الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الـ"Counter-Strike" في محيط المطار... لعبة الاحتمالات المفتوحة

المصدر: "النهار"
ديما عبد الكريم
ديما عبد الكريم
تصميم ديما قصاص/ "النهار".
تصميم ديما قصاص/ "النهار".
A+ A-
مشهدان في ذروة التناقض حصلا في فاصل زمني قصير. يهرع الناس في الحيّ الذي أقطن فيه إلى الشارع خوفاً من انهيار المنازل على رؤوسهم جراء الهزات الارتداديّة التي ضربت لبنان مؤخراً. وفي يوم آخر، يهرع الناس من الشارع، إلى المنازل، تقفل المحال أبوابها ويصبح الخروج إلى الشرفات كالخروج إلى منطقة تماس جراء إطلاق الرصاص والقذائف خلال الإشكالات. في لحظات متقاربة، يتحوّل الشارع من مصدر أمان إلى مصدر قلق، والعكس. في المشهد الأول ينتظر الناس المعجزات الإلهية ويتابعون آخر توقعات علم الفلك ويترصّدون تغريدات عالم الزلازل الهولندي فرانك هوغربيتس. أمّا في الثاني، فينتظر الناس لطف الله فقط، وعلى قاعدة "زمطنا" أصبح السكان يتعايشون مع هذا الواقع في ظل ازدياد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تعقيداً وكذلك الأخلاقيّة، وغياب الحلول الجذرية في الأفق القريب، وربّما البعيد أيضاً.
 
ليل الإثنين 6 آذار، لم يكن مختلفاً كثيراً عن سواه إلّا بحدّة الدوي الذي سمعناه وسمعه سكان مناطق محيطة بنا. دوي واحد كان كفيلاً بتبيان كمية القلق التي يعيشها سكان لبنان مما هو آتٍ، ومما يبشّرنا به المطلعون على الأوضاع فيه، كل حسب اختصاصه ومجاله. ولا داعي لذكرها.
 
تقول سيدة تسكن في المبنى الملاصق للمبنى الذي أسكن فيه "ضربت إسرائيل المطار"، فـ"يصحّح" لها صاحب محل السمانة "لا هيدا انفجار"، طفل يسأل والده "ليش عم ترعد ومش عم تشتي" ويخلد الجميع بعدها إلى النوم. مفردات باتت تتردّد بين الناس وكأنّها أخبار عادية، اقتحمت حياتهم اليوميّة، جعلت كلاً منهم يحتاط وكأنّه هو من في دائرة الاستهداف.
 
في اليوم التالي، تجلّت صورة ما حصل للجميع. إشكال عائلي كبير في منطقة الجناح السلطان - إبراهيم تطوّر إلى اشتباك مسلّح تبعه دوي قوي ناتج عن إطلاق قذيفة B7، أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخرين بجروح. وفيما أكد مصدر أمني لـ"النهار" أن "الإجراءات الأمنية داخل المطار مؤمنة بالكامل"، أشار إلى "إجراءات يتخذها الجيش اللبناني خارج المطار لجهة ملاحقة مطلقي النار، وهي إجراءات مستمرّة ومتواصلة، وليست مقتصرة فقط على الإشكال الأخير".
 
في اليوم نفسه، تداول ناشطون مقطع فيديو ظهرت فيه طائرة تابعة لطيران الشرق الأوسط وهي تحلّق في أجواء بيروت بين زخّات الرصاص، قبل هبوطها في المطار. وبدا في مقطع الفيديو وكأن الرصاص كان موجّهاً بشكل مباشر نحو الطائرة، إلّا أن وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال علي حميّة نفى أن تكون الطائرة مستهدفة، قائلاً إن ما حصل إطلاق نار عشوائي بسبب خلاف بين عائلتين.
 
عزز الجيش اللبناني إذاً إجراءاته الأمنية من جديد، وأوقف عدداً من المشتبه فيهم. إلّا أن المضحك المبكي أن فكرة أن الدوي كان اشتباكاً مسلحاً جعلت الناس تطمئن إلى أن الأمور ليست أكثر من ذلك. علماً أن مطلقي النار يعيشون بينهم ويعرفونهم بالأسماء.
 
تنسجم المعلومات التي أشار إليها المصدر الأمني مع ما قاله النائب فادي علامة لـ"النهار"، حول استمرار عمليات الدهم من قبل الجيش والقوى الأمنية بعيداً عن الإعلام.
 
ولدى سؤاله عن حصول أي تواصل من قبل نواب "أمل" أو "حزب الله"، كونهما طرفين فاعلين، مع فعاليات في المنطقة، قال إن "هناك عملاً جدّياً يحصل على الأرض من قبل المعنيين، ولكنني لست مطلع على كامل تفاصيله". وأشار إلى أن القوى الأمنيّة قامت بواجبها كاملاً وحصلت بعض التوقيفات، مشدّداً على أن "ما من أحد يمنع القوى الأمنية من القيام بدورها، بل على العكس، ولا غطاء سياسياً على أحد والجميع داعم لهذا التحرّك".
 
علامة الذي وصف ظاهرة إطلاق النار بغير المقبولة، لفت إلى أنّه يجب العمل على تجنيب البلد أي خضّات أمنيّة، مذكراً بحوادث إطلاق نار سابقة عرّضت سلامة الطيران المدني للخطر وكانت من خارج نطاق المناطق المحيطة بالمطار أيضاً. وحذّر من إضعاف الدولة وبقاء البلد على وضعه القائم، قائلاً: "قد نصل إلى اعتبار مطار بيروت مرفقاً غير آمن في حال تكرّرت هذه الحوادث وبالتالي توقّف الرحلات عبره".
 
وأمل علامة في أن تأخذ القوى الأمنيّة كل الدعم سيّما أنّها تمرّ بظروف استثنائيّة وصعبة، وفي أن تصل إلى نتيجة.
 
لا يخفى على أحد أن أمن معظم المناطق المحيطة بمطار بيروت، كان وما زال رهن مزاجيّة بعض العائلات التي تعيش هناك، فإطلاق الرصاص يرافق أفراحهم وأحزانهم. وقد يكون أحياناً من باب الملل أو لتجربة سلاح من نوع جديد، ما يترك الأمور قابلة للتفلّت في أي لحظة. وعلماً أن موضوع الأمن في محيط المطار وتأمين سلامة الطيران المدني، ليس بجديد، إلّا أنه أصبح يتكرّر وبوتيرة عالية في الفترة السابقة، وهو انضم قديماً إلى الملفات السجالية التي لا تنتهي. أسئلة مشروعة تفتحها مجدّداً حادثة إطلاق النار الأخيرة، هل حقاً مطار بيروت بأمان؟ وماذا عنا نحن؟ فحتى كتابة هذه السطور أصوات الرصاص كانت تُسمع من حين إلى آخر في الحي الذي أفطن فيه. لا أدري لعلّه حفل زفاف أو إشكال آخر.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم