الأربعاء - 01 أيار 2024

إعلان

مع بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس... رؤية لمسار انتخابي حرّ وديموقراطي

المصدر: "النهار"
قصر بعبدا.
قصر بعبدا.
A+ A-
قدّمت مجموعة من الحقوقيين والعاملين في الشأن العام رؤية حول مسار انتخابي حرّ وديموقراطي مرتبط بانتخابات رئاسة الجمهورية، بعد أن فُتحت المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد، وتنشر "النهار"في الآتي البيان المستند الى شواهد قانونية ودستورية: 


1. في الدستور وانتهاكات العهد له
 
الدستور ديدنُنا مهما كانت شوائبُه. وانهيارات البلد المتتالية منذ عام 1975 تُقرأ صحيحاً متى تُقرأ سلسلةً لامتناهية من خروقات للدستور.
 
رئيس الجمهورية في صلب الدستور، وهو المؤتمن عليه قبل غيره، يخصّه النصّ بحمايته.
 
وفي هذه السلسلة الطويلة من إمعان السيف في قتل القلم على امتداد خمسين عاماً من تاريخنا، لا مجال لفهم مآلاتنا الدامية سوى بانقضاضها على الدستور بقوة السلاح، أقربه عام 2016، لمّا تمّ تعطيل جلسات انتخاب رئيس جمهورية لفرض شخص بلا منافس رئيساً للجمهورية. كما استمرّت القسوة القاسرة أساساً للمراس في الحكم يدّعيه أصحابه "عهدًا قويًا".
 
إنما القوة في الجمهورية لا تأتي من الهيمنة بطبائع الاستبداد الملازمة للعهد تعييناً وتطبيقاً، بل تأتي في فلسفةٍ للحكم تقوى بِحَرْف الدستور لا بتعطيله.
 
في عودة مختصرة إلى السنوات الثماني العجاف التي رمت البلاد في الجحيم، تتماهى جذور الخلل بانتهاكات الدستور المتتالية من قمعٍ للحريات بدأ بتسليط النيابات العامة على حرية الصحافة واستمرّ بضرب الناس وتوقيف أشجعهم وحبسهم لوقفتهم في الشارع دفاعًا عن لبنان حرّ.
 
بياننا اليوم في كيفيّة الخروج من هذه الدوامة اللاقانونية، من القمّة، أي من رئاسة الجمهورية، وإرساء عهد جديد مبني أولًا وآخرًا على دستور لبنان وقوانينه المتجدّدة.
هي فرصةُ بلدنا تأتي عبر التركيز الدستوري على انتخابات رئاسية تتطلب من المجلس النيابي أن يترك كل شأن سواها حتى تتمّ في شهر أيلول الجاري. في الترتيبات الأولى الخاصة بانتخاب الرئيس، ومنها في نسخة غير منشورة تمّ العثور عليها حديثًا في أوراق ميشال شيحا واضع الدستور اللبناني، أن ترَشيحَ الرئيس "لا يكون إذا لم يتمّ وضعه من قبل خمسة أعضاء من المجلسsi sa candidature n’a pas été posée par cinq membres [du parlement] ". ولأن هذا التحديد كان مقترناً بصلاحيات مفوّض فرنسا السامي، زال عفوًا من نص دستورنا، فوجدنا أنفسنا في مهبّ الريح عند افتتاح كلّ جلسة انتخابية للرئاسة، من دون معرفة من هو مرشّحٌ للمنصب في البلاد أصلًا.
 
هذه الهفوة العرضية لا تمنع انتخابَ الرئيس، شأنه شأن الانتخابات النيابية، من أن يكون صحيحًا ببنائه على مبدأي الحرية الملازمة لطبيعة لبنان والتنافس الديموقراطي السليم في اقتراعٍ لممثلينا للمناصب الرفيعة في البلد.
 
أما ولئن جاءت الحرية أساساً للكيان الوطني، فغيابُها في الانتخابات الرئاسية منذ اندلاع الحروب اللبنانية في عام 1975 عَنَى الجلجلة اللبنانية في فرض المدفع والرصاصة لمن يتمّ تعيينه رئيساً، والحالة مستمرة طالما لم يترك أصحاب السلاح سلاحهم جانبًا. وإذا كان الانتخاب التنافسي هو الأصل فلقد غاب عن البلاد منذ عام 1970 بتدخّل الدول الأجنبية العسكري الى جانب هذه الفئة أو تلك . لا معنى في الجمهورية لما يسمّى بالرئيس التوافقي متى احتُرمت الحرية وصار التنافس حضاريًا على المنصب.
 
لهذا أهمية التزام الانتخابات الحالّة في الشهر المقبل بحسب المواقيت الدستورية الصارمة. فلا دور للدبابة والبندقية في ترجيح شخص الرئيس، ولا محلّ لتجاهل المبدأ التنافسي الذي يسمح الخروج من بدعة الرئيس التوافقي ويخلق منافسِين يمثّلون نواة معارضة صحيّة لرئيس منتخب بالأغلبية. فكما أنه لا جمهورية من دون التنافس في الشأن العام، كذلك لا ديموقراطية من غير معارضة داخل المؤسسات وخارجها.

2. في مبادئ الثورة والتمسّك بها رئاسيًا
 
لا يأتي تاريخ لبنان القريب من فراغ، فقد خرج شعبُنا في ثورة جامعة ميزاتها الأهم في بعدها الوطني غير الطائفي، وريادة نسائها، وإيلاء المسؤوليات إلى أصحاب الكفاءة والاختصاص، ودعوتها الى محاسبة المسؤولين سياسياً وقضائياً. المحاسبة ركن أساسي في دولة القانون.

لقد أُجهضت الثورة في طموحاتها، فالبلد لا يزال طائفياً، ونساؤه لا يزلن مهمّشات في صنع القرار، والمحاسبة لم تحصل لا سياسياً ولا قضائيًا. فباستثناء إجبار رئيسَي حكومة على الاستقالة، بقيت المنظومة الحاكمة على حالها فيما تشبَّث صاحب العهد بكرسيه في القصر وكأن شيئًا لم يحدث من انهيارٍ للبلاد اقتصاديًا ومؤسساتيًا، وتابع تعطيلَه للحكومات المتتالية، فانفجار المرفأ وهو كان يعلم بالخطر الداهم على بيروت وادعى أنه "عَمل اللازم"، فانتهى "اللازم" بالمجزرة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ المدن الحديث. والمحاسبة لم تتم قضائياً، فالعصفورية الدستورية تحوّلت في السنتين الماضيتين الى عصفورية قضائية يتطاحن بعض القضاة فيها علناً، فيما جميعهم مجبرون على تدارك الحسابات والمحسوبيات غير المسبوقة في تاريخ قضائنا.
 
الثورة إذاً أُخمدت في طموحاتها، إنما مبادئها الراقية قائمة، تُشرّف الوطن وأهله، خاصة أن سَهَر المواطنين والمواطنات مستمرّ في الامتناع عن العنف مهما عظُمت ضائقتهم، ونساؤنا اللبنانيات لا يزلن القدوة في رفض العنف، والمحاسبة السياسية والقضائية لا تزال مطلباً ملحًّا وواسعاً من الناس. هذه المبادئ الراسخة في قلوب مئات الآلاف من الثوار الذين نزلوا الطرق والساحات هي خارطة الطريق المثلى، على أي رئيس جديد للجمهورية احترامها، لا حاجة له سوى اعتناقها وتوضيبها وتوسيعها وترسيخها وتطبيقها منذ اليوم الأول من عهده.
 
فالرئيس الـمَروم مضطرّ إذا أراد النجاح على التخفيف من وطأة الطائفية على مؤسسات البلد وتعاطي المنظومة الطاغية على أساسها، كما أنّه مضطرّ إذا أراد أن ينجح بنقلنا من ذكورية جامحة الى مساواة المواطنة والمواطن في الجمهورية، فيوجّه التركيبة الحكومية نحو المناصفة في مراكز القرار التنفيذي والإداري جميعاً، وقد يكون وصول امرأة إلى سدّة الرئاسة بادرةً حيّة متى كانت الكفاءة أساسَها. هذا الاهتمام نفسه كفيلٌ بنقل البلاد من الطائفية الطاغية عليه الى تصدير الاهتمام الوطني عليها في المساواة بين المرأة والرجل في القرارات العليا، وتصدير الكفؤ على الجاهل، والخبير على المراهق، والصادق على الأفّاك، والمهذّب على الوقح. كما أن الرئيس الجديد مضطر، إذا أراد أن ينجح، إلى ابتكار طرق فعالة لمحاربة الفساد المستشري بسبب انعدام المحاسبتين السياسية والقضائية في عهد سلَفِه.
 
ولا بدّ لمثل هذا الالتزام أن يكون مقروناً بالعِلْم، ليس فقط لأن مستقبلنا الملحّ منوطٌ أيضاً بمعرفة عميقة في العلوم الدستورية والدولية لمعالجة قضايا الحدود كما الأزمة المعيشية والاقتصادية المستشرية، مثلاً في إحياء عملة وطنية صارت خرابًا، وفي توفير الجهد اللازم لإعادة الودائع المنهوبة في مصارفه، وفي تحويل شروط صندوق النقد الدولي المعهودة الى برنامج أقرب منه الى خطّة إحياء أوروبا الغربية بعد دمار الحرب العالمية الثانية، وفي جعل الحكومات الغنيّة تتحمّل مسؤولياتها في دعم لبنان وهي تدّعي مساعدته من غير أن ترفع إصبعًا ضدّ مسؤوليه الفاسدين. وعلى العمل الرئاسي أن يكون أيضًا مقروناً بالعِلْم في نقل الأزمة الحرارية نوعيًّا الى تقنيات شمسية وهوائية ومائية، وتسيير العربات كهربائياً للتخفيف من التلوث القاتل، واسترجاع بحرنا نقيًّا حرًّا، وجبلنا مشجّرًا أخضر، وإعادة العبرة الى التعليم الذي تفوّق به لبنان في الأدب الرفيع والمستشفيات المتقدمة والجامعات العالمية. هذا كلّه يحتاج الى رؤيا وعلم ونقاش عام ينضمّ اليه المواطنون بفعالية لينجح.
 
وكما أن التقدم الاقتصادي مرهون بالتقدم التكنولوجي على ضوء الطاقات اللبنانية المهدورة ما بين تهجير "من لا يعجبه العهد"، والقضاء على جامعتنا الوطنية العريقة، وإفلاس المدارس القدوة بفضل انفتاحها على الغرب وتأدية رسالتها الفريدة في وصل الشرق المتأخّر به، هذا كلّه يحتاج الى قيادة متجدّدة تتمتع بمعرفة متألقة وخبرة عالمية من معاونين قدوة في القصر الجمهوري كما في سائر الرئاسات الوطنية.
الثورة اللبنانية عنوان فخر كبير بما أنجزته، رغم إجهاضها على يد منظومة سياسية مهترئة وفاسدة أرجعت البلاد عقودًا من الزمن المتقهقر أغرقَ الحياة اللبنانية في المجاعة والهجرة والفقر المدقع والعتمة والافلاس، وخواء المؤسسات جميعًا، وجعل معاش الموظّف والجندي لا يساوي فِلسًا، وأمعن في ذَلّ المواطنين طوابيرَ أمام محطات الوقود والأفران، حائرين في لقمة العيش.
 
الثورة حقيقةٌ ومثال لا تنجح الرئاسة سوى باعتناق طموحاتها الجليّة بنهجٍ يستقي مُثُلَه من تراثها الناصع.

3. في منع التدخل الخارجي في الانتخابات الرئاسية
 
يتميّز تاريخ الرئاسة في لبنان بالتدخلات الأجنبية العسكرية لتقديم مرشّح على مرشّح آخر عنوةً. فتطاحَن في بدايات حروبنا الأهلية والإقليمية سلاح منظمة التحرير الفلسطينية مع سلاح النظام السوري، تبعه اجتياح اسرائيل عام 1982 لفرض مرشّحها الرئاسي، فَدعْم صدام حسين لانقلاب عسكري لنُصْرة من قام به، فالهيمنة السورية المتجدّدة على الرئاسة حتى ثورة الأرز، فالسلاح الايراني الذي أدخل البلاد في معركة عبثية دمّرتنا وحمت الرئيس المفروض سوريًا من وقفة الشعب ضدّ تمديده القسري، والسلاح ذاته جمّد المسار الرئاسي بغزوة بيروت وفرض المعادلات الاقليمية على تعيين الرئيس في الدوحة دون تعديل دستوري، وإدخال لبنان في معارك خارجية لا شأن له بها، ومجدداً تعطيل الانتخابات الرئاسية على امتداد عامين بالسلاح لفرض مرشّح أوحد – وهو نفسه مرّة أخرى - ، ومنع أي شخص آخر عن الرئاسة.
 
هذا تاريخ مرير تتيح الانتخابات الرئاسية القادمة، إن حصلت أصلًا، وان كانت فعلاً انتخابات حرّة، أن تمنع تكراره. صحيح أن الفئات السياسية ذاتها التي عطّلت المسار الرئاسي عامي 2007 و2014 لا تزال موجودة. إلا أن الثورة اللبنانية أضعفت شوكتها، وجعلت صهر العهد غير قادر على الوصول الى الوزارة بعد عام 2019 رغم جثومه اليومي على صدور اللبنانيين في رحاب القصر الجمهوري. الضغط الشعبي حقيقة، والأغلبية في المجلس قادرة على منع تكرار تجربة 2016 المرّة، وأن تستعمل هي أيضاً أساليب التعطيل المنافية للدستور إذا شاءت. هذا المسار ممكن درايته بتقديم الصواب الدستوري في عملية انتخابية تتمّ في موعدها المنصوص عليه دستوريًا في انتخابات حرة وتنافسية.
 
السوابق في تاريخنا الرئاسي ليست مشجعة. لكننا، وفي هذه المرحلة الدقيقة بالذات، نأمل أن تكون كفّة الثورة اللاعنفيّة، ولأول مرّة في تاريخنا منذ عام 1970، قادرة على إلزام المجلس بالاستحقاق الدستوري، كما أن تكون قادرة على ترجيح مسار ديموقراطي دون طغيان الرصاصة وتعطيلها للعملية الديموقراطية بمنع التنافس الصحّي على مسارها، والابتعاد عن آفة "تعديل الدستور ولمرّة واحدة فقط"، والاتكال على أنفسنا وعدم استجداء الخارج في معركة لا تسمح السيادة الوطنية تدخّله فيها.

4. في مقاربة مختلفة لمكانة لبنان إقليميًا ودوليًا
 
متى تمّ لجْمُ التدخل الخارجي وامتناع الفرقاء اللبنانيين عن اللجوء اليه حشداً لحظوظ مرشحه الرئاسي، ثَبت أيضاً مبدأ سياسة إقليمية ودولية وحده لبنان قادر في تكوينه السكاني ومعالم جغرافيّته على تأديته رسالةً كونية جامعة. لبنان تأذى في الخمسين عاماً الماضية من وضعه بين مطرقة دولة أجنبية وسندان دولة أخرى، تارة سوريا وإسرائيل، وتارة إيران واسرإئيل، وتارة إيران والمملكة العربية السعودية، وفي الآونة الأخيرة جبهة تسمي نفسها بالممانعة في مقابل الغرب وحلفائه الإقليميين.
 
لا مجال لبلد صغير ومسالم مثل لبنان تخطّي هذه الحقيقة الإقليمية والدولية من دون التمسّك بدستوره والمبادئ المكرّسة في مقدمته، وهي استقلاله في حدوده الدولية المعتبرة عالمياً والحفاظ على تراثه المؤسس في منظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية.
 
لا مجال هنا للطوباوية ولدفن الحقائق الطاغية في هذين البعدين، وتداعياتهما الدولية في العقد الأخير من تباعد بين روسيا والغرب تجلى أسوَؤه في الحرب الأوكرانية، واشتداد تنافس مقلق بين الولايات المتحدة والصين. كما أنه لا حكمة في التغاضي عما آلت اليه العلاقات العربية من تردٍّ لا سابق له بين دولها، أهمها قطيعة البعث الحاكم عن تاريخ سوريا العربي، وانشطارها ملعبًا إقليميًا ودولياً قاتلًا يطغى على شعبها منذ عقد. حروب سوريا الطويلة تهدّد الكيان اللبناني في صميمه إذا اتبع مساراً عنيفاً كالذي طغى على جارته ملعبًا للدول.
 
أما تمايز لبنان الذي قد يمنع هذا الانزلاق، فهو في توقه الدائم الى الديموقراطية ورفض سيطرة فئة على أخرى، كما ترفّعُ الثورات اللبنانية عام 2005 وعام 2019 عن اللجوء الى العنف لتحقيق أهدافها. هذا كنز تراثي يعبّر عن حِكمة اللبنانيين الغاضبين في رفض العنف وسيلةً للسلطة مهما اشتدّ غضبهم، وعن تعلّقِهم بالحرية المكرّسة في دستورنا أمام العنف العاتي من قبل عهد محاصر بإخفاقاته ومقوّض بفساد عائلي لا سابقة له في تاريخنا منذ المتصرفية.
 
الرئاسة اللبنانية المطلوبة هي التي تقدّر دقّة الوضعين الإقليمي والدولي بتواضع يمليه دستورنا، ليس بسلبية في العمل الخارجي، بل في تقديم الرسالة اللبنانية المستقلّة على إلحاق لبنان باصطفافات إقليمية ودولية لا مجال لبلد صغير بحجمه أن يؤثر فيها وأن يحفظ استقراره الداخلي متى اختار هذه الجبهة أو تلك. ولا حاجة لتقوقع لبنان حضاريًا، بل رفضُنا للسلبية في الشأن الخارجي مداه مرسومٌ بمبادئ دستورنا في عودة لبنان منارةً عربية وعالمية للحريات الممنوعة عن جلّ دول المنطقة، بما فيها الحقيقة العربية في نصف سكان دولة تدّعي الديموقراطية وهي تحرمهم أبسطَ حقوقهم الوطنية والمواطنية.
 
من الحكمة إذًا في أية سياسة خارجية الابتعاد عن معارك مدمّرة لنا مع دولة معسكرة بسلاح غربي غير محدود، والاستمرار في الوقت ذاته في احترام مبادئ القانون الدولي، أهمها حقّ كل مهجّرٍ العودة الى بلده. نحن في لبنان عرفنا قساوة التهجير، وقد طال كلًّا منا داخلياً ودولياً في حروبنا المدمرة. فلا مبدأ يعلو على حق المواطن بالعودة الى وطنه، ولا بأس من لحظ نجاحنا النسبي في احترام المهجَّر اللبناني ومساعدته على عودته الى دياره. عودة المهجّر الآمنة حقّ عالمي مكرس في القانون، يشمل في لبنان الآلاف المؤلفة التي نتجت عن حروب فلسطين وسوريا.
 
كما لا بدّ من لحظ إخفاق الدولة من حلول الهجرة الجماعية التي ترى أفضل بناتنا وأبنائنا يتألقون في الدول التي لجأوا اليها، في حين يحتاج لبنان الى علمهم وطاقاتهم ليخرج من الجحيم الاقتصادي الذي أقحمه فيه التعطيل طوال سنواته العجاف. والتعطيل آفة في الحكم يتباهى به العهد في وصول صاحبه اليه واستمراره في تكريسه بمنع قيام مجلس وزراء برئيس منبعث من خيار المجلس، وكأن قرار المجلس الدستوري عام 2014 بعدم دستورية التعطيل حبر على ورق.

5. عودة الى الدستور حلًّا
 
القراءة المقتضبة التي نقدِّمها اليوم مبنية على قناعاتنا بأن دولة الدستور والقانون المتجانسة مع عهد مختلف الفلسفة والأداء يتطابق في الصميم مع ما نريد الرئاسة العتيدة أن تمثّله.
 
فالدستور لا يقوم من دون فصل حقيقي للسلطات يحترم مقام رئيس الوزراء في ثنائية السلطة التنفيذية. كما أن الدستور لا يقوم بالعمل المستمر في تجاهل المجلس النيابي في سياسة الدولة العامة وتهميش تشريعه. والدستور لا يقوم بالبطش واستعمال القوة وتسخير القضاء في التعامل مع المواطن. والدستور لا يقوم من دون تنافس حرّ وشفاف بين التائقين الى المناصب العليا. والدستور لا معنى له إذا لم يكن المواطنون والمواطنات في حساب العمل الحكومي أياً كان، بدايةً في احترام الحريات والحفاظ على الطاقة اللبنانية العظيمة المهدورة في هجرة جارفة سببها الأداء الحكومي السيّئ. والدستور لا يقوم متى تجاهَلَ مبادئ ثورة عارمة أرادته فيصلاً لها ومنطلقاً للإصلاح المنشود في ميزاتٍ أهمُّها نبذ العنف والريادة النسائية وتساويها مع الرجال في تمثيل القرار الصحيح للمجتمع اللبناني. والدستور لا يقوم من دون محاسبته القانونية والقضائية للانتهاكات اليومية بسلاح متفلت يقتل الأبرياء، وتغطية القضاء الجنائي للجناة فيما مجزرة العصر لا تزال بدون محاسبةِ مَنْ هَلَك مئتا مواطن بسببه، ودُمِّر أهمُّ مرفق اقتصادي بالتّمام جرّاء ادعائه بفعل "اللازم". والدستور لا معنى له إذا بقيت الطائفية مانعة لما جاء في مادته السابعة من تقدّم المواطن فقط بتفوّق علمه وخبراته ونقاوة سيرته وتاريخه، والشهادات العليا أكانت جامعية أو ناجمة عن إنجازاته، ومعرفته بالدعائم العِلمية لمستقبل لبناني يحترمه العالم بمن تألّق دوليًا من أهله.
 
والدستور معرّض للقتل في وجود لبنان في قلب الأعاصير الإقليمية والدولية، فلا مجال للخروج من الدوامة الدامية سوى بالترفّع عن شدِّه إليها قسرًا بحجة ممانعة ما أو نقيضها في أحلافٍ تدمّرنا. والدستور لا معنى له إلا باستقلال لبنان وتصدير أفضل ما تقدمه السيادة من رسائل علمية وأدبية وقانونية جميعها مستقبلي ومستنير، بما يمنع هجرة أولاده المتنامية، بل يشجع من كان خارجه إلى العودة إليه.
 
رئيس الجمهورية حامي الدستور الأول. لا معنى لعهدٍ لا يمتثل بدستور لبنان في أفضل ما يقدّمه إطاراً لحياة المواطن.

6. في المرحلة القريبة 
نجتمع اليوم حول هذه الرسالة، أيامًا قبل افتتاح الجلسة الانتخابية المرسومة دستوريًا، مذكّرين بقرار المجلس الدستوري القاضي بأن "تعطيل المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، انتهاك فاضح للدستور".
 
نتيجة هذه القراءة المختصرة لرئاسة في مهبّ رياح السلاح الإقليمي ومن يستعمله لفرض مرشّحه بالقوّة، أننا اليوم أمام مفترق. فإما أن نمنع المسار الانتحاري على من كانت قناعاته ليست نابعةً من لبنان مستقلّ، وإما أن نمتثل لمنطق الدستور في المبدأين الراسخين ديموقراطيًا: احترام المواقيت الدستورية الصارمة التي وضعتها موادّه، والتي تقضي بضرورة إجراء الانتخابات خلال شهر أيلول، واقتصار عمل المجلس على الانتخابات دون أي عمل آخر.
 
لا سلاح لنا سوى قوة كلمتنا وعملنا على إقناع مَنْ داخل المجلس والمواطن خارجه بوجهة نظرنا هذه. أما ترجمتها في الأفعال، فهي مرتبطة في نهاية المطاف برئيس منتخب، نسعى اليه بدفع النواب جميعًا على أداء فريضتهم الدستورية. ونبقى في يوم الانتخاب في بيوتنا لنحضر المسار الانتخابي الحضاري في المجلس النيابي في التنافس على الرئاسة، ونهنئ أم نحزن للرابح والخاسر. أو نعود إلى الضغط الحضاري ووقفات الشارع لمنع الفراغ الرئاسي حتى اكتمال الاستحقاق الدستوري ديموقراطيًا.
 

وقّع على هذه الدراسة كل من: هنا جابر، شبلي ملّاط، شكري صادر، نوال المعوشي، جورج تامر، جولي دكاش، حسين علي عطايا، ريمون متري، سمر باسيل، فريد فخرالدين، ايزابيل ادّه، جميل مروّه، سليم مزنّر، دينا سو مسلّم، فيليب سالم، سليم المعوشي، أسما ماريا اندراوس، رجينا قنطرة، لينا حمدان، أنطوان شختورة، فارس سعيد، مصطفى علّوش.



 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم