الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

دروس مستفادة من دراما رمضان 2023

المصدر: "النهار"
"تحت الوصاية".
"تحت الوصاية".
A+ A-
إيمان إبراهيم        


كان موسم دراما رمضان 2023 بالمجمل جيداً، بعض الأعمال قدّمت مستوى عالياً، وبعضها ترهّل مع تقدّم الحلقات، إلا أنّ القاسم المشترك بين معظم الأعمال، غرقها في سوداوية انعكست على النهايات المغمّسة بالوجع، منها ما يبدو مبرراً لخلق صدمة لدى المشاهد.
 
أربعة أعمال شاهدناها ورصدنا نهايتها، "تحت الوصاية" الأفضل دون منازع، و"تغيير جو" و"تلت التلاتة" خيبة الموسم الرمضاني، أما "النار بالنار" فرغم عثراته نجح في تقديم مشهد درامي أثار جدلاً لن ينتهي بانتهاء المسلسل. أربعة أعمال لا يشبه أحدها الآخر، تخلص إلى نتيجة واحدة، أن الورق هو الأساس، وأن النجوم وحدهم لا ينهضون بعملٍ يفتقر أهم أساساته.


"النار بالنار": نهاية مبتورة
عندما ترهّل المسلسل في حلقاته الأخيرة، ظننا أنّ الحلقة النهائية ستحمل معها حلولاً لعقد طرحها العمل ثمّ رمى بها جانباً، وانعطف بأحداثه نحو مسارات جديدة، إلا أنّ النهاية جاءت مبتورة.
 
انتهى المسلسل ولم نعرف مصير والد عزيز (جورج خباز)، أدخلنا المسلسل في دهاليز حول قضيته، ظننا أنّه يعالج قضية المفقودين المنسيين من الحرب الأهلية، إلا أنّ القضية شهدت تمييعاً. دخل عزيز أقبية ومتاهات وقابل شخصيات كان آخرها رجلاً غامضاً قابله في سيارة أخبره أنّ والده قد يكون على قيد الحياة، الحوار بُتر عند هذا الحد. حتى بارود (تيم عبد العزيز) وجد في بيانو عزيز المحترق صندوقاً يحمل شريط كاسيت ورسالة قد يكشفان مصير الوالد المفقود، احتفظ بهما ولم يسلمها لصاحبهما دون أي مبرر درامي. يبدو أن قضية والد عزيز كانت منطلقاً لتبرير حقده على السوريين فحسب، قبل أن يلتقي مريم (كاريس بشار) ويُغرم بها، وينتهي وهو يحمل تابوتها متّجهاً نحو الشام.

انتهى المسلسل ولم نعرف لماذا رضخ أهل الحيّ صاغرين لعمران (عابد فهد)، وكيف لرجل سوري أن يتحكم بحيّ لبناني بصورة فجّة، ولماذا أراد زكريا (طوني عيسى) تفجير الحيّ السكني؟ وماذا حلّ بسارة (زينة مكي) بعد اقتيادها إلى السجن؟

مع تقديرنا للنيات الحسنة، وأنّ العمل أراد أن يتحدّث صراحة عن علاقة اللبنانيين بالسوريين الذين نزحوا إلى لبنان قبل 12 عاماً، بعضهم ركب قوارب الموت وهاجر، وبعضهم فضّل البقاء هنا رغم انتهاء الحرب في سوريا، إلا أنّه لم ينجح سوى في تبرير النظرة العنصرية لدى شريحة كبرى من اللبنانيين ترى في النازحين أصل البلاء، وأنهم سبب ارتفاع معدّل الجريمة، وأنهم يزاحمون اللبناني في سوق العمل، ويتقاضون مساعدات من الأمم المتحدة، تمكّنهم اقتصادياً في البلد المضيف الذي يعجز الكثير من أبنائه عن تأمين قوت يومهم. ماذا فعل المسلسل؟ قدّم أسوأ نماذج لسوريين تجعل من غلاة العنصريين في لبنان ينظرون إلى العمل ويقولون "أرأيتم؟ هؤلاء الذين استقبلناهم يوماً، منهم البلطجي، ومنهم المجرم الذي يذبح في وضح النهار، ومنهم من حوّل أحياءنا الآمنة إلى مرتع للقمار والدعارة".

تبقى مريم بطيبتها، النموذج المضيء، تختصر كل طيبة أهل الشام، تعوزها الحجة لتقنع عزيز أننا وأنتم متشابهون. تُذبح هي في وضح النهار، وينجو عمران.

هل سيكون ثمة موسم ثانٍ يبنى على نجاح الموسم الأول متجنباً عثراته؟ لكن أين سيكون المزاج اللبناني والسوري في رمضان المقبل؟ وإلى أين ستكون قد وصلت قضية النازحين التي تشهد يومياً فصولاً جديدة لا يدرك أعظم كاتب سيناريو إلى أين ستؤول.

رغم عثراته التي سببها انسحاب كاتبه من حلقاته الأخيرة وتولي مخرجه محمد عبد العزيز كتابة الحلقات بالتعاون مع ورشة كتاب، يبقى "النار بالنار" واحداً من الأعمال الصادقة التي كنا نتمنى أن تسير بمسار تصاعدي، منطقي، بمستوى القضايا الكبرى التي طرحها في حلقاته الأولى.


"تغيير جو": دعسة ناقصة
لأن الضرب في الميت حرام، لن نحمّل المسلسل مزيداً من النقد، لم نكن ننتظر أن تكون حلقته الأخيرة منقذة للعمل الغارق في سطحية لا يرجى منه شيء.
 
انتهى نهاية متوقعة، على طريقة أفلام الأبيض والأسود الرومانسية، حين تقرر البطلة السفر لتهرب من خيبة عاطفية، وقبل أن تصل إلى بوابة المسافرين، تفاجأ بالبطل يسابق الرياح وهو يركض في المطار، يرجوها أن تبقى، فيتعانقان ويصفق الجميع فرحاً بالمشهد الرومانسي.
كنّا نظنّ أنّ مشاهد كهذه تنتمي إلى الزمن الماضي، حين كان الفن حالماً، وكانت التجارب قليلة، وكان المشاهد قنوعاً تفرحه النهايات السعيدة، ويصفق لكل ما يراه على الشاشة. لكن رغم أفول هذه الموضة توقعنا أن نرى مشهداً مماثلاً في "تغيير جو"، الذي يدهشك بمشاهده الكليشيه، وبأنّه كلما أراد التمايز يتحوّل إلى كوميدي بامتياز. مشهد جنازة وديع زوج زوزو (ميرفت أمين)، أقيم على طريقة الأعراس في الطبيعة، وارتدى المعزون الأبيض، وانتهى بعرض زواج وزغرودة. ومشهد حضور والد شريفة (منة شلبي) من مصر ليكون إلى جانب والدتها (شيرين) التي أدخلت المستشفى في حالة طارئة، كانت شريفة تظنّ أن والدها الذي انفصل عن والدتها منذ سنوات لا يأبه بهما، إلا أنه حضر من القاهرة إلى بيروت خصيصاً، وبكى زوجته الراقدة بين الحياة والموت وأخبر ابنته أنه يقف إلى جانبها، ثم بعد دقائق أفل عائداً من حيث أتى.

التراخي كان سمة العمل الطاغية، هو من الأعمال التي توحي أنّ الممثلين فيها يرتجلون حواراتهم وأنّ حوارات كهذه محال أن تكون مكتوبة على ورق قرأه الممثلون ووافقوا عليه.
 
دروس مستفادة من العمل، أن نجومية الممثلين وأماكن التصوير البديعة لا تصنع مسلسلاً، وأنّ الورق أولاً هو عماد المسلسل. يشفع لـ"تغيير جو" أنّه حملنا إلى جو جديد بعيداً عن السوداوية التي غرقت فيها الدراما هذا العام، وأنّه قدّم لبنان بأجمل صوره، بعيداً عن دراما الأزقة والأحياء المتهاوية التي تتصدّر المشهد الدرامي منذ سنوات.


"تحت الوصاية": القصّة بدأت
هو العمل النبيل الذي سيبقى محفوراً في ذاكرة الدراما العربية، كان عليه أن ينتهي نهاية مأساوية، أن يدمي قلوب المشاهدين، وألا يترك نقطة أمل مضيئة في نهاية النفق، ليكون شاهداً على عذابات الأمهات الأرامل اللواتي يعاملهن القانون بنوايا خبيثة، يحرمهن الوصاية المالية على أولادهن بعد وفاة الزوج، لتتسوّل الأم الأرملة مصروف أولادها من الوصيّ.
 
وصلت أصداؤه إلى الصحافة العالمية، أشادت به صحيفة "غارديان" الأميركية، بصفته القوّة الناعمة التي حرّكت المشرّعين باتجاه تعديل قوانين مجحفة. أبدعت منى زكي بدور حنان، الأرملة التي توفي زوجها وترك لها ولدين ومركباً كان مصدر رزقه، أصبح الجد وصياً على إرث الطفلين، يقتّر عليهما حتى قوت يومهما.

كاد الطفل ياسين يفقد عينه في ورشة الحدادة التي أرادها الجد بديلاً لحفيده من المدرسة، فحملت الأم طفليها وهربت تحت جنح الظلام إلى دمياط، بعد أن هرّبت المركب لتبدأ حياة جديدة مليئة بالتحديات.

لم يغرق المسلسل في الكآبة والسوداوية، رغم أنّ معاناة حنان هي تجسيد للسوداوية بأحلك صورها. في أيامها المتعبة، كانت تعود إلى طفليها تحتفل معهما بانتصاراتها الصغيرة.

حتى عندما قطع الجد عن أحفاده نور الكهرباء بعد تقاعسه عن سداد الفواتير، أشعلت حنان شمعة، واحتفلت بعيد ميلادها في غير أوانه مع ابنها ياسين، هي الأم التي تحيل الظلام نوراً.

في رحلة كفاحها، قدّم المسلسل حنان نموذجاً من لحم ودم، هي ليست جبارة لا تقهر، وليست هشة تكسر ولا تنهض من جديد، هي مزيج من كل شيء، قادها إصرارها وانعدام خياراتها إلى النجاح، أبحرت واصطادت وباعت صيدها الوفير وافتتحت مطعماً، وقبل أن تهنى بنجاحاتها، سيقت مخفورة إلى المحكمة لمخالفتها قانون الوصاية، وهناك طلبت من القاضي حق الكلام.

اعتقدنا أنّها ستلقي محاضرة تخبر فيها القاضي قصة أم هربت بطفليها لتنجو بهما من ظلم القوانين، كافحت ومرّت ليالٍ لم تنم فيها سوى ساعات قليلة، قارعت أعتى الرجال وتغلّبت عليهم، ثم سيقت مكبّلة كما المجرمون إلى قوس العدالة لكنها لم تفعل، أخبرت القاضي عن ياسين الذي يصاب بتلبّك معوي عندما يأكل الملوخية، وفرح التي تهدأ عندما تعدّ لها شراب الكراوية في كل مرّة تصاب فيها بالمغص، قالت له "هذه تفاصيل لا يعرفها عن الأطفال سوى أمهم، أخبرك عنها لتبلغ بها الوصيّ الذي سيعتني بأولادي عندما تزجّون بي في السجن بين القتلة والمجرمين"، ليخبرها القاضي أنّ مرافعتك هذه لا تنتمي إلى القانون وأنّ المحكمة تنظر في تطبيق القوانين فحسب.

كان بإمكان حنان أن تتحدّث بصوت مرتفع عن معاناة الأمهات وتثلج قلوبهن لكنها لم تفعل، ليست مهمة المسلسل مسح دمعة الأمهات اللواتي يعانين بصمت، بل أن يقدّم الواقع بأبشع صوره ثم ينظر للمشرعين وكأنه يقول "هذا ما اقترفته أياديكم".

"تحت الوصاية" مسلسل تبدأ قصته عندما تظنها انتهت، أبدع فيه كل الممثلين من منى زكي إلى رشدي الشامي ومها نصار ومحمد دياب والطفل عمر الشريف والطفلتين التوأمين فريدة وفرح اللتين تناوبتا على لعب دور فرح، مع نص متماسك لخالد وشيرين دياب وإخراج متميز لمحمد شاكر خضير.


"تلت التلاتة": سقطة غادة عبد الرازق
أدّت فيه غادة عبد الرازق دور ثلاث شقيقات توائم، اختصرت كل العمل بشخصها، فكانت النتيجة، ممثلين بأداء هشّ، إخراجاً متواضعاً وحبكة هشّة سقطت من الحلقات الأولى.
 
 
مع انطلاق الحلقات ظننا أننا أمام حبكة جديدة ذكيّة ولمّاحة، لنكتشف أنّ الحلقات مستنسخة حرفياً من فيلم Loving adults الدنماركي، مع تنفيذ مشاهد بأمّها وأبيها كما وردت في الفيلم دون أي ذكر لاقتباس.

اكتفى المسلسل بالسطو على فكرة الفيلم وتوظيفها بصورة سيئة، في الفيلم تكتشف الزوجة التي ضحّت بحياتها المهنية للاهتمام بابنها المريض، أنّ زوجها يخونها مع شابة تعمل معه، فتقرر سجنه في قضايا مالية. يقدم الزوج الذي شعر بأنّه خسر كل شيء على قتل زوجته خلال ممارستها رياضة الجري في ليلة مظلمة، ليكتشف لاحقاً أنه قتل امرأة أخرى عن طريق الخطأ، وعندما تدرك زوجته أنه كاد يقتلها، تتفق معه على قتل عشيقته، وتدبّر طريقة تثبت بها وجودهما بعيداً عن موقع الجريمة. هدفها الاحتفاظ بالرجل الذي تحب عبر مشاركته جريمة تصبح بعدها موازين القوى متعادلة، ولا يتمكّن أي منهما من الانفصال عن الآخر.

أخذ "تلت التلاتة" العقدة، إلا أنّ لفريدة الزوجة التي يحاول زوجها قتلها شقيقتين توأمين، قتل إحداهما عن طريق الخطأ فتقرر الزوجة الانتقام منه.

لا تدري كيف أن امرأة تريد الانتقام من جريمة قتل شقيقتها تشارك قاتلها جريمة، وتعد له أدلة البراءة، ثم تدفع ديونه.

يدخل المسلسل في متاهة عندما تنتهي عقدة الفيلم التي يبني عليها، ليعود ويقتبس من مسلسل Triptych المكسيكي، الذي تلعب فيه مايت بيروني دور ثلاث شقيقات توائم، تقتل إحداهن فتتقمص الأخرى شخصيتها، تكتشف أنّ القتيلة هي بالفعل الزوجة فريدة، وأن شقيقتها فريال تتقمّص شخصيتها.

تقمّص الشخصيات لدى الأخوات الثلاثة أسلوب حياة، يدخل المسلسل في منعطفات، أحداث غير منطقية، تراخٍ وهشاشة وضعف حتى في أداء غادة عبد الرازق نفسها، تحاول خلق تمايز بين الشخصيات الثلاث التي تؤديها، فيخرج أداؤها متلعثماً مصطنعاً.

المسلسل سيّئ بكل تفاصيله، حتى نهايته في منتهى السذاجة.

15 حلقة لم تخلُ من مشاهد الحشو، الإيقاع مترهّل، لا أداء يبهر، والمشاهد مظلمة لإضفاء غموض على عمل كشف كل أوراقه من الحلقة الأولى، ثم تاه في متاهة أحداث غير مترابطة ليعلن صناعه عن موسم جديد، لا نأمل أن يصلح شيئاً، فما بُني على قاعدة هشة لا يُرجى منه شيء. سقطة لغادة عبد الرازق ولكل المشاركين في العمل.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم