بعد وصوله إلى الخليج... هل يظهر متحور "دلتا" في لبنان؟
19-06-2021 | 10:00
المصدر: النهار
ما من معطيات رسمية بعدُ تؤكّد وجود حالات من "المتحور الهندي" أو ما يُعرف بالمتحوّر "دلتا" في لبنان، وإن كان احتمال وجوده في لبنان غير مستبعد لدى المتابعين في القطاع الصحيّ والوبائيّ.
وفي انتظار صدور النتائج التي أُرسلت إلى مختبرات في الخارج، على اللبنانيين التحلّي ببعض الصّبر وعدم الاحتفال بالنصر قبل آوانه حتى لا تقع البلاد في المحذور، خصوصاً أن التجارب أظهرت غدر الفيروس بمجتمعات مختلفة مثلما حصل في بريطانيا.
فعلى الرّغم من نسبة التطعيم، فإن بريطانيا تواجه اليوم موجة قاسية من السّلالة الهندية (دلتا) عند الفئة غير المطعّمة. أكثر من 90% من الحالات الجديدة تعود إلى هذه الموجة.
ولكن ماذا عن لبنان؟ وما هو السيناريو الأقرب إلى واقعنا؟
يشرح مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحيّة النائب الدكتور وليد خوري لـ"النهار" "أرسلنا بعض العيّنات إلى مختبرات خارجية
(بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية) لمتابعة التسلسل الجيني، وللتأكّد من عدم وصول السلالة الهنديّة إلى لبنان. صحيح أننا فرضنا بعض الشروط على القادمين من بعض الدول، إلّا أن ذلك لا يعني أننا بمنأى عن احتمال انتقاله، خصوصاً أنّ السلالة باتت موجودة في أكثر من 75 دولة".
وحتى لا ننسى فإن انتشار السلالة البريطانية في لبنان كان نتيجة وصول القادمين إلى لبنان، والتفلّت في سلوكيّات بعض المواطنين، وقد يتكرّر السيناريو مع السلالة الهندية إذا لم يتمّ التقيّد ببعض الإجراءات الوقائية.
برأي خوري إن "الهدف الأساسيّ اليوم هم القادمون من الخارج عبر المطار"، إذ يرى أن "أعداد المسافرين مقبولة نسبياً. وبالعودة إلى النسب، اكتسب اللبنانيون مناعة طبيعية بنسبة 40% بالإضافة إلى المناعة نتيجة التطعيم، والتي تبلغ حوالى 10%. وبالتالي، المناعة المجتمعية حتى اليوم هي بحدود 50%، ولم نعد بعيدين من الوصول إلى مناعة بنسبة 70-80%".
وعليه، يأمل خوري "بالاستناد إلى الجرعات التي تصلنا تباعاً من فايزر وأسترازينيكا في أن نحقق الهدف المنشود في الشهرين المقبلين، وأن تنجح حملة التطعيم بنسبة عالية في لبنان. لذلك، التعويل اليوم على الجامعات حيث وزّعنا حوالى 400 ألف جرعة، ستساعد في تطعيم هذه الفئة العمريّة من الطلاب، لعدم تكرار ما نشاهده اليوم في بريطانيا من خلال ارتفاع الإصابات بالسّلالة الهندية عند فئة الشباب".
نحن اليوم أمام تحدٍّ كبير، فنسبة التطعيم جيّدة لكن السباق مع الوقت دقيق وفاصل؛ فإمّا أن ننجح في الوصول إلى برّ الأمان أو أن نواجه موجة جديدة من الفيروس. وهذا ما يُعرب عنه مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية بقوله "نتخوّف من تفشّي الفيروس، ولا يمكن إخفاء أن المشكلة الأساسية ستكون في المطار الذي يُشكّل محطة رئيسية لقدوم السلالة إلى لبنان".
ويُضيف خوري: "كلّ المؤشرات الوبائية تشير إلى تحسّن الوضع محلياً سواء بانخفاض نسبة الحالات الراقدة في العناية الفائقة، حيث بلغت 10% من مجموع المصابين، أو بإقفال أقسام كورونا في عدد من المستشفيات؛ وهذه نتائج إيجابيّة لا يُمكن إنكارها. وبالرغم من ذلك، فنحن نحتاج إلى دفع أكبر والتشجيع على التسجيل في المنصّة لأنّ عدد المسجّلين ما يزال ضيئلاً، ويبلغ حوالى مليون و700 ألف مواطن"
وفق خوري نحن "في مرحلة مهمّة جداً، فإمّا نتخطّى هذه الفترة ونحقق نجاحاً في السيطرة على الوباء ونربح المعركة، أو نعود إلى الوراء في حال الاستهتار وعدم الالتزام بالمعايير الوقائية. إنّها مرحلة دقيقة جداً، ونتابع اليوم مؤشر انتقال العدوى المجتمعيّة، وهو إشارة لنقل العدوى في داخل المجتمع، ونأمل في أن تنخفض النسبة أكثر لضمان عدم التفشّي المحليّ للكورونا مجدّداً".
من جهتها، تشرح رئيسة قسم الأمراض الجرثومية في مستشفى سيدة المعونات في جبيل الدكتورة مادونا مطر لـ"النهار" أن "هذه السّلالة الهندية أو متحور "دلتا" بات موجوداً في أكثر من 75 دولة، وتشير البيانات إلى أن حوالى 10% من الأميركيين مصابون بهذه السلالة في حين تتفشّى في بريطانيا بنسبة كبيرة جداً (حوالى 90% من الحالات). حتى في أوستراليا، التي تعتبر القارة الوحيدة التي لم تُسجل حالات كورونا بأعداد كبيرة فيها نتيجة التشدّد بالقيود ودخول الناس إليها، سُجّلت حالات من متحور دلتا".
وبرأي مطر فإن خطر هذه السلالة "يتمثل بقدرة انتقالها ونقلها للعدوى بنسبة 40% أكثر من السلالة البريطانية أو ما يُعرف بمتغير "ألفا"، وبنسبة 70-80% من السلالة الأولى لكورونا. وبالاستناد إلى البيانات الصادرة، والتي ما تزال قليلة، كشفت أن 12% من المرضى المصابين بها تتدهور حالتهم الصحية بعد 3-4 أيام من ظهور العوارض، حسب ما أظهرت البيانات الصينية مؤخّراً. وبالتالي، قدرتها على أن تكون فتّاكة وشديدة الحدّة أسرع من السلالات الأخرى".
إذاً، تُعتبر سلالة "دلتا" أسرع انتشاراً بـ4 مرات مقارنة بغيرها من السّلالات، وتؤدّي إلى دخول المستشفى أكثر بمرّتين أو مرّتين ونصف، بالإضافة إلى أنها تُسبّب عوارض حادّة ومختلفة عن المتعارف عليه كالصداع القويّ، التقيؤ والإسهال وانقطاع الشهيّة وأوجاع الحنجرة... أي تُشبه أعراض الزّكام الشديدة.
وماذا عن فعاليّة اللقاحات ضد هذه المتحورة؟ تؤكّد مطر أنه "حسب الدراسات ما زالت فعالية اللقاحات جيّدة إلا أنها أثبتت تأثرها وانخفاض نسبتها قليلاً مقارنة بالمتحورات الأخرى. وهذا ما يدفع الباحثين والمتابعين إلى البحث في إعطاء جرعة إضافية من لقاح جديد لضمان عدم تأثره بالمتحوّرات المستمرّة والدائمة للفيروس. وبات واضحاً انخفاض نسبة فعالية اللقاحات ضدّ هذا المتحور الجديد، وقد ينخفض أكثر إذا شهدنا تحوّرات أخرى مقلقة وسريعة العدوى.
وبالعودة إلى التجربة البريطانية، يبدو واضحاً أن انتشار الفيروس كان عند فئة الشباب الذين يعتبرون "ناقلي العدوى"، ما يدفعنا إلى التفكير جدياً في التسريع بتطعيم هذه الفئة التي تتحرّك في المتجمع أكثر، في حين يبقى كبار السنّ الأقلّ تحرّكاً، بالرّغم من تطعيمهم. وما جرى في بريطانيا، بالنسبة إلى انتشار متحور "دلتا" عند الفئة غير المطعّمة، قد يتكرّر في أيّ دولة أخرى. لذلك الحذر واجب، وعلينا عدم التخلّي عن أيٍّ من إجراءات الوقاية التي من شأنها أن تحمينا وتحمي المحيطين بنا. لا يمكن الاستهتار، وآن لنا أن نتعلّم من دروس وعبر الماضي، وآخرها الهند".
ولا تُخفي مطر أن "المخاوف من متحوّر دلتا ليست محليّة فقط، وإنما عند كل الدول، لأنّه أثبت أن لديه قدرة أكبر وأسرع على العدوى وأكثر حدّة في العوارض والدخول إلى المستشفى. وعليه، يجب أن نبقى متيقّظين، خصوصاً أنه قد يكون موجوداً في أيّ دولة في ظلّ غياب التتبّع واجراء التسلسل الجينيّ للحالات؛ وليس مستبعداً في ظلّ السياحة وفتح المطارات أن يكون موجوداً في لبنان، وإن لم نعلم به بعد".