الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كواليس خطة لبنان لإعادة النازحين... حقول ألغام ومواجهة مفتوحة

المصدر: "النهار"
جاد ح. فياض
جاد ح. فياض
مهمش سوري في ضواحي بيروت. (تصوير مارك فياض)
مهمش سوري في ضواحي بيروت. (تصوير مارك فياض)
A+ A-

منذ استعاد النظام السوري، بواسطة حلفائه، معظم المناطق السورية وفرض سيطرته الجزئية بالشراكة مع روسيا وإيران، انتقل الحديث في لبنان من وجوب وضع خطّة لاستيعاب النازحين السوريين، إلى ضرورة إقرار مخطّط لإعادتهم إلى بلادهم، إلّا أن ذلك لم يتعدَّ ملعب المزايدات السياسية والانتخابية، ولم توضع خطّة واضحة لتأمين العودة الآمنة للنازخين رغم المحاولات المتعدّدة.

 

إلّا أن الخطّة اللبنانية، الإرادة السياسية الداخلية ورغبة النازحين بالعودة إلى الديار، تبقى ملفات ثانوية ما لم تُقرن بإرادة من النظام السوري لاستقبال النازحين، وخطّة دولية لتأهيل مناطق لاحتوائهم، وهي أساسيات لم تتوفر بعد، لكن ذلك لا يعني بقاء السلطة مكتوفة الأيدي وانتظار اللحظة الإقليمية المناسبة، بل إن وضع الخطة والبقاء على جهوزية مطلوب حتى يحين موعد العودة.

 

لم يبدِ النظام السوري أيّ جدّية بعد لاستقبال النازحين المنتشرين في الدول المحيطة، وهو لم يبدأ بتجهيز المناطق المخصّصة ليقطنوا فيها قبل إطلاق عملية إعادة الإعمار، ويترافق غياب العمل مع تقارير عن تعرّض العائدين إلى ديارهم للخطف، الاعتقال والتعذيب على أيدي قوات النظام، إضافة إلى غياب التمويل الدولي والرعاية الأممية لإنجاز هذه العودة وحماية العائدين.

 

قبل فترة، عقدت روسيا مؤتمراً دولياً لإطلاق عملية إعادة النازحين، لكن لا نتائج ملموسة بعد، والعودة الآمنة لم تتوفر، وفي هذا السياق، عاد البحث في لبنان وتركّز على إقرار خطّة لإعادة النازحين، ويتولى وزير المهجّرين عصام شرف الدين العمل عليها، إلى جانب لجنة مكلّفة إعدادها، وتعقد هذه اللجنة اجتماعات فردية وجماعية مع رئيس الجمهورية ميشال عون لوضعه في مستجداتها.

 

شرف الدين طلب التريّث قبل زيارة سوريا... ما السبب؟

وزير المهجّرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين يؤكّد "تقديم السلطات السورية تسهيلات من أجل عودة النازحين إلى بلادهم، وهذا ما لمسته في اجتماعي الأخير مع وزير الإدارة المحلية السوري حسين مخلوف، المعنيّ بهذا الملف". 

 

وفي حديث مع "النهار"، يشير إلى أن "ثمّة عفواً رئاسياً يشمل من حمل السلاح، إلى جانب إعفاءات وإلغاء بلاغات، وهذا دليل على التسهيلات السورية، ومن جهتنا، وضعنا خطة مقبولة ومدروسة، اعتمدت على الورقة السورية – الروسية، إحصاءات وزارة الداخلية، والدراسات التي قام بها وزيرا المهجرين السابقان صالح الغريب ورمزي المشرفية، ومن ثم استكملناها بخريطة طريق تمهّد للعودة التدريجية".

 

وفي هذا الإطار، يلفت إلى تقسيم النازحين في لبنان إلى 3 فئات، ويذكر أن "الفئة الأولى تضمّ النازحين الذين هربوا من الحرب، والذين تسجلوا لدى مفوضية شؤون اللاجئين، ويبلغ عددهم 880 ألفاً، أما الفئة الثانية، فهي تضم اليد العامة والمستثمرين السوريين، نحو 200 ألف، إضافةً إلى اللاجئين السياسيين الذين يشكّلون الفئة الثالثة، ويبلغ العدد التقريبي للمجموع أقله مليوناً ونصف مليون في لبنان". 

 

ويتابع حديثه عن العودة التدريجية، ويقول "حتى لا تشكّل عبئاً على كاهل السلطات السورية، من المفترض أن يعود 15 ألف نازح شهرياً كمعدّل، وذلك إلى مناطق آمنة تشكّل 80 بالمئة من الأراضي السورية، على أن تؤمّن السلطات السورية مراكز إيواء مع كل مستلزماتها، من بنى تحتية، طرقات، شبكات صرف صحّي، مدارس وغيرها، بالإضافة إلى تأمين صحّي وطبابة وتعليم مجانية".

 

أما بالنسبة إلى اللاجئين السياسيين، وهم الذين يواجهون الخطر الأكبر في حال العودة إلى سوريا، فأعد رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص ملخّصاً تنفيذياً لدراسة قانونية، بصفة استشارية مستقلة وتطوّعية بناءً على طلب رسمي.

وتعليقاً على الخطة، يقول شرف الدين "إننا على تنسيق كامل مع المؤسسة ونوافق على الخطة 100 بالمئة، فلهؤلاء النازحين الحق بالحماية ضمن الأعراف الدولية، وثمّة تفاهم على حل ملفهم مع مفوضية اللاجئين" (سنذكره لاحقاً).

 

ومع التشديد على أن الخطة لا تكتمل دون موافقة الطرف السوري عليها لتطبيقها كاملةً، من المفترض التنسيق بين السلطات في البلدين، وفيما أثار تأخّر زيارة شرف الدين لسوريا الاستغراب والخشية من عدم جدّية العمل اللبناني، كشف وزير المهجرين أن "زيارة سوريا مؤكّدة وقريبة، لكني شخصياً طلبت التريّث، لأنني سأزور جهات سياسية أمنية، على رأسها قائد الجيش جوزيف عون، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، كما سأزور رئيس الجمهورية مرة أخرى".

 

وبالنسبة للتواصل مع المنظمات الأممية، يذكر شرف الدين أن "التعاطي هو مع مفوضية شؤون اللاجئين، وعُقد اجتماع مع مندوب المفوضية، ناقشنا خلاله مطالعةً من ثلاث صفحات، فتوافقنا على لجنة لبنانية – سورية، ولكنهم اعترضوا على مبدأ الدفع للنازحين على الأراضي السورية لعدم قدرتهم على ذلك". 

 

وإلى ذلك، يُضيف شرف الدين، "تفاهمنا على أن اللاجئين السياسيين (الذين لا يريدون العودة) يقعون ضمن مهام المفوضية المكلفة مهمة أخذهم إلى دولة ثالثة حسب الأعراف الدولية، وتم تأمين 9,000 فيزا هجرة هذا العام لهؤلاء، رحل منهم 5,000 و4,000 آخرون يسافرون قبل نهاية العام، وطالبنا بمضاعفة الأرقام لأن ثمّة عشرات الآلاف من اللاجئين السياسيين، ومن حقهم ممارسة السياسة التي يريدونها، أما بالنسبة للاجئ السياسي الراغب بالعودة إلى سوريا، فلا خطر عليه في ظل وجود عفو رئاسي، وكل ما عليه فعله عدم حمل السلاح".

 

تقارير عن تعذيب وانتهاكات... منظمات أممية تحذّر من العودة

ورداً على الحديث عن تقارير تُفيد بحصول انتهاكات وتعذيب بحق العائدين إلى ديارهم، يرى شرف الدين أن "هذا الكلام محصور بأمور فردية، ولا علاقة لها بالقضايا الأمنية، إذ عاد 87 ألف نازح إلى سوريا حتى عام 2019، وتم توقيف 34 شخصاً على أثر دعاوى جزائية لا علاقة لها بالقضايا الأمنية"، مشدّداً على أن "على كل لاجئ الاطلاع على ملفه لدى الأمن العام اللبناني للتأكّد من خلوّه من أي إخبارات أو دعاوى، وفي سوريا ثمة إعفاءات وبلاغات تم إلغاؤها، ويمكن الاستفادة من هذه الأمور لضمان السلامة".

إلّا أن منظمات أممية عديدة، بينها "هيومن رايتس ووتش"، نشرت تقارير أشارت فيها إلى خطوة الوضع في سوريا لجهة عودة الهاربين من الحرب، وخصوصاً أولئك الذين كانوا مطلوبين للتنجيد الإلزامي، ووثّقت العديد من الانتهاكات بحق سوريين عادوا إلى ديارهم، تعدّدت بين الخطف، التعذيب والسرقة، حتى وصلت إلى حدود القتل والتصفية.

الباحثة في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في "هيومن رايتس ووتش"، ناديا هاردمان، تُشير إلى أن "الأمم المتحدة على يقين بخطورة الظروف في سوريا، وهي بالتأكيد لا تدعم أيّ خطط لإعادة النازحين في الوقت الحالي، لأن الوقت غير مناسب، وذلك بغضّ النظر عما إن كانت عُقدت اجتماعات مع السلطات اللبنانية وبحثت في الملف".

وفي حديث لـ"النهار"، تقول إن "لبنان قادر على الاستمرار بخططه لإعادة النازحين، لكن مبدأ العودة يتنافى مع القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان لأن إعادة 15 ألف نازحٍ شهرياً ستؤدّي إلى اعتقالات جماعية في سوريا، ورغم أننا نعلم بالظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، نأمل أن يؤتي ضغط المجتمع الدولي والمنظمات الأممية ثماره، ونحن بدورنا كمنظمة حقوقية سنستمر في رفع الصوت للتأكيد أن شيئاً لم يتغيّر في ظل وجود النظام السوري نفسه".

 

ماذا في تفاصيل اجتماعات بعبدا؟

وفي إطار متابعة الملف بين الرسميين، التقى عضو اللجنة المكلّفة وضع الخطة، وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار رئيس الجمهورية ميشال عون الاثنين، وكشف لـ"النهار" أن "الهدف من الزيارة كان وضع رئيس الجمهورية في مستجدات البحث في الخطة، كما الوقائع التي فرضت نفسها في الأسابيع الأخيرة، والتي دفعت إلى إجراء تحديثات "واقعية" عليها، علماً بأننا نجري تقييماً أسبوعياً للخطة والمستجدات".

 

وأشار إلى أن "حضور وزير الخارجية عبد الله بوحبيب ميّز اللقاء، فجرى عرض للمواقف الدولية والقرارات الأممية، وتوضيح بعضها"، إلّا أنه لم يخف أن "الملف شائك جداً، وثمّة تراكمات عمرها 11 عاماً، وهو مرتبط بالمتغيّرات الإقليمية والقرارات الدولية، وليس شأناً داخلياً فحسب".

 

وأبدى حجار تخوّفه من ازدياد المشاكل بسبب وجود النزوج السوري، ولفت إلى أن "هذا الواقع يدفع للبحث أكثر وتوحيد الرؤية اللبنانية، كما الدفع باتجاه تحقيق العودة الآمنة، وفي هذا السياق، ثمّة اجتماعات عديدة، منها ما هو معلن ومنها ما ليس معلناً، وفي الساعات والأيام المقبلة ستُصبح الصورة أكثر وضوحاً".

 

وعلى الخط نفسه، أفادت معلومات "النهار" أن اجتماع بعبدا بين عون وحجار الإثنين حول النازحين لم يأت على ذكر نقاط الخطة، وكان التركيز على التنسيق بين وزارتي الخارجية والشؤون الاجتماعية والترتيبات المطلوبة لتنظيم عودة النازحين تدريجاً. وسيُعقد اجتماع ثانٍ  لاستكمال البحث ولا سيما في التنسيق مع سوريا كما ستوضع الارقام الدقيقة للنازحين الموجودين في لبنان لأن قسماً كبيراً منهم موجود لدى مفوضية شؤون اللاجئين ويجب أن يحصل تواصل معهم فيما المفوضية ليست متجاوبة كما يجب مع مساعي لبنان لإعادة النازحين الى أرضهم.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم