السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

"الزند" والعتابا بوجه البطش... صادق الصبّاح لـ"النهار": عاصي هو الشعب اللبناني

المصدر: "النهار"
إسراء حسن
إسراء حسن
الممثل تيم حسن في دور عاصي الزند.
الممثل تيم حسن في دور عاصي الزند.
A+ A-
مع تقدّم حلقات "الزند"، يبعث المسلسلُ الأملَ لدينا في إعادة لمّ شمل مكوّنات الدراما السورية، وتشكيل حالة إنتاجية جديدة، يتعاون فيها كلّ من الممثل والكاتب والمنتج لإعادة التألق إلى العمل الفني الإبداعي.
 
فمسلسل "الزند" يرتقي إلى مصاف كونه مادّة رمضانية تحترم المشاهد، وتقدّم له التاريخي والاجتماعي والإنساني في قالب ملحميّ متكامل العناصر نصّاً وإخراجاً وديكوراً وإنتاجاً كريماً، مع نخبة من الممثّلين السوريين، يتقدّمهم البطل تيم حسن إلى جانب فايز قزق، دانا مارديني، أنس طيّارة، رهام القصار، يحيى مهايني، نانسي خوري، باسل حيدر، مجد فضة، طارق عبدو، الفرزدق ديّوب، هبة زيني، نهاد عاصي، مازن عبّاس، طارق السايس، جابر الجوخدار، علاء الزعبي، سارة فرح، تيسير إدريس وجرجس جبارة.

أعادت الحبكة الدرامية (نص عمر أبو سعدة وإخراج سامر البرقاوي) المشاهد إلى حقبة الظلم التي كان يعاني في أثنائها الفلاحون في عدد من قرى الساحل السوري خلال الحكم العثماني، حيث ظهر بطش الباشوات، وتسلّط الإقطاعيين على أراضي الفلاحين وانتهاكهم لأعراضهم. لذلك، كان من الطبيعي أن يولد من رحم هذا الظلم شخصيّة عاصي الزند، البطل المختار.
 
 
عاصي الزند... ذئب العاصي
 
عاصي الزند فلاح عانى يافعاً مرارة الحياة، وعاين سفك دم والده مع والدته وشقيقته. قدره كان الهرب كي يعود بزند قويّ ليسترجع أرضه المسلوبة في إحدى قرى نهر العاصي.
 
هو ذئب العاصي، والعسكري الشجّاع الذي خاض المعارك ببسالة وشرف. لم يتوقّع أن تتعاظم ثورته لتتحوّل من بُعدها الشخصيّ إلى مواجهة نضالية في مواجهة الإقطاعي نورس باشا (أنس طيّارة)، الذي استغلّ الاضطرابات الداخلية في ربوع الدولة العثمانية كي يُرضي جشعه بـ"تشليح" المزارعين أراضيهم وجعلهم أجراء عنده.
 
تسع حلقات مرّت من "الزند" ولا تزال هذه الملحمة التاريخية في أوجها، تعرّف فيها الجمهور شخصيّة عاصي الزند الجديدة التي يؤدّيها الرائع تيم حسن، الذي يكشف في كلّ عمل جديد عن امتلاكه أدواته الدرامية - الأكاديميّة الخاصّة، وفوقها حنكة الممثل اللعوب الذي يستسلم طواعيّة للشخصية التي يؤدّيها، فيتماهى معها ليُصبحا واحداً. وقد يفسّر هذا النّهج، الذي يتقنه حسن، سبب الثقة العالية التي كان يتحدّث بها لدى سؤاله عن قدرته على التخلّص من عباءة جبل شيخ الجبل، إذ أتى جوابه في "الزند".
 
يمتّعنا تيم حسن بالشخصية الجديدة المميّزة: إطلالة بالشنب، شكّلت عدوى جديدة لدى جمهوره، مع لكنة ساحليّة يؤدّيها بإتقان، وخفّة دمّ سبق وطالبه الجمهور بالإكثار منها، خصوصاً في الجزء الخامس من "الهيبة"، وابن قرية متعصّب لعاداتها، وأخٌ وخال سند الظهر، ومعشوق من حبّ طفولته من جهة، ومن أخرى جديد بدأت رياحه تهبّ بنسمات لطيفة.
 
 
صادق الصبّاح: لا أقلق على تيم
 
يقول المنتج صادق الصبّاح في حديث لـ"النهار": "لا أقلق على تيم حسن من أيّ شخصيّة يؤدّيها، فأنا أعلم أنه يملك كلّ ما هو مطلوب من أدوات تمثيليّة تخوّله الثبات أينما كان. وأنا أعتبر أنّ ما يملكه بمثابة رزق وهبه الله له، إذ يقدّم كلّ فترة محوراً وشخصيّة جديدين".
 
كثيرون رأوا في القصّة المقدّمة تذكيراً بالبطل أبو علي شاهين، لكنّ الصباح يؤكّد: "ممكن، لكن القصة مختلفة، لأنّ المسلسل لا يزال في البداية. لهذا السبب على الجمهور أن ينتظر كي يكتمل المشهد، وعندها تتوفر إجابة شافية لهذا التساؤل".
 
بالنسبة إلى الصبّاح: "قدّم كلٌّ من عمر أبو سعدة وسامر البرقاوي عملاً موفّقاً، وسيحمل مفاجآت كثيرة في قلب الملحمة التي يتابعها المشاهد. بدأنا المشوار في جزء أوّل وسنكمله".
 
لكن من هو عاصي، ومن هو الباشا بالنسبة إلى الصبّاح؟ يجيب: "عاصي في الجزء الأول من العمل هو الشعب اللبناني، والباشا يُجسّد الطبقة الحاكمة في لبنان".
 
 
الإنتاج الدرامي
 
من الواضح أنّ مسلسل "الزند" ميزانيته "كريمة"، وقد ظهر ما خُصّص له بيّناً في الديكور، الأكسسسوارات، الممثلين، الجنود خلف الكاميرات، المؤثرات السمعيّة والبصرية التي لا يزال العمل جارياً على تنفيذها بحرفيّة عالية خارج لبنان. هذه الميزانية بتعبير الصبّاح ليست مدروسة بل مفتوحة فـ"لا يوجد ما يسمّى بميزانية مفتوحة، بل ميزانية محسوبة. لدينا المسؤول عن الحسابات في الشركة (الصبّاح إخوان)، ونعلم إلى أين نحن ذاهبون في كلّ عمل دراميّ نقدّمه. لكنني أعترف بأنها كبيرة نسبياً لـ"الزند" ومنطقيّة في الوقت نفسه".
 
إمكانات مماثلة وظّفت للهيبة فحقق العالمية، فهل تتكرّر التجربة؟ يجيب الصباح: "أتمنى أن يصل العمل إلى العالمية. على المرء أن يسعى، وليس بالضرورة أن يكون موفّقاً. ولكنني سأسعى لأجل هذا العمل بالذات كي يكون أفقه إلى الأعلى".
 
 
شارة العمل والفولكلور الفنيّ
 
أمام الأحداث ذات الوتيرة المتسارعة في كلّ حلقة، يأسرنا عالم آخر في المسلسل؛ عالم الحزن العميق المتجسّد في الموسيقى التصويريّة وكلّ موّال وردّة عتابا، بدءاً من شارة المقدّمة بصوت الراحلة نوف، وصولاً إلى أداءٍ مرهفٍ، قدّمته مهى الحموي في شارة النهاية "رفاق الدرب" للفنان برهوم رزق، مع لمسات توزيعية حديثة حملت توقيع الفنان آري جان، لتكتمل لوحة هذا الفولكلور الفنيّ العتيق بأصواتٍ نطقت تارة بنَفس الموجوع لغياب حبيب أو صديق أو ابن كما سمعنا بصوت الفنان سام عبدالله، وتارة أخرى تغزّلت بالحبيب كما فعلت سناء الغجرية (الفنانة سارة فرح).
 
 
يقول الناقد الفني جمال فياض في هذا الشأن: "من الطبيعي وجود الكلام، وهذه النغمة، وهذا النوع من المواويل في المسلسل، خصوصاً أن أحداثه تدور خلال الاحتلال العثمانيّ لبلاد الشام"، ويضيف: "المنطقة الساحلية فيها مخزون حزين بالغناء والمواويل والعتابا، حيث كان هناك الكثير من الظلم، خصوصاً في المرحلة الأخيرة، أي قبل سقوط السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، حين كان يقتاد الأولاد إلى السفربرك أو السّجن أو يُنكّل بهم. لذلك لم يكن يبقَى لدى الأم أو الزوجة أو الابنة سوى أن تشكي همّها بأغنية أو كلام. فهذه المنطقة تحمل مخزوناً شعرياً كبيراً، يبدأ من أنطاكيا وصولاً إلى جنوب لبنان وفلسطين. فالساحليّون يمتازون بهذا النوع الغنائيّ الحزين، وأتذكّر يوم قال لي الراحل منصور الرحباني: الزجل لأهل القرى والضيع وليس لأهل المدينة".
يتابع: "الإسقاط في الشارة عمل ذكيّ، وهذا أمر طبيعيّ عندما يكون هناك مخرج كبير كسامر البرقاوي، وفريق يعمل ويفكّر بالمنطق المناسب". ويتابع: "صوت مهى الحموي لا غبار عليه. بدأت من القرار إلى جوابات فيها درجة عالية من الحزن".
 
 
الغمزة السياسية
 
إذن، ثلاثيّة تيم حسن، سامر البرقاوي، عمر أبو سعدة، أثمرت، وباتت أحداث العمل تنتهي بتكهنات ونقاشات وتحليلات في تفصيل كلّ غمزة يحملها "الزند". وهناك شريحة متابعة للعمل وضعته في إطار الترويج للنظام السوريّ واستعراض لبطولات العلويين وتبرير لنضالهم في رحلة وصولهم إلى سدّة الرئاسة، خصوصاً أنّ أحداث المسلسل تجري في القرى الساحلية التي تشكّل حوض العاصي، وتُعرف باحتضانها نسبة كبيرة من العلويين. لكن ما غفل عنه المتابع أنّ بطل العمل تكلّم بلهجة ساحليّة مختلفة عن رفاقه وأعدائه الموجودين في قرى ساحلية أخرى، ليؤكّد أنّ التوسّع العثماني والظلم طال كلّ السوريين، ومن ضمنهم اللبنانيون آنذاك الذين نادوا للإصلاح، ودفعوا ثمن أصواتهم الثائرة سجناً وتعذيباً وموتاً.
 
العمل في جوهره العام لا يقدّم خطاباً مباشراً لشريحة محدّدة حتى وإن كثرت التحليلات. فالجهاد في سبيل قضية، ووجود الظالم والمظلوم، أمور ألفناها في التاريخ ولا نزال نعيشها في الحاضر. وهناك رغبة دائمة في قدوم شخص كعاصي الزند للوقوف بوجه المتسلّطين والمستبدّين الموجودين في العالم لا في عالمنا العربي فحسب.
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم