السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

سيناريو ما بعد 31 تشرين...

المصدر: "النهار"
رولان خاطر
الرئيس ميشال عون (نبيل إسماعيل).
الرئيس ميشال عون (نبيل إسماعيل).
A+ A-
ينتظر اللبنانيون بشغف انتهاء عهد الذل، والمصائب، والكوارث، والويلات، ليخرجوا من جهنّم إلى سماء الحياة. ولو أنّ الضبابية تحكم المرحلة المقبلة، إلاّ أن المهم إزاحة حجر هذا العهد عن حياتهم علّ دينامية جديدة في الأفق غير منظورة تنبئ بقيامة جديدة لهم، وللبنان.
 
كل المعطيات تؤشّر إلى أنّ اليوم الثاني وما بعده من نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، سيبقى محكوماً بمعادلة "اللا دولة واللا رئيس". بمعنى، شغور بالشكل والممارسة على كل المستويات، من الرئاسة إلى الحكومة إلى غياب القرار والحضور الرسمي للدولة في كل الميادين والساحات. علماً أنها ليست المرّة الأولى التي يعيش فيها لبنان هذه التجربة، فهو اعتاد ممارسات فريق 8 آذار في "الفراغ"، أكان في الـ2008، أو في الـ2014، حتّى اليوم.
 
وبعيداً عن المراجع القانونية لفريق "التيار الوطني الحرّ"، تُجمع كلُّ المراجع القانونية الأخرى على عدم وجود فراغ في حال رحيل رئيس الجمهورية من دون انتخاب رئيس جديد، بل شغور، تنتقل خلاله السلطات الرئاسية بحسب الدستور إلى الحكومة مجتمعة. وفي هذه الحال، إلى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي يعتبر الكثيرون أنّ دورها هي أيضاً يقتصر فقط على تسيير الأعمال منذ الانتخابات النيابية الأخيرة في أيار الفائت.
 
ونظراً لعدم تفسير موحّد لمواد الدستور، الأمر الذي ترك مجالاً للاجتهادات والتناقضات التي يلجأ إليها كلُّ فريق من أجل تبرير مواقفه، من المتوقع أن تنشب في المرحلة المقبلة معركة صلاحيات في حال عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية أو عدم تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات كما يُقال.
 
إذ في الأساس، المسار الطبيعي الذي يجب أن يدركه المسؤولون اللبنانيون هو انتخاب رئيس للجمهورية قبل 31 تشرين الأول بالدرجة الأولى، ومن ثم تشكيل حكومة مغايرة لكل الحكومات السابقة التي حكمت البلد لكنّها شلّته، انطلاقاً من أكذوبة "الوحدة الوطنية".
 
أمّا الواقع، فهو غير ما يؤمل به، إذ أن المسار ينبئ بشغور على مستويين، رئاسي وحكومي، وهو ما سينعكس تشنجاً وصراعاً لا يمكن معرفة نهايته أو التنبؤ بتداعياته.
 
 
قانونيّاً
أستاذ القانون في الجامعة الأميركية الدكتور أنطوان صفير، يقول لـ"النهار": "الوضع الدستوري ليس في أحسن أحواله لأنّ المواقيت الدستورية لم تُحترم، حيث لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهل المحدّدة، وهذا عمل لا يتلاءم مع أحكام الدستور، وتَسلُّم الحكومة وكالةً صلاحيات رئيس الجمهورية، أمر استثنائي جداً على أمل أن يتم انتخاب رئيس في أقرب فرصة لتعود الأمور إلى نصابها وإلى طبيعتها في المؤسسات الدستورية، وتعود الى العمل وفق أحكام الدستور ووفق الفصل بين السلطات.
 
من جهة ثانية، يضيف صفير، "الحكومة التي تقوم مقام الرئيس وكالةً لا يمكنها القيام بكلّ مهام رئيس الجمهورية، لأنّ هناك صلاحيات منوطة بالشخص وبالتفاعل بين مؤسسة مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، إذ لا يمكن أن يقوم مجلس الوزراء بمقام الاثنين معاً، لذلك يؤخذ الموضوع في نطاقه الضيّق لا في نطاق النص الدستوري، إذ أنّ هناك روحية الدستور المهمة التي تشير إلى أنّ المرحلة جدّ استثنائية وقصيرة حتى يتم انتخاب رئيس ويقوم بمهامه. والحكومة إضافة إلى أنها مستقيلة بحكم النص فهي حكومة تصريف أعمال أيضاً، وبالتالي هناك علامات استفهام حول مشروعيتها، وهذا يقلّل من قدرتها على القيام بكل الصلاحيات المنوطة بها كحكومة".
 
أمّا في الموضوع القضائي، فبحسب صفير، "يعيش القضاء أياماً سوداء لأن المسألة تتعلق بسلطة منوط بها تحقيق العدالة فيما هي غير قادرة على تحقيق العدالة لنفسها لكي تقوم بمهامها في أجواء من الإيجابية إذا جاز التعبير، وتأمين حدّ أدنى من الخدمات وصولاً إلى موضوع استقلالية القضاء والقضايا الأساسية الكبرى التي أعاقت عمل القضاء وتدخّلت بمساراته المختلفة وجعلت منه متاريس للسياسيين، وهذا ما يرفضه القضاء الحرّ في لبنان ولا يقبل به، لذلك جاء موقف الاعتكاف بغضّ النظر عن النتيجة التي سيأتي بها هذا الاعتكاف".
 
الخبير الاستراتيجي الجنرال خليل الحلو يعتبر بدوره أن هناك "فراغاً سنعيشه في رئاسة الجمهورية، لكن هناك حكومة موجودة، وهذه الحكومة لم تقدّم استقالتها، إنما استقالت حكماً بنص دستوري نتيجة الانتخابات النيابية، وتشكيك "التيار الوطني الحر" بشرعيتها ينبئ أننا سنكون في فوضى دستورية. ويرى أنّ العديد من المراجع ستبقي على تواصلها مع هذه الحكومة على أنّها تمثل حكومة لبنان وستنتقل إليها وفق الدستور صلاحيات رئيس الجمهورية".
 
 
اقتصاديّاً
أزمة الشغور تنعكس خوفاً على المستوى الاقتصادي والمالي، ومن دخول المؤسسات في حالة جمود، لينعكس تجميداً للملفات المطروحة، وتحديداً المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، إلى ملفات مالية واجتماعية أخرى. وفي الإطار، يتوقّع الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة أنه في حال وقّع رئيس الجمهورية على ما سمّاه مرسوم استقالة الحكومة فهذا سيضعفها معنوياً ولو أن هذا الإجراء لن يغيّر في الواقع على الأرض، وهذا يعني أن المفاوضات الرسمية مع صندوق النقد الدولي ستتوقف، لأن الصندوق لا يتعاطى إلّا مع حكومات أصيلة، لكنه رأى أن الاتصالات ستبقى قائمة من دون معرفة المدى الذي يمكن أن تؤدي إليه هذه الاتصالات".
 
أمّا على صعيد مؤسسات الدولة، فسيصيبها الوهن والاهتراء بحسب عجاقة، لأنّ "خروج أيّ موظف إلى التقاعد على سبيل المثال سيتم تعيين بديل عنه بالإنابة، وفي العادة الشخص المعيّن بالإنابة لا يتمتع بكامل الصلاحيات التي يتمتع بها الموظف الأصيل، وهو ما ينعكس على أداء المؤسسات الرسمية".
 
وفي ما خصّ سعر صرف الدولار وما يمكن أن يصيبه من تفلّت جراء الشغور، يقول عجاقة: "على اللبنانيين أن يعلموا أنه صحيح أن الحكومة كانت موجودة لكنها لم تقم بأيّ مبادرة إيجابية لضبط الدولار، هي لم تحارب المضاربة، لم توقف التطبيقات ولا التهريب، ولا تقوم بإعادة هيكلة للقطاع المصرفي، ولا الاتفاق مع صندوق النقد، بغضّ النظر عن قصد أو عن غير قصد، وبالتالي في غياب الحكومة او الرئيس، الأمور ستبقى كما كانت، عملية تآكل متواصل للوضع الاقتصادي والمالي، من هنا يكمن الخطر الفعلي بردة فعل المواطنين إذا بدأوا يختبرون الجوع الفعلي، واستمرار تردّي الوضع الذي يمكن أن يوصل إلى الفوضى وعدم الاستقرار الأمني".
 
 
عسكريّاً وأمنيّاً
التفلّت الأمني والفوضى في الشارع، إلى عمليات السرقة والتجاوزات، أمر تتوقعه قادة الأجهزة الأمنية، وهم، بحسب معلومات "النهار"، يعملون على وضع خطط ما بعد 31 تشرين الأول، تهدف إلى محاولة ضبط أي تفلّت أمني في أي منطقة من لبنان نتيجة الوضع الاجتماعي والاقتصادي الهشّ. وهذه الخطة من شأنها أن تصل إلى أعلى درجات الاستنفار، وتكون على شكل إعلان حال طوارئ في البلد، إذا ما انزلق الوضع باتجاه الأسوأ، فتتوزع المهام العسكرية والأمنية على الأجهزة العسكرية والأمنية كافة، وسط خطة أمنية يترأسها قائد الجيش بمعاونة قادة الأجهزة الآخرين.
 
لكنّ التخوّف اليوم يتعلّق بوضع قيادة الجيش في ظلّ اقتراب قائده جوزف عون من سنّ التقاعد، إضافة إلى رئيس أركانه أمين العرم. وفي السياق، يطمئن الجنرال الحلو، عبر "النهار" أنّ "أيّ فراغ في رئاستي الجمهورية والحكومة لن يؤثر على الجيش، لأنّ هناك قوانين عسكرية تحكم وضع القيادة، وفي حال خروج قائد الجيش على التقاعد، هناك احتمالات عدّة للحلّ، أولا، أن يعمد وزير الدفاع في الحكومة المستمرة، استنادًا إلى النصوص القانونية، إلى تمديد خدمة قائد الجيش أشهر عدّة، وهذه من صلاحيات وزير الدفاع منفردًا. أمّا الاحتمال الآخر، إذا واجه وزير الدفاع موريس سلام أي اعتراضات سياسية أو تشكيكاً بقراره، يمكن، بحسب القانون العسكري، أن يتسلّم رئيس الأركان مهام قائد الجيش، واذا حصل وخرج رئيس الأركان على التقاعد، يتسلم المهام الضابط الأعلى رتبة في الأركان برتبة عميد، وبالتالي لا فراغ في المؤسسة العسكرية".
 
وعن سيناريو جرّ اللبنانيين إلى فوضى في الشارع للوصول إلى دوحة آخر تكون نتيجته تسوية يربح فيها "التيار الوطني الحر"، وينال "حزب الله" امتيازات في المواقع والنظام، يستبعد الحلو ذلك، ويقول: "سيناريو الدوحة حَكَمه توافق إقليمي، قطري إيراني سعودي بموازاة توافق دولي فرنسي أميركي وتوافق محلي، أمّا اليوم فلا يبدو أنّ أيًّا من أطراف الداخل في وارد التفتيش عن حلّ، ولا وجود للحلول إقليمياً ودولياً، وبالتالي لا سيناريو دوحة على المدى المنظور كالذي حصل عام 2008. إلّا أنّ المعطيات الداخلية تؤشر إلى أننا قد نذهب باتجاه عامل شبيه بالدوحة، لإنتاج تسوية تأتي برئيس توافقي، بعد الهرطقة الدستورية التي اخترعها الرئيس نبيه بري، والمتعلقة بانتخاب رئيس بالـ86 صوتاً. وهذا يتطلّب توافقاً بين الأطراف السياسيين، لكنّ السؤال هل هناك نيّة للتوافق؟ يضيف الحلو: "أنّه من جهة السياديين الإرادة موجودة أمّا لناحية الحزب فالأمر غير واضح. وبالتالي لا بوادر توافق حتى اللحظة".
 
 
فرق بين الأمس واليوم
يقول مرجع سياسي كبير لـ"النهار": لم تحصل الدوحة بين ليلة وضحاها بل نتيجة مشاكل وتراكمات لسنوات طويلة، لذلك سوف نرى ما بعد 31 تشرين الأول كيف ستكون طبيعة المواجهة إذا لم تتشكل الحكومة، خصوصاً أنّ هناك من يحاول على طريقته تلقّف الموضوع عبر الدعوة إلى طاولة حوار، لن تشارك فيها قوى سياسية عدّة ومن بينها "القوات اللبنانية".
 
ويضيف المرجع: "يجب التمييز بين تاريخين، ما قبل 31 تشرين وما بعده. ما قبل 31، هو جوّ من الضغط يمارسه العهد بأقصى ما يملكه من تهويل وتهديد وإجراءات غير دستورية، بهدف تشكيل حكومة يملك فيها حقّ الفيتو وإدخال وزراء يمثّلون توجّهاته العلنية. وهذا يعني أنّ هناك أهدافاً مرحلية للعهد، أوّلها الحكومة، وثانيها، عدم إجراء انتخابات رئاسية. وإن لم يحقّق هذا الهدف من الآن إلى يوم نهاية ولاية الرئيس عون، عندها يجب مراقبة الدينامية التي ستأخذها المواجهة ما بعد 31 تشرين".
 
ويذكّر المرجع السياسي بأنّ "عون 2022 هو غير عون 1988، لأنّه لا يملك مؤسسة عسكرية ولا صلاحيات دستورية، وأقصى ما يمكن أن يفعله هو بلبلة إعلامية لأنّ خطواته إعلامية وليست إجرائية، والدستور لا يعطيه الصلاحية للقيام بأيّ إجراء".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم