الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الواقع الصعب انعكس على أطفالنا... كيف ننمي حسّ المشاركة والعطاء لديهم؟

المصدر: النهار
كارين اليان
كارين اليان
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-

الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد لم ترحم أحداً من مختلف الطبقات الاجتماعية، حتى بلغت معدلات الفقر في البلاد غير مسبوقة. خلق الواقع الأليم تفاوتاً كارثياً بين العائلات وانعكس على الأطفال في المدارس وخارجها. في زمن الأعياد هذا، يبدو التفاوت أكثر إيلاماً، ولعلّ ما تشهده إدارات المدارس على الأرض بين طلابها خير دليل على ذلك مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين. أطفال يتناولون الخبز الناشف وآخرون ينظرون بحسرة إلى رفاقهم يأكلون سندويتشاتهم ولا يملكون في حقائبهم لقمة يسدون بها جوعهم. للأسف هي صور من الواقع الفعلي. وإذا كانت هذه الأوضاع قد فُرضت علينا ونجد صعوبة في تغييرها، يبقى الحس الإنساني ووقوف كل منا إلى جانب الآخر الملجأ الوحيد حتى نتخطى هذه الظروف الصعبة. فالإحساس بالآخرين من المسائل التي يجب تنميتها بدءاً من مرحلة الطفولة، سواء من خلال التربية في المنزل أو في المدارس. فلنعلّم أطفالنا حس المشاركة، ولننمّ لديهم هذا الحي الإنساني لأنه قد يكون السلاح الأكثر فاعلية لنتغلب على الصعاب ونبني مستقبلاً أفضل لنا ولهم ولبلادنا.

 
تساهم المدارس في تنمية حس المشاركة لدى أطفالنا في هذه المرحلة الصعبة؟
 

يتصوّر كثيرون أن العوز ينتشر أكثر بين طلاب المداراس الرسمية، إلا أن الواقع يؤكد أن الظروف المعيشية لم توفر أحداً وأن أوضاع العائلات في المدارس الخاصة لا تقل صعوبة. وفق ما يوضح مدير عام مدارس الرهبانية اللبنانية المارونية ومدير نورث ليبانون كولدج الأب جوزيف سليمان أن الواقع صعب على الكل من مختلف الطبقات. "العائلات ازدادت فقراً في ظل هذه الظروف الصعبة التي ولّدت فوارق مجتمعية كبرى بين طبقة ميسورة وتلك الأكثر عوزاً".

بدا واضحاً للأب سليمان أن ثمة حاجة للتدخل لا لمساعدة الأطفال الأكثر عوزاً فحسب، إنما لنشر ثقافة المشاركة والتكافل. بعد أن ظهرت مبادرات فردية لأطفال شعروا بحاجات رفاقهم وقاموا بمشاركتهم ومساعدتهم على طريقتهم، تدخلت إدارة المدرسة بالتعاون مع لجنة الأهل التي تحدد دورياً حاجات الأطفال الأكثر عوزاً، لمساعدتهم بطريقة غير مباشرة من دون أن يشعروا بذلك، ما يولّد أجواء عائلية. فيشدد الأب سليمان هنا على أهمية توعية الأطفال حتى يدركوا أن التضامن مع الآخرين واجب إنساني بالدرجة الأولى فيعتادون على ذلك. من واجب المدرسة ألا تدع الظروف المعيشية الصعبة تؤثر على الجو التربوي، على ألا تحمل المشاركة أي شكل من

أشكال الإذلال.

"الأطفال متأثرون تلقائياً بتلك المبادرات التي تقوم بها المدرسة، كما في زمن الصوم. فشعروا تلقائياً بأهمية وقوف كل منا إلى جانب الآخر، خصوصاً في زمن الأعياد. فحركات بسيطة يمكن أن تحدث فارقاً  كما في مشاركة الآخرين بالألعاب والمواد الغذائية وتقديمها للكل بمساواة، كما تفعل المدرسة في زمن الأعياد".

المواطنة الصالحة تبدأ من التضامن

من جهتها تشير المديرة التربوية في مدرسة مار جرجس -عشاش التابعة للرهبانية المارونية رين يمين إلى أن تعزيز روح المشاركة بين الطلاب في المدرسة ليست خطوة وليدة هذه المرحلة الصعبة. فالمدرسة الموجودة في بلدة صغيرة تضم أطفالاً من مختلف الطبقات الاجتماعية ولطالما كانت هناك فوارق واضحة بين الطلاب. لذلك عملت دوماً على إبقاء التمييز خارج جدران المدرسة. "لطالما رأينا طلاباً يأتون إلى المدرسة من دون زوّادة أو سندويتش حتى  أو من دون نقود. لذلك وضعت الإدارة في كل من الطوابق ثلاجة لتحضير الطعام لكل طفل يحضر من دون غذاء، مع حرصها الشديد على عدم التمييز بين الطلاب أو ظهور هذه الفوارق بينهم بدءاً من اللباس الرسمي الإلزامي وتوافر الأطعمة والوجبات بأسعار مقبولة ليتمكن أي طالب من شرائها".

اليوم أكثر من أي وقت مضى تعمل إدارة المدرسة على نشر ثقافة العطاء والمشاركة بين طلابها. فتشير يمين إلى برنامج المواطنة الفاعلة بالتعاون مع القنصلية البريطانية الذي أدخلته المدرسة في برنامجها ليكون طلابها فاعلين في مجتمعاتهم. فروح المواطنة الصالحة تبدأ من احترام الآخر والوطن والتمسك بسلوكيات معينة وبحسن التصرف. فكلّها من العناصر الأساسية لتنشئة مواطنين صالحين يتعاطون مع الآخرين انطلاقاً من حس إنساني بغض النظر عن الاختلاف. وضمن البرنامج يتم العمل على تعزيز روح المشاركة في مختلف الأوقات وخصوصاً في الأعياد من خلال الألعاب والطعام، بحسب كل مرحلة عمرية.

وفق ما تبين أن الأطفال أصبحوا يفكرون يهذه التفاصيل تلقائياً ويلفتون نظر إدارة المدرسة إلى كل ما يعنى بها، نظراً لتأثير التوجيه عليهم. فأصبحوا يشعرون بالاندفاع لتقديم المساعدة بعد أن اكتسبوا خبرة جميلة في ذلك، وهم يتشاركون مع بعضهم الطعام حتى دون تدخل من الإدارة. علماً أن المدرسة تركز بشكل خاص على أن تكون مساعدة الآخر دوماً بطريقة متكتمة."يعتبر الطفل أفضل سفير وأفضل من يوصل الرسالة إلى بيئته وينقل السلوكيات الحسنة. وكل ذلك يبدأ من النظام التربوي، فطالما أنه بخير يكون البلد بخير ومواطنوه أيضاً".

في عكار التحديات تزيد

في عكار أيضاً، كما في مختلف المناطق اللبنانية ارتفعت معدلات الفقر لتبلغ مستويات غير مسبوقة، ما انعكس بشكل واضح على الطلاب في المدارس، خصوصاً الرسمية منها. بحسب المربي جورج رزق في إحدى مدارس المنطقة "لم نشهد يوماً على هذا المعدل من التفاوت بين الطلاب سواء على صعيد الملابس، خصوصاً بعد أن تخلت بعض المدارس عن اللباس الرسمي للتخفيف من الأعباء، أو على صعيد الطعام الذي يُحضره الطلاب، فيحضر البعض وجبات وافرة فيما يأتي آخرون من دون غذاء. والأسوأ أن الوباء فرض العزلة والتباعد بين الطلاب ومنعهم من المشاركة في كثير من الأحيان وفقدت فرصة المشاركة حتى في أنشطة تعزز روح التبادل والعطاء.

أما المربي أحمد كفا فيوضح أن نسبة الطلاب الذين يشترون من دكان المدرسة لا تتخطى الـ10 في المئة ما لم يظهر طوال 25 سنة من التعليم. "نلاحظ أيضاً أن كثيرين من الأطفال يحضرون سندويتشات فارغة وهناك طلاب يشكون من ألم الرأس بسبب الجوع في الحصص. إضافة إلى الاستعارات الكثيرة للقرطاسية بين العديد من الطلاب. وما يبدو واضحاً لإدارات المدارس أن ثمة طلاباً يظهرون عدائية واضحة بسبب تردي الأوضاع. كما يحضر كثيرون  مشياً على الأٌقدام بسبب ارتفاع كلفة النقل. أما التوجيه والإرشاد والمتابعة النفسية فشبه مفقودة في مدارس الشمال المهمشة.

حس المشاركة... بين دور الأهل والمدرسة

تشير الاختصاصية في المعالجة النفسية ريما بدران إلى أن حس المشاركة لا يولد تلقائياً مع الطفل بل للتربية دور أساسي لتنميته لديه. فعلى الأهل أن يعلّموا الطفل قيمة المشاركة بدءاً من سن مبكرة جداً. وبمجرد أن يكونوا قدوة له يمكن أن يساهموا في ذلك، باللعب معه على أسس المشاركة والمداورة

لإبعاد نزعة الأنانية عنه.

لا يمكن أن ننكر أن انتشار وباء كورونا لعب دوراً في زيادة النزعة إلى الأنانية لدى الأطفال. يضاف إلى ذلك الوضع الاقتصادي المتردي الذي خلق فروقات كبرى بين الأطفال في المدارس، ما يولد شعوراً بالدونية لدى الأطفال غير المقتدرين. فحتى زوادة الطفل باتت مكلفة جداً وتشكل عبئاً على الكثير من الأهل. قد يكون الواقع الحالي المرير دافعاً يدعو إلى تعزيز الحس بالمشاركة والحس الإنساني بدءاً من الطفولة عبر نشر هذه الثقافة . فإذا رأى الطفل رفيقه جائعاً يتقاسم معه غذاءه، إذا كان معداً لذلك من قبل الأهل عبر تعزيز روح المشاركة بين أفراد العائلة في تعاطيهم مع بعضهم ومع الآخرين.

في الوقت نفسه تؤكد بدران أن التربية في المنزل أساسية، إنما أيضاً للتربية المدرسية دور لا يقل أهمية. فيجب أن تكون هناك منظومة تعمل على تنمية مفهوم التبادل ومساعدة الآخر بغض النظر عن القيمة المادية. مع الإشارة إلى أن ثمة مدارس تخصص أياماً محددة يحضر فيها الطفل لعبة من منزله يشاركها مع أحد رفاقه أو طعام أو مبلغ بسيط أو ثياباً توزع لتعزيز روح المشاركة، فلا يكون ذلك مكلفاً للأهل في هذه الأيام الصعبة. هي فكرة ممتازة لتحقيق هذا الهدف ويمكن القيام بذلك في إطار العائلة ليعتاد الطفل على مساعدة الفقراء ولتزرع لديه هذه القيم والمفاهيم ويفهم معانيها. فعندما تترسخ لديه هذه الثقافة يجد الطفل سعادة في مساعدة الآخرين وينمو لديه حس المسؤولية المجتمعية ومشاركة الآخر.

"نلاحظ أن الأهل يعلّمون الطفل أحياناً ضرورة الحفاظ على لعبته وألا يترك أحداً يلعب بها. هذا خطأ شائع لأنه يعزز الشعور بالأنانية لديه وحب التملّك. بدلاً من ذلك يجب تشجيعه على مشاركة الآخرين بألعابه وفرز الألعاب حتى يخصص قسماً منها للأطفال غير المقتدرين. هذا ما يشعره بالمسؤولية تجاه الآخر الذي لا يملك ما لديه ويعزز الشعور بالعطاء والروح الاجتماعية .ومفهوم المشاركة"

.بالتعاون مع المراسلين ميشال حلاق وطوني فرنجية

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم