الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

الطابور إلى جهنم

المصدر: النهار
تصوير نبيل إسماعيل
تصوير نبيل إسماعيل
A+ A-

يشهد 4.4 ملايين مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، منذ كانون الثاني 2021، على انهيار بلادهم من خلال الصور ومقاطع الفيديو التي يتشاركونها عبر صفحاتهم.
في الواقع، تتصدر الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تضرب البلاد "الترند" على مواقع التواصل الاجتماعي فيما يُطلق الأشخاص نداءات استغاثة، أملًا في أن يلقوا آذاناً صاغية.
ونتيجةً لهذه الأزمة، تعاني البلاد من نقص البنزين بسبب الارتفاع الكارثي في أسعاره. وقد وصل الأمر بالسكان إلى درجة شراء البنزين وتخزينه في أكياس وعبوات بلاستيكيّة.
وأشار العديد من الأشخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى المخاطر التي يتسبّب بها هذا التخزين. فضلًا عن ذلك، تمتلئ صفحات اللبنانيين عبر مواقع "إنستغرام" و"فايسبوك" و"تويتر" و"تيك توك" يومياً بالصور ومقاطع الفيديو التي تُظهر طوابير السيارات أمام محطات المحروقات.

وفقًا لدراسة أجرتها شركة "ماكينزي"، يأتي لبنان بين البلدان الـ25 ذات العدد الأكبر من السيارات، بمعدّل 865 سيارة لكل 1000 شخص. وقد أشارت تقارير في العام 2016 إلى أن عدد السيارات السياحية التي تشكّل نحو 90 في المئة من مجموع السيارات في لبنان هو 1.8 مليون سيارة.
وتقطع هذه السيارات، في المعدل، مسافة 12000 كيلومتر في السنة، أي إن السيّارة الواحدة تستهلك نحو 1107 ليترات من البنزين في السنة. وهذا يعني أن مالك السيارة ينفق 2700 دولار على البنزين سنوياً، ناهيك بالنفقات التي يتكبّدها ثمناً لصيانة السيّارة واستهلاكها.
قبل الأزمة الاقتصادية، كان اللبناني العادي الذي يكسب نحو 17000 دولار في السنة، يُنفق حوالَي 16 في المئة من مدخوله السنوي على البنزين فقط. ووفقاً لتقرير صادر عن شركة "آي بي تي"، يفوق معدّل استهلاك البنزين للشخص الواحد في لبنان المعدّل العالمي بـ2.7 مرّة تقريباً، والمعدّل في العالم العربي بـ2.3 مرّة.
 
 
بما أن أن متوسّط عمر المركبات القديمة هو 20 عاماً، ما يؤثّر إلى حد كبير في فاعليّة استهلاكها للوقود، ونظراً إلى أعداد السيّارات الكبيرة نسبيّاً، تساهم الانبعاثات الصادرة عن هذه السيّارات بنسبة تزيد عن 50 في المئة في تلوّث الهواء في لبنان.
وبهذا الصدد، يُشار إلى أن وسائل النقل تسبّبت بنسبة 27.1 في المئة من مجموع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المباشرة في لبنان في العام 2011، علماً بأن المعدّل العالمي في ذلك العام بلغ 19.7 في المئة، ما يعني أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من وسائل النقل كنسبة مئويّة من مجموع انبعاثات احتراق الوقود في لبنان كانت أعلى بـ1.4 مرة من النسبة المئوية العالمية.
كذلك أظهرت دراسة أجرتها الدكتورة نجاة عون صليبا وزملاؤها لتقييم مصادر تلوّث الهواء في لبنان أن حركة السير هي مصدر 48 في المئة من مستويات الهيدروكربونات العطريّة المتعدّدة الحلقات، وهي عبارة عن مركّبات مسرطنة يتسبّب بها الاحتراق.
 
هل النقل العام خيارٌ متاح؟
تشكّل السيّارات والحافلات المخصّصة للنقل العام 2.26 في المئة فقط من مجموع المركبات في البلاد. والحلول القصيرة الأمد التي لجأت إليها الحكومة مراراً في مجال خدمات النقل العام تمثلت بشراء مزيد من الحافلات.
في آذار 2018، قدّم البنك الدولي منحة بقيمة 295 مليون دولار لتمويل قطاع النقل في لبنان. وبحسب أسلوب الإنفاق المعهود الذي تعتمده الحكومة، لم تتحقّق أيّ حلول سريعة، لا من خلال استراتيجيا مدروسة جيداً قبل التنفيذ، ولا عبر وضع خطّة لاحقة للرصد والتقييم من أجل دراسة الزيادة في أعداد الركاب والتحسينات في الخدمات والمرافق والتنظيميات المدينية.
إضافةً إلى ذلك، وفيما تمتلئ جوارير الوزارات بدراسات تحفل بالوعود بتطوير منظومة موثوقة للنقل العام، لا تلوح في الأفق أيّ خطط لإنشاء شبكة مترو أو قطارات بعدما أُهمِلت خطوط السكك الحديد منذ بداية الحرب الأهلية في العام 1975.
وليس للّبنانيين أن يجرؤوا حتى على مضاهاة عمالقة النقل العام مثل فرنسا، حيث يستخدم نحو 70 في المئة من الأشخاص الذين يعيشون في باريس وسائل النقل العام للذهاب إلى العمل.
وقد أظهر استطلاع عن التفضيلات المعلنة، أعدّه فريق من الباحثين في كلية العلوم الزراعية وكلية الهندسة المدنية والبيئية في الجامعة الأميركية في بيروت، أن اعتماد تسعيرة منخفضة قدرها 1000 ليرة لبنانية (0.67 دولار بحسب سعر الصرف المحدّد بـ1515 ليرة للدولار) قد يدفع بـ44 في المئة من السكان إلى الانتقال من النقل الخاص إلى النقل العام. وهذا يساهم في تحقيق منافع قدرها 24 مليون دولار، وفي تراجع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بواقع 35000 طن في السنة.
 
 
في هذا السياق، من شأن النقص في مادة البنزين أن يتسبّب بشلّ حركة جميع المقيمين على الأراضي اللبنانية لأن السيّارات السياحيّة هي وسيلة النقل الرئيسيّة.
ولذلك، من الواضح أن الشحّ في مادّة البنزين يجعل الوقوف في طوابير أمام محطّات المحروقات ضرورة حياتيّة للسكان، وليس خياراً. وبعدما تُرِك اللبنانيون أمام خيار العيش في العتمة الكاملة أو تنشّق الأبخرة السامة التي تنبعث من مولّدات المازوت وتحمّل هديرها، ها هم يواجهون الآن خياراً صعباً: فإمّا أن ينتظروا لساعات في الطوابير من أجل ملء خزانات سيّاراتهم بالوقود وإما أن يلازموا منازلهم ولا يذهبون إلى أيّ مكان.
الخياران سيّئان، والخيار الأول يعني الانتظار لساعات طويلة داخل السيارة المتوقفة في مكانها فيما المحرّك يعمل، وهو ما يترك تداعيات على البيئة والصحة والسيارة، وتترتب عليه في نهاية المطاف تكلفة اقتصاديّة مرتفعة على السكان والبلاد.
فعوادم المحرّكات تُطلق، لا سيما عند اشتغال المحرّك من دون أن تتحرّك السيارة، أكاسيد النيتروجين، ومركّبات عضوية متطايرة، وجسيمات دقيقة، وأحادي أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكربون. ففي هذه الوضعية، لا يحدث احتراق كامل للوقود، ما يتسبّب بأضرار في قطع السيارة.
 
وفي هذا الإطار، أشارت وزارة الطاقة الأميركية إلى أن اشتغال محرّك السيارة في وضعيّة الوقوف لأكثر من 10 ثوانٍ يؤدّي إلى استهلاك الوقود، وإلى انبعاث مستويات عالية من التلوّث، ويُكلّف أموالاً، ويساهم في انبعاث الضباب الدخاني وفي تغيّر المناخ.
 
إذا اعتبرنا أن السائقين يتركون سيّاراتهم متوقفة مع اشتغال المحرك لساعات في الطوابير أمام محطات المحروقات، فهذا يؤدّي إلى احتراق خُمس صفيحة البنزين خلال ساعة واحدة، ما يعني انبعاث نحو كيلوغرامَين من ثاني أكسيد الكربون من السيارة.
وبغية تسليط الضوء على الآثار السلبية للمركّبات المنبعثة من المحرّكات، نشير إلى أن الشخص الذي يتعرض لاستنشاق ثاني أكسيد الكربون يواجه خطر الإصابة بأمراض القلب والصداع والمشكلات البصرية بسبب اختلال نقل الأوكسجين إلى الأعضاء والأنسجة.
ومن المشكلات التي يتسبّب بها استنشاق الجسيمات الدقيقة وأكاسيد النيتروجين الإصابة بالربو والسعال وصعوبات في التنفس.
 
تجنباً للانتظار في طوابير طويلة في حرّ الصيف الشديد، وخوفاً من نفاد البنزين، يلجأ عدد كبير من الأشخاص إلى شراء مادة البنزين من السوق السوداء وتخزينها في المنازل ظنّاً منهم أنه حلٌّ ناجع وفعّال. ولكن تخزين البنزين في عبوات بلاستيكية في المنازل يمثّل تهديداً مقلقاً يحدق بالأشخاص والمنازل والبيئة. فحين تُترَك مستوعبات البنزين السائل في المناخ الحارّ، يتمدّد البخار المتصاعد من البنزين ويطفح من المستوعب.
فالبنزين ليس شديد الاشتعال فحسب، بل هو أيضاً شديد التطاير، وهذا يعني أن حفظه في درجات حرارة مرتفعة يمكن أن يحوّله سريعاً إلى غاز تتعذّر رؤيته. ويمكن أن يتسرّب الغاز بسهولة نحو مصادر مسبِّبة للاشتعال، مثل السيجارة المشتعلة، فينفجر مع ما يتسبّب به من أضرار في المنزل ومن حروق بليغة، وحتى الوفاة. والبنزين المتبخّر هو أيضاً أثقل من الهواء، ما يؤدّي إلى تكثّفه في المساحات الصغيرة وانفجاره. وأكبر دليل على ذلك انفجار التليل العكارية الذي أودى بحياة 30 شخصاً وجرح حوالَي 80 بالإضافة إلى المفقودين.
 
وحين يتمدّد بخار البنزين في الهواء، يتسبّب استنشاقه بأضرار شديدة في الرئتين في المدى القصير، ومن الممكن أن يُلحق الأذى بالجهاز العصبي والدماغ في المدى الطويل. كذلك يؤدّي التسمم بواسطة البنزين إلى مضاعفات جانبية خطيرة، منها الإصابة السريعة بانخفاض ضغط الدم، وآلام المعدة، والدم في البراز، والشعور بالحرقة في الحلق، والتقيّؤ، والتشنّجات، والدوار، والصداع، والنعاس، وحروق البشرة، والتهيّج. في الواقع، شهدت الولايات المتّحدة انفجارات وحوادث تسمّم عدّة بسبب البنزين في العام 1978 خلال مرحلة عانت فيها البلاد نقصاً في المحروقات، حيث عولِج ما يزيد عن 9000 شخص، بينهم أطفال، بسبب إصابتهم بحروق في حرائق وانفجارات تسبب بها اشتعال مادة البنزين.
 
توصي الوكالة الأميركية لحماية البيئة بعدم تخزين البنزين في المنازل، لا سيما إذا كان الأشخاص يعيشون في مبانٍ سكنية. وإذا كان هناك ضرورة قصوى لتخزين البنزين، يُنصَح أن يوضَع في مستوعبات بلاستيكية معتمدة لتخزين النفط ومصنوعة من البولي إيثيلين المصبوب، مع إغلاق الغطاء بإحكام لتجنّب تسرّب البنزين.
ويجب أيضاً ألا يُملأ المستوعب حتى الغطاء، لأن بخار البنزين يتمدّد ويطفح خارج المستوعب، إذا كان مليئاً. وبما أن أبخرة البنزين يمكن أن تشتعل بسهولة، فمن المهمّ الامتناع عن التدخين على مقربة من أماكن تخزين البنزين، وإبقاء المستوعب خارج المنزل وخارج صندوق السيارة، في مكان بارد لا تصله أشعة الشمس، كالمرأب مثلاً، وبعيداً من متناول الأطفال.
 
حفاظاً على السلامة، يجب إطفاء السيارة عند الانتظار في الطابور من أجل تجنّب حرق البنزين والتسبّب بانبعاث غازات مضرّة يستنشقها الأشخاص خلال الانتظار أمام محطات المحروقات، وينبغي تجنّب استخدام السيارة في تنقّلات غير ضرورية، وتشارُك سيّارة واحدة مع الأصدقاء والجيران عند الخروج، واستخدام الدراجات حين يكون ذلك آمناً.
تُستخدَم الدراجات كوسيلة أساسيّة للنقل في عدد كبير من المدن في البلدان النامية والمتقدّمة على السواء، ويُمكن بالتالي استخدامها بمثابة وسيلة نقل عمليّة. لهذا السبب، يجب اليوم، أكثر من أيّ وقت آخر، أن تتوافر بنى تحتيّة ملائمة لركوب الدراجات، بما في ذلك خطوط للدراجات وممرات آمنة مخصّصة لها في الطرقات.
 
 
قاسم إبراهيم الحسيني
ميريام معماري
مارك مرهج
كريستال ملحم
نجاة عون صليبا
 
ترجمة نسرين ناضر عن الإنكليزية
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم