أيلول 1982، كل التحولات التي غيرت لاحقاً من وظيفتها، وأنهت دورها. هي أطلقت عندما احتلت إسرائيل العاصمة بيروت وأكثر من نصف لبنان بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية. أعلنت "المقاومة" من أطراف يسارية لم تعد اليوم نفسها، وذلك في نداء من بيت صغير في المصيطبة بالقرب من منزل الشهيد كمال جنبلاط بتوقيع الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي والأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي محسن ابراهيم، فراحت بيروت تقاوم، وأجبرت الإحتلال على الانسحاب، بعد أقل من أسبوعين، من دون مفاوضات أو شروط، لتعم المقاومة مختلف المناطق اللبنانية المحتلة وفي الجنوب.

في لحظة صعبة ومعقدة ووسط انقسام لبناني شكل نداء جبهة المقاومة منعطفاً تاريخياً، فهو فتح الطريق لممارسة مقاومة لبنانية صافية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، انطلاقاً من المسؤولية الوطنية، وهي التي انطلقت في كل أحياء بيروت، ونجحت، قبل أن تتحول أمورها وتدخل في التجاذبات الإقليمية، في تكبيد الاحتلال خسائر كبيرة، وأجبرته على الإنسحاب من مناطق واسعة، بدءاً من الجبل في مرحلة أولى، ثم صيدا والنبطية عام 1985.

في 16 أيلول، كان البيان التأسيسي اللبناني لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي، وجاء في النداء: "يا رجال ونساء لبنان من كل الطوائف والمناطق والاتجاهات، أيها اللبنانيون الحريصون على لبنان بلداً عربياً سيداً مستقلاً، الى السـلاح استمراراً للصمود دفاعاً عن بيروت والجبل، وعن الجنوب والبقاع والشمال، الى السلاح تنظيماً للمقاومة الوطنية اللبنانية ضد الإحتلال وتحريراً لأرض لبنان من رجسه على امتداد هذه الارض من أقصى الوطن الى أقصاه".

ما أنجزته "جمول" على مدى 7 سنوات حتى عام 1989، حين تولت نسخة أخرى من المقاومة بدعم إقليمي "سوري وإيراني"، يدخل ضمن السياق التاريخي، إذ انسحب الجيش الإسرائيلي المحتل حتى منطقة الشريط الحدودي، فكانت لبنانية المقاومة هي الرد على كل التشكيك والرهانات في قدرة اللبنانيين على مقاومة الاحتلال، وهو أمر لم يستفد منه بعض أطراف اليسار الذي عاد والتحق بقوى الامر الواقع، بعد كسر لبنانية المقاومة منذ عام 1989، أي عندما ضعف دور "جمول" وانحسر لمصلحة المقاومة الإسلامية بقيادة "حزب الله" كطرف وحيد في مواجهة الإحتلال. ففي النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي بدأت سلطة الوصاية السورية بضرب العصب اللبناني الوطني للمقاومة وتحويلها الى أداة إقليمية، ثم إدخالها في حساباتها ومشاريعها، فطوّقت الأطراف المؤسسة للمقاومة، الى أن تراجع دورها وغرق بعضها في رمال الحروب الأهلية الطائفية والمذهبية، وانتهى دورها الإستقلالي.

حين تولى "حزب الله" المقاومة انتقلت رايتها الى قوى طائفية صافية. وكان واضحاً أن الدعم إقليمي والإمكانات كبيرة، فيما فقدت القوى المؤسسة الكثير من رصيدها ودورها. وعلى رغم التحرير الذي أنجز في 25 أيار عام 2000 من طريق المقاومة، الا انه عجز عن استثمار التحرير وزوال الاحتلال طريقاً لتوحيد البلد وبناء الدولة وتنظيم الاختلافات بين اللبنانيين، لا بل أن التساؤل كان عن وظيفة السلاح المقاوم بعد خروج الاحتلال، وبعضه استخدم في الداخل قبل أن يصير “حزب الله” قوة اقليمية وجيشاً بفائض قوة، تدخل في سوريا وغيرها من المناطق، ففقد أيضاً الكثير من رصيده اللبناني وساحته ومنزله.

شاءت المقاومة في نسختها التي يمثلها "حزب الله" أن تخرج من ساحتها أو منزلها إلى ساحات أخرى. ابتعد الحزب إلى الساحة السورية وساحات أخرى من خلال تدخله إلى جانب النظام، وكأن وظيفة المقاومة الأصلية انتهت لمصلحة مشاريع إقليمية. ولهذا الكلام صلة بما حدث للمقاومة ضد الاحتلال من تحولات وتبدلات أنهتا نسختها الأولى الوطنية لمصلحة مقاومة اسلامية قاتلت اسرائيل لكن بمشاريع إقليمية. فكم هي المسافة شاسعة بين مقاربتين مختلفتين للمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، تلك التي انطلقت في 16 أيلول 1982 وسارت على طريق التحرير تلبية للنداء الأول، لكن دورها وموقعها اندثرا لاحقاً. وحين صارت نسخة المقاومة الثانية في ساحات أخرى. ومن هذه الساحات في سوريا والعراق فقدت المقاومة بعض خصائصها. فمع تراجع "جمول" قاتل “حزب الله” في الجنوب متسلحاً بخصائص ساحته، لكنه فقد هذه الخاصية، إذ أن الداخل اللبناني لم يعد ساحة للحزب، بعدما فقد جزءاً من "الغطاء المنزلي" الذي تمتع به واستند اليه لسنوات طويلة. وتحول سلاح المقاومة خلال فترات جزءاً من التوازنات الداخلية اللبنانية، وسلاحاً إقليمياً خلال السنوات التي تلت التحرير عام 2000. واستثمرت في الداخل لتغيير موازين القوى.

في ذكرى انطلاقة “جمول” التي شكلت رداً لبنانياً على الاحتلال، يتذكر مقاومون العمليات الأولى، من بسترس إلى الصنائع والمزرعة وعائشة بكار. لكن البعض لا يزال يعيش في أجواء الثمانينات من دون أن يعترف أن البلد صار في مكان آخر...

[email protected]
Twitter: @ihaidar62
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم