الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

العدالة في مواجهة الطغيان والتجهيل... تاريخٌ لبنانيٌ حافلٌ من دفن الحقيقة

المصدر: "النهار"
صورة مركبة لمسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله" وقاضي التحقيق في انفجار المرفأ طارق البيطار.
صورة مركبة لمسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله" وقاضي التحقيق في انفجار المرفأ طارق البيطار.
A+ A-

وكأنه مكتوبٌ على هذا البلد أن تُجهّل قضاياه ومآسيه وتفجيراته، ومكتوب على شعبه ألا يصل الى حقيقة تكشف من قتل وفجر ودمرّ، ولو لمرة واحدة على الأقل!

موجة كبيرة من القتل والتفجير طالت هذا البلد  في تاريخه حديث، لم يكشف النقاب عن أغلبيتها العظمى، وإذا توصلت التحقيقات الى خيط ما في حادثة معينة، يجري الهجوم عليها وتمييعها والتشكيك فيها حتى إفلات الجاني من العقاب.

وما يجري اليوم على ما صحّ تسميته انفجار العصر هو أكبر دليل على رغبة الطبقة الحاكمة والمتحكمة في لبنان بتضييع التحقيق ومواجهته ووضع خطوط حمراء أمامه. مواجهة أطاحت بالقاضي الأول وعلى وشك أن تطيح بالثاني في رسالة واضحة الى أن هناك خطوطاً حمراء يمنع الاقتراب منها، وإلاّ رفعت الجدران الحزبية الطائفية والمذهبية لتشكّل درع حماية في مواجهة أي محاولة للإقتراب من الحقيقة.

وأضحى من المؤكد أنه يمنع المس أو الاقتراب من أي مسؤول أو نائب أو وزير أو شخصية كبيرة، والمطلوب حصر الأمور بالصغار، على شاكلة "معلم التلحيم" وربما العاملين معه وكأن ما جرى هو مجرد حريق في منزل مهجور تم اطفاؤه وانتهى الأمر.

انفجار مرفأ بيروت (نبيل إسماعيل)
 
 

آلاف الأطنان من المتفجرات دخلت الى لبنان وخزنت بطريقة غير آمنة. معظم الساسة والأمنيين علموا بها منذ سنوات ولم يقدم أحد منهم على فعل أي شيئ ورغم كل هذا يريد الجميع التنصل من المسؤولية، حتى مجرد السؤال ممنوع، ووجبت التعبئة العامة السياسية والطائفية والمذهبية  والقضائية لمواجهته حتى آخر رمق!

بالأمس شهدت قضية انفجار المرفأ منعطفاً يعتبر الأخطر منذ انطلاقها، وحملت إطلالة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد نصرالله تهديداً مباشراً وعلنياً بعد ما لم تؤد الرسالة الشهيرة من وفيق صفا مبتغاها.

خرج نصرالله  ليتهم القاضي بالاستثمار بالدماء، والتسييس و... محذراً أن البلد سيشتعل اذا بقي المحقق العدلي مستمراً بالتحقيق.

وزاد على خطابه هذه المرة رسالة واضحة الى مجلس القضاء الأعلى وعبره جميع القضاة مفادها أن أي حماية له ستجعلكم تحت سهامنا، محدّداً مسار التحقيق وكيفية التعاطي، وأي خروج عن مسار نصرالله سيجعل القاضي هدفاً لاتهامات جاهزة ومركبة. 

ولم تتوقف القضية بل استكمل المجلس الشيعي الأعلى ما بدأته دار الفتوى بالهجوم على المحقق والتحقيق. ووضعت سقفاً آخر أكثر صلابة يمنع تجاوزه، وإلّا أصبحت عليه مواجهة الطائفة بأكملها وكيف لقاضٍ منفرد أن يقاتل طوائف وهيئات ومراجع دينية؟

 

ماض حافل باللاعدالة

ما يجري اليوم يردنا سنوات الى الخلف حيث شهد لبنان أكثر من 25 تفجيراً قتل على اثرها مئات الاشخاص من شخصيات سياسية واجتماعية وصحافية، والأفراد العاديين لا ذنب لهم سوى تواجدهم في مكان التفجير، ولم تتوصل التحقيقات الى كشف أي جريمة منها.

 

رفيق الحريري

 في 14 شباط،  اغتيل رئيس الوزارء السابق رفيق الحريري في انفجار استهدف موكبه في بيروت أسفر أيضا عن مقتل أكثر من 20 شخصاً.

ساحة جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري (أ ف ب)
 

ناضلت عائلته واللبنانيون، وسعوا لمعرفة الحقيقة واستعين بالتحقيق الدولي وانشأت محكمة دولية لتصدر حكمها بعد 15 عاماً بتجريم أحد الاشخاص، لكنه عصي على المحاكمة وحتى إلقاء القبض ولا أحد يعلم أين يتواجد، واذا علموا فهو محاط بالحصانة الحزبية المسلحة وطبعاً من خلفها  الحصانة الطائفية، ومن المتوقع أن تبقى الأمور على ما هي عليه حتى يأخذ الله أمانته.

 

سمير قصير

 وفي 2 حزيران 2005،  اغتيل الكاتب الصحافي في جريدة النهار سمير قصير إثر تفجير سيارته بعبوة ناسفة خارج منزله في حي الأشرفية، وحتى الساعة لا يعلم أحد ماذا جرى وكيف اغتيل ومن اغتاله.

 

جورج حاوي

21 حزيران 2005، اغتيل الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، إثر انفجار سيارته بينما كان يقودها في بيروت، ولا تزال التحقيقات مستمرة.

 

جبران تويني

12 كانون الأول 2005: اغتيل رئيس مجلس ادارة جريدة النهار جبران تويني، إثر انفجار سيارة مفخخة في بيروت عقب عودته من فرنسا، والتحقيق لا يزال فارغاً.

ساحة جريمة اغتيال الشهيد جبران تويني (أ ب)
 

وليد عيدو

13 حزيران 2007:  اغتيال النائب وليد عيدو في انفجار سيارة مفخخة غربي بيروت، وقضى معه نجله و9 اشخاص.

 

أنطوان غانم

19  أيلول2007: اغتيل النائب عن حزب الكتائب  أنطوان غانم و4 آخرين في هجوم بسيارة مفخخة في بيروت، ولا تزال الحقيقة ضائعة.

 

فرنسوا الحاج

12 كانون الأول 2007:  اغتيال مدير عمليات الجيش العميد الركن فرنسوا الحاج إثر انفجار سيارته بجوار بلدية بعبدا بالإضافة إلى مقتل وإصابة عدد من العسكريين.

 

وسام عيد

26 كانون الثاني 2008: قتل النقيب في فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي وسام عيد، بعبوة ناسفة أسفرت أيضاً عن مقتل حارسه و4 مدنيين في فرن الشباك، ورغم القدرات العالية لشعبة المعلومات لم تستطع الوصول الى القاتل.

13 آب 2008: انفجار قنبلة  في باص في طرابلس أسفر عن مقتل 16 شخصا بينهم 7 جنود، ولم يعرف حتى الساعة سبب التفجير والمفجر.

10 أيلول 2008، انفجار سيارة القيادي في الحزب الديموقراطي اللبناني صالح العريضي ومقتله.

 

وسام الحسن

19 تشرين الأول  2012، مقتل رئيس شعبة   المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن إثر انفجار ضخم في الأشرفية، وأسفر الانفجار أيضاً عن مقتل 8 أشخاص وإصابة 128 آخرين، وتضرر حي بأكمله في الأشرفية، ولا زال القاتل مجهولاً.

15 آب  2013، مقتل 27 شخصاً وإصابة نحو 300 آخرين إثر انفجار سيارة مفخخة في الضاحية الجنوبية لبيروت.

23 آب 2013: مقتل 42 شخصاً وإصابة المئات إثر انفجارين قرب مسجدي التقوى والسلام في طرابلس، ورغم صدور القرار الظني في القضية وتسمية المخططين والمنفذين في سوريا ولبنان لا زال القتلة خارج اي محاكمة واي محاسبة.

 

تواريخ دموية 

19 تشرين الثاني 2013، انفجار قرب المركز الثقافي الإيراني في الضاحية الجنوبية لبيروت يسفر عن مقتل 22 شخصاً وإصابة 146 آخرين.

27  كانون الاول 2013، اغتيال الوزير محمد شطح ومقتل 5 آخرين وإصابة 70 إثر انفجار سيارة مفخخة، ولا تقدم بالتحقيقات حتى الآن.

2 كانون الثاني 2014: مقتل 4 أشخاص وإصابة أكثر من 60 آخرين في انفجار سيارة مفخخة بالضاحية الجنوبية لبيروت.

19 شباط  2014 : تفجيران انتحاريان قرب المركز الثقافي الإيراني بالضاحية الجنوبية أسفرا عن مقتل 8 أشخاص وإصابة 128 آخرين.

12  تشرين الثاني 2015: مقتل 43 شخصاً وإصابة أكثر من 200 آخرين في هجوم انتحاري مزدوج  على مسجد برج البراجنة.

واضافة الى ما تقدم، شهدت مدينة طرابلس معارك عسكرية عدة في مخيم نهر البارد وفي الأحياء الداخلية، وأسفرت عن سقوط عدد كبير من الشهداء من الجيش اللبناني، وخلفت دماراً هائلاً من دون تتم محاسبة المسؤولين، الذين جرى تهريبهم الواحد تلو الآخر.

وفي المحصلة، يبدو أن جريمة المرفأ ستلتحق بالجرائم سالفة الذكر، ويطوى الملف ويوضع في الادراج مع ما سبقه لتصبح مجرد ذكرى يخف وهجها عاماً بعد عام لتنسى في النهاية ويبقى من هم في مراكز القرار محافظين على مواقعهم وكأن شيئاً لم يكن، لا بل يجدد لهم ويزيدون وهجاً وتوريثاً!

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم