"مارد من رماد" يحمل الألم والأمل... نديم كرم لـ"النهار": "لستُ فنان النظام"
Smaller Bigger
يعلم كلّ مواطن لبناني موجوع اليوم، أنّه لا شيء يعوّض الخسارة الجسيمة التي أزهقت أرواحاً ودّمرت ما بقي من حلم بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب. لكن تبقى هناك شريحة من اللبنانيين ولو بات عددها يتيماً، رافضة للاستسلام، متخلّية في الوقت عينه عن إيمانها بأيّ مسؤول سياسيّ مهما بانت وعوده الواهية صادقة.
 
منذ تاريخ الانفجار المشؤوم، لم تهدأ هذه الشريحة في نشاطاتها الفردية، ولملمت آلامها الجسدية والمادّية والمعنوية، وركبت نفقاً افتراضياً مضيئاً رغبت بأن تحوّله إلى واقع. وهو ما يتسلّح به المهندس المعماري والفنان اللبناني نديم كرم من خلال تمثال "مارد من رماد"، الذي يبلغ ارتفاعه 25 متراً ووزنه 30 طناً، ومكوّناته قطع حديد صلبة جُمعت من بقايا عنابر المرفأ المدمّرة "تعبيراً عن استمرارية الحياة والإرادة الصلبة في البقاء"، ويدشَّن رسمياً السادسة والنصف عصر اليوم (الإثنين) على المدخل رقم 3 لجهة القاعدة البحرية للجيش اللبناني، في حرم المرفأ برعاية محافظ بيروت مروان عبود.
 
 
سلك المجسّم طريقاً تشبه الطرق الوعرة التي لا يزال لبنان غارقاً فيها، ولا سيّما اتهام المهندسة ليلى السيد حسين، كرم واللجنة المنظمة بعقد لقاءات مع رجال السياسة في إطار التعاون من أجل تنفيذ العمل. ليؤكد كرم مجدداً نفيه لما وصفه بـ"الفبركات"، قائلاً في حديث لـ"النهار": "ما صدر عن المهندسة ليلى غير صحيح ومفبرك. قلت العكس وأعني عكس ما نقل عن لساني، ولا يمكن للسياسيين في الوضع الراهن أن يكون لهم أيّ صله به. لا نرغب في مشاركة السياسيين هذا النشاط، ما دام التحقيق مستمراً والصدمة التي نعيشها أكبر من إدخال أيّ سياسي في هذا المشروع".
 
ما يهمّ كرم حالياً هو إنجاز ما بدأه. ينجذب إلى الحديث عن مشروعه أكثر من الردّ على "معكّري" الرسالة التي يرغب في تجسيدها من خلال هذا المجسّم، ويبدو أنه سيكون عليه أيضاً إقناع عائلات ضحايا قرروا مقاطعة حفل الافتتاح. 
 
يقول كرم: "بدأ المشروع بعد دخولنا صدمة الانفجار والإجرام الذي حصل. وردّدنا طوال تلك الفترة عبارة: "ماذا حلّ ببيروت؟"، وغيرها من أسئلة كثيرة طرحناها بعدما كنّا عاجزين عن استيعاب المصيبة التي حلّت علينا، وخصوصاً أنني كنت مارّاً بالقرب من المرفأ أنا وابنتي قبل أقلّ من ساعة من وقوع التفجير. ولا يمكن أن ننسى أنّ معظم المارّة الذين صودف وجودهم بالقرب من الانفجار لم يسلم قسم كبير منهم". ويضيف: "كان يمكن أن أكون أحد هؤلاء الشهداء. حلّت المصيبة على الجميع، ومنذ ذلك الحين، وبعدما باشر الشباب اللبناني بحملة تنظيف الطرقات وقدّموا هذه المبادرة العفوية، شعرت حينها بأنّ على كلّ شخص أن يباشر بتقديم ما يتقنه في مجال مهنته حتى يُكثر من الرموز التي من شأنها أن تذكّر دائماً بما حدث لبيروت ويخلّد ذكرى الشهداء".
 
ويتابع: "أردت أن أزيل عبارة "تناسي الأمور مع مرور الوقت"، وأحرص على بقائها في الذاكرة الحاضرة، مع الإصرار على المضيّ لإيقاف هذه الدوّامة التي تدفع دائماً ثمنها مدينة بيروت وأناسها".
 
 
يضيف كرم أنّه وجد "الطريقة المثلى لترجمة تصوّره بتنفيذ هذا المجسّم، مع حرصي الشديد على عدم إدخال أيّ نفَس لا من قريب أو من بعيد يتعلّق بالسياسيين، وخصوصاً أننا إلى اليوم لم نصل إلى الحقيقة والعدالة. لذلك جاء القرار أن نُقدم على هذه الخطوة بالتعاون مع جمعية "أفراد"، الذين يملكون شركات عديدة للمساعدة والمساهمة من أجل تنفيذ هذا المجسّم".
 
ويسرد كرم تفاصيل سعيه للمباشرة في تنفيذ هذا المجسم: "بعد أكثر من أسبوع على وقوع الانفجار، اتصلت بالمدير العامّ لشركة "نيت للتجارة" مراد عون الذي يملك هنغارين دُمّرا تماماً، وأتلف بعدها بأيام قسم كبير من البضائع الباقية داخلهما، وعرضت عليه أن أستخدم الحديد الذي سقط من هذين الهنغارين لبناء مجسّم يعبّر عن إرادة اللبنانيين بالوجود. والأهمّ أنّ الحديد هو من لحم الانفجار. سيقف هذا المجسم حاملاً آثار الجروح فيه. وافق حينها عون، وأبقينا على شكل الحديد المحروق كما هو وبالشكل الذي خرج فيه بعد الانفجار".
 
استغرق إنجاز المجسّم نحو 9 شهور، بعدما أخذ كرم موافقة إدارة مرفأ بيروت وحصل على التسهيلات اللازمة فيه بمساعدة الجيش اللبناني. يقول: "كانت مراحل صعبة لأنّ العمل فردي بامتياز. وأشدّد لا جهة سياسية موجودة لمساعدتنا. لكن عندما ذاع ذكر المجسم الذي نعمل عليه، عرضت الكثير من الشركات رغبتها في دعمنا مثل شركة "Watermaster" التي جهدت لمساعدتنا في إخراج المياه من يد المارد، وغيرها من الورش التي نفّذناها في عزّ أزمة البنزين والمياه والمازوت التي يعيشها لبنان".
 
ويضيف: "بعد دخول الشركات في شكل عفوي، أعطى الجميع من وقته ومعدّاته وتفكيره رغبة منهم في إنجاز هذا المجسّم، نظراً إلى الرمزية التي يحملها. فضخامة المجسّم هي في الطريقة التي نُفّذ فيها لا بحجمه، لأنّ حجمه يبقى صغيراً جداً أمام حجم الجريمة التي ارتُكبت في حقّنا. وتكمن أهميته بوجوده في بيروت حتى تذكّرنا دائماً جروحاته بانفجار الرابع من آب، وليكون وقوفه مُخرِجاً من يده الماء إظهاراً لإرادة الشعب اللبناني بالحياة والوجود، ومطالباته بأن يكمل الطريق حتى نصل إلى الحقيقة والعدالة وراحة النفس".
 
 
لم تسمح الظروف لكرم أن يفسّر ما رآه رواد مواقع التواصل الاجتماعي لتمثال "مارد من رماد"، ويوضح: "تقصّدت عدم إعلان هذه المبادرة رغبة مني في إبعاد أعين السياسيين عمّا ننجزه، لأنّ هؤلاء لا علاقة لهم برمزية ما نقوم به. المجسم هو للشهداء والضحايا، ودخول السياسيين في هذا المشروع سيفشل الرسالة الحقيقية التي لا نزال متمسكين باستكمالها. هي رسالة بأننا نستطيع كاختصاصيين أن نفلح من دون السياسيين الذين أثبتوا أنّ تدخلاتهم في حياتنا لم تجلب لنا سوى الإخفاقات".
 
ويرى كرم أنّ كل عمل فني لا بد أن يتلقّى النقد كما الإشادات: "هو أمر جيد، كل شخص يملك وجهة نظره في التعبير عن غضبه إزاء ما حصل في بيروت، لكن هناك نقطة أشعر بأنها غير صحيحة ولا تخدم المشروع وهي التشهير، وأؤكد أنّ المشروع مبادرة فردية وليست له علاقة بأيّ رجل سياسي في لبنان، بل هو لأهالي الضحايا والشهداء". ويضيف: "الأمور واضحة ويوجد تسجيل لكل خطوة أقدمت عليها لإنجاز هذا العمل. وأحزن لتصديق ما يُنشر من كذب وافتراء على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصف المشروع بأنه تمثال النظام أو حتى نعتي بفنان النظام. لا أعرف النظام السياسي الحاكم ولا أرغب في التعرّف إليه أو التقرّب منه، النظام السياسي أوصلنا إلى الخراب".
 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/12/2025 1:32:00 AM
نقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين أمنيين، أن 3 دبلوماسيين قطريين توفوا بحادث في مدينة شرم الشيخ في مصر
المشرق-العربي 10/11/2025 1:12:00 PM
على الرغم من السرّية الشديدة التي تُحيط بمخبأ الأسد الخفي، تمكّن فريق الصحيفة الألمانية من دخول المبنى نفسه والتقوا هناك بوكيلة عقارات محلية عرّفت عن نفسها باسم مستعار هو ناتاشا.
دوليات 10/12/2025 6:57:00 PM
في مقطع فيديو نشره على منصة "إكس"، خاطب غيلر ترامب بالقول: "أرجوك يا دونالد، لا تذهب إلى شرم الشيخ. لديّ شعور قوي بأن حياتك في خطر".