الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

جدري القردة وفيروس كورونا: البلد مفتوح على كلّ الاحتمالات!

المصدر: "النهار"
صورة مجهرية إلكترونية تعود لعام 2003 وتظهر فيريونات جدري القردة في عينة من الجلد البشري مرتبطة بتفشي كلاب البراري (أ ف ب)
صورة مجهرية إلكترونية تعود لعام 2003 وتظهر فيريونات جدري القردة في عينة من الجلد البشري مرتبطة بتفشي كلاب البراري (أ ف ب)
A+ A-
لم يكن مفاجئاً تسجيل حالة من "جدري القردة" في لبنان، بعد أن رُصد أكثر من 2500 إصابة على مستوى العالم، كما لم يكن مفاجئاً أن يدخل "الفيروس"، عبر مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، مثلما دخل فيروس كورونا من قبلُ.
لقد وصل فيروس "جدري القردة" من المطار عبر حالة وافدة من الخارج. لكنّ الفارق اليوم أن لا فحوص في المطار لكشف الحالات المشتبه بها، وسيكون على الوافدين مراقبة أنفسهم وعدم الاختلاط سريعاً بمحيطهم فـ"عسى ولعلَّ" أن يكونوا حاملين لفيروس الجدري أو كورونا.

وبالرغم من أن حالات "جدري القردة" لا تزال آخذة بالارتفاع في جميع أنحاء العالم، حيث أبلغ عن 2580 حالة إصابة مؤكّدة حتى 19 حزيران، يُشير تقرير منظّمة الصحّة إلى تسجيل 2.103 حالات مؤكّدة حول العالم بما في ذلك حالة وفاة، وأخرى وفاة محتملة في 15 حزيران، إلا أنّ المؤكّد أنّ الحالات آيلة إلى الازدياد، وقد تمّ الإبلاغ عن الحالات في 42 دولة، منها 84% كانت في الإقليم الأوروبيّ لمنظّمة الصحة العالمية.

ومع ذلك، لم توصِ منظمة الصحة بفرض قيود على السّفر، بل اكتفت بحثّ "أيّ شخص يشعر باعتلال الصحّة أثناء السّفر، أو في أعقابه، إلى بلدان غرب ووسط أفريقيا، حيث يستوطن المرض، أن يُبلّغ أحد العاملين الصحيّين بذلك".
 
في الأثناء، أصابت حالة من الذعر اللبنانيين بعد تأكيد وزارة الصحّة اللبنانية تسجيل أوّل حالة بفيروس "جدري القردة" في لبنان، ممّا أعاد إلى أذهانهم شبح فيروس كورونا، بالرغم من أن الفيروسين مختلفان جداً، وطريقة انتقالهما كذلك. لكن الوضع الصحيّ اليوم مختلف عمّا كان عليه في السّابق، إذ القطاع يعيش أزمة حقيقية، والخوف من انهياره واقعيّ، ولا أدوية متوافرة، في ظلّ صرخات صحيّة قوية تنادي بوقف هذا التدهور.
في المقابل، يعوّل المعنيّون على موسم سياحيّ واعد، ويتخوّفون من أيّ ضجّة أو بلبلبة قد تُحبط كلّ المحاولات لضخّ الدولارات في البلد وإنعاش الموسم السياحيّ، ممّا يوقعنا مجدّداً في معضلة مستمرّة، وهي السياحة على حساب الصحّة أم العكس!
حتى السّاعة، المؤشّرات الوبائيّة لا تدعو إلى القلق، بالرّغم من تحذير المسؤولين الصحيّين من زيادة وتيرة الإصابات بكورونا، والخوف ليس من "جدري القردة" عكس ما كان متوقعاً.

تُطمئن رئيسة مصلحة الطب الوقائي في وزارة الصحة د. عاتكة برّي عبر "النهار" اللبنانيين بأنه "لا داعي للقلق والهلع، فالحالة المصابة بجدري القردة وافدة من الخارج، ووضعها مستقرّ، وتتمّ متابعتها من قبل الوزارة".
برأي برّي أنه "علينا أن نقلق من إصابات كورونا، التي تعاود الارتفاع، لا من حالة واحدة سُجّلت بالأمس لجدري القردة، التي تنتقل عبر ملامسة الشخص المصاب، وعبر الرذاذ التنفسيّ لمدّة طويلة أو عبر المشاركة بالأسرّة، أو بواسطة الأغراض الشخصيّة، عكس فيروس كورونا الذي ينتقل عبر الرذاذ التنفسي بصورة سريعة جدا، لذلك، على الناس أن تلتزم بالإجراءات الوقاية الأساسية كارتداء كمامة، والتباعد الاجتماعي، وعدم الاستخفاف بتدابير الوقاية، لأنّ الخوف يكمن في تحوّر فيروس كورونا".
 
ترفض بري أيضاً الدّخول في "تفاصيل المريض ورقم الرحلة التي كان على متنها احتراماً لخصوصيّة الشّخص، ولعدم إثارة بلبلة في غير مكانها لدى الرّكّاب الذين كانوا على متن نفس الطائرة"، على خلاف ما كان يجري مع فيروس كورونا حين كان الإبلاغ عن الحالات يعود مرفقاً مع رقم الرحلة لتوخّي الحذر عند القادمين على نفس الرحلة ولضرورة العزل ومراقبة أيّ عارض.

في المحصّلة، الحالة الأولى التي سجّلت في لبنان تخضع حالياً للعزل المنزلي، في الوقت الذي تتابع فيه الوزارة المخالطين المقرّبين. وبعد أن كان الفحص غير متاح في لبنان، وكان الاتفاق على إرسال عيّنات إلى معهد باستور الطبيّ في فرنسا، أصبح فحص الجدري متاحاً في بعض المختبرات الجامعيّة.

وفي هذا الصدد، تشرح نقيبة المختبرات ميرنا جرمانوس لـ"النهار" بأنّه "التزاماً بقرار وزير الصحّة، تمّ حصر إجراء فحص جدري القردة بالمستشفيات الجامعية فقط، ويستغرق نحو ساعتين لصدور النتيجة. وتبلغ تكلفة الفحص نحو 300 ألف ليرة لبنانية، ويتمّ إجراؤه عبر سحب عينة من البثور أو الحبوب المنتشرة على الجسم كما يمكن تشخيصه عبر فحص الدم. وبالتالي، فحص جدري القردة يكون عبر فحص PCR كما كانت الحال مع فيروس كورونا، ولكن بطريقة مختلفة".
وتشدّد جرمانوس على أهمّية الوقاية والعزل لأنّ "الفيروس ينتقل بشكل أساسيّ عبر اللمس أو عبر مسافة قريبة جداً من المريض، وطريقة انتقاله أقلّ عدوى من طريقة انتقال فيروس كورونا، الذي كان ينتقل بسرعة إمّا عبر الرذاذ أو الهواء".

في حين تتحدّث جرمانوس عن ارتفاع واضح في عدد الإصابات بفيروس كورونا، بعد أن شهدنا انخفاضاً في الحالات، تعلّل ذلك "بغياب الإجراءات الوقائيّة التي كانت مفروضة سابقاً. وتشهد أميركا وأوروبا زيادة مطّردة في إصابات كورونا، وهناك توجّه لإعادة فرض الكمامة بعد تسجيل هذه الزيادة في العدوى. ولكن الخوف اليوم من تحوّر هذه السلالة الموجودة ، ولا يُمكن لأحد التكهّن أو معرفة مدى احتمال ذلك، وعليه يجب التشدّد في بعض الإجراءات كارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعيّ، خصوصاً أننا مقبلون على موسم سياحيّ واعد، وعلينا أن نكون على قدر المسؤوليّة والوعي لتفادي أيّ موجة قويّة".
 
الواضح أن زيادة فحوص الـPCR للحالات الإيجابية بفيروس كورونا إلى ازدياد، ويجب أن نعرف وفق ما تقول جرمانوس "أن وراء كلّ حالة إيجابية هناك 4 – 5 حالات إيجابية غير معروفة، أضف إلى أن بعض الحالات لا تجري الفحص، وبالتالي لا نعرف بإصابتها. فعليه، الإصابات أعلى ممّا هي عليه ظاهراً، ومن المتوقّع أن تزيد في حال لم يلتزم اللبنانيّون بالإجراءات".

على كلّ يبدو أنّ المسألة أكبر من ذلك، والخوف من حدوث موجة قوية قد نشهدها في منتصف شهر تموز، إذ يتخوّف رئيس "التجمع الطبي الاجتماعي اللبناني"، وممثل "الرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية الدولية في لبنان" البروفسور رائف رضا، من "حدوث موجة قوية لفيروس كورونا في منتصف شهر تموز نتيجة غياب إجراءات الوقاية واستقبال أعداد كبيرة من السيّاح، فيما تشير الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة إلى ارتفاع أعداد الإصابات التي لا تعكس الواقع الوبائيّ المحليّ، الذي يقدّر بمضاعفة الأرقام أكثر، خصوصاً أن عدداً كبيراً من الناس لم يعودوا قادرين على إجراء فحص الــPCR، وبالتالي نحن في زيادة مطّردة، وأخشى ما أخشاه أن نسجّل أرقاماً جنونيّة في منتصف شهر تموز".

ويضيف "نحن نعيش في مأساة. فهناك أزمة كورونا في البلد، والمناعة المجتمعية لم تتعدَّ الـ40%، والوزارة تدعو إلى إجراء الجرعة الرابعة في حين أنّها مقصّرة في مكان آخر. الوزارة مولجة بمسح لبعض المناطق، وبتشديد الإجراءات، وسنشهد على زيادة جنونية في الإصابات في الشهر المقبل، كما هي الحال في دول أخرى".

يشير رضا كذلك إلى أن "تسجيل حالة أولى من جدري القردة يعني أنّه من المتوقّع أن تزيد الحالات، لذلك يجب التشدّد في مراقبة المسافرين والقادمين من الدول بشكل دقيق ومتابعتهم، خصوصاً أن فترة الحضانة لهذا الفيروس قد تصل إلى ثلاثة أسابيع، وقد يكون المسافر القادم عبر المطار حاملاً للفيروس قبل أن تظهر عليه علامات المرض. وهل تمّت مراقبة ومتابعة الحالات التي كانت على متن الطائرة؟".

ويختم قائلاً "إن المشكلة الصحية ليست محصورة بفيروس كورونا، وإنما هناك تعتيم أيضاً على حالات التهاب الكبد الفيروسي "أ" (Hepatitis A) في جبل لبنان وبيروت، وحصرها فقط بطرابلس والبقاع. المأساة كبيرة وانقطاع الأدوية والفلتان الحاصل والمياه الملوثة. صحّة المواطن في خطر والسياحة عند البعض تعلو فوق كلّ شيء".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم