الحياة ما بعد كورونا... كيف نعود بعد عزلة عام ونصف العام؟
شيئاً فشيئاً بدأت الحياة تعود، ولو بشكل جزئي إلى طبيعتها. إذ تتكثف حملات التلقيح وتتراجع معدلات الإصابة بكورونا إلى حد ما، ما يسمح بالعودة إلى نمط الحياة الذي يفتقد الكل له. في الوقت نفسه، لا يخفى على أحد أن انتشار الوباء منذ عام ونصف العام بدّل الكثير فينا وفي حياتنا، فلم تعد الأمور كما كانت عليه قبل ذلك، خصوصاً في ما يتعلّق بالحياة الاجتماعية التي تأثرت إلى حد كبير، بدرجات متفاوتة ربما بحسب الأشخاص وطباعهم وشخصياتهم ومعدلات التزامهم في المرحلة الماضية. فكيف لنا أن نعود اليوم تدريجاً إلى الحياة الاجتماعية بعد كل ما حصل من تغيير.
كيف يمكن العودة إلى الحياة الاجتماعية بعد انقطاع دام أكثر من عام نصف العام؟
بين التباعد الاجتماعي والحجر الصحي وظروف انتشار الوباء عامةً، لا تعتبر العودة إلى الحياة الطبيعية سهلة وفق الاختصاصية في المعالجة النفسية شارلوت خليل حيث انه ثمة آثار نفسية واجتماعية هي من تداعيات المرحلة التي مررنا بها ومن الطبيعي أن ترافقنا لفترة طويلة.
وقد أظهرت الدراسات التي أجريت على أوبئة سابقة، لاعتبار أنه لم تجر بعد دراسات في هذا المجال تناولت فيروس كورونا، وضعت فرضيات مختلف لمرحلة ما بعد الوباء. إذ يختلف الوضع بين شخص وآخر. فثمة أشخاص قد يتفاقم لديهم الشعور بالعزلة ويجدون صعوبة في العودة إلى الحياة الطبيعية. في المقابل ثمة اشخاص قد ينكرون الواقع وما تترافق معه من ظروف لا تزال موجودة.
انطلاقاً من ذلك، يبدو واضحاً أننا نجد الأشخاص الذين تخلوا اليوم عن أي إجراءات وقائية في مقابل آخرين يتشددون فيها حتى اليوم، وأيضاً الأشخاص الذين هم في الوسط والذي يتتبعون المصادر الموثوقة ولا يزالون ملتزمين بمعايير الوقاية فيما يعودون تدريجاً إلى الحياة الطبيعية بما يترافق مع إجراءات إعادة فتح البلد.
ما الآثار النفسية التي ترتبت على الظروف المرافقة لانتشار الوباء؟
كانت هناك تداعيات عديدة وآثار نفسية لفترة الحجر والعزلة الاجتماعية في فترة كورونا. فالحرمان الذي عاشه الكل، بحسب خليل، كانت له آثار نفسية عديدة حيث إن فكرة عدم ممارسة العادات المرتبطة بالمناسبات والامتناع عن زيارة الأهل وممارسة الطقوس الدينية كالعادة والوقوف في مواجهة مع المجهول، كلّها عوامل تسبب حالة من القلق.
انطلاقاً من ذلك، ومع العودة إلى الحياة الطبيعية والحياة الاجتماعية يُنصح لكل فرد بتحديد العوامل التي تسبب له مشاعر سلبية كالخوف والقلق والتوتر. من المهم تحديد المشاعر أيضاً وما إذا كانت هناك وسائل تسمح باللجوء إليها بطريقة واقعية ومنطقية للوقاية ولحماية الذات دون الغرق في حالة من القلق والخوف التي يمكن أن تشل القدرة على الانخراط مجدداً في المجتمع والعودة إلى الحياة الطبيعية والتأقلم في المرحلة المقبلة.
يبدو واضحاً لخليل أنه ثمة أشخاصاً أو فئات أكثر تأثراً بهذه الأوضاع بحسب التجربة الفردية وتجربة المحيطين مع الوباء أو مع أي إصابة أو مضاعفات وآثار صحية صعبة، فإذا كانت الظروف المرافقة للمرض صعبة من الطبيعي أن تزيد الآثار النفسية والقلق عند عودة الحياة إلى طبيعتها. علماً أن البعض لجأ إلى التواصل الافتراضي في المرحلة السابقة كبديل عن التواصل الاجتماعي والحياة الاجتماعية. إلا أنه في الواقع لا يمكن أن يحل محل التواصل الفعلي.
فدوره يقتصر على التواصل في مرحلة الوباء حيث لا تعتبر اللقاءات ممكنة، لكن لا بد من العودة إلى التواصل الفعلي والعلاجات الاجتماعية والاختلاط، خاصة صيفاً، حيث يمكن أن تجري اللقاءات خارجاً حيث يخف خطر التقاط العدوى. وهذا يعتبر مناسباً للأشخاص الذين يتخوفون من الوباء حتى يتقبلوا الفكرة. من هنا أهمية التشديد على تحديد القدرة ومصادر القلق والاسلوب المناسب للعودة إلى الممارسات العادية في الحياة الاجتماعية من دون قلق.
فما من مشكلة في وضع حدود معينة وشروط تشعره بالراحة النفسية وتبعد عنه القلق والخوف، كأن يلتقي الفرد الذي يتخوّف من العدوى بشخص واحد خارجاً ضمن مسافة معينة. فالعودة بهذه الطريقة التدريجية وتحديد مصادر القلق ووضع الشروط الملائمة، تصبح أقل ضرراً وأكثر سهولة على أي فرد عاش هذه العزلة الطويلة.
نصائح لهذه المرحلة:
-على الأفراد في هذه المرحلة التحلّي بالهدوء والمرونة النفسية للتأقلم مع الأزمات والأوضاع المستجدة. فثمة حاجة ماسة إلى ذلك حالياً نظراً للمتغيرات المستمرة والسريعة وما فُرض من أوضاع مستجدة خلال المرحلة السابقة.
-للتحكم بمشاعر القلق والتوتر، يبقى ضرورياً العودة إلى المصادر العلمية حصراً وبشكل محدود أيضاً تجنباً لسيطرة مشاعر القلق والهواجس.
-تحديد العناصر التي يمكن أن تكون مصادر للراحة النفسية والتعبير عنها بصراحة وشفافية تجنباً للأوضاع التي يمكن أن تتسبب بمشاعر خوف وقلق. فيجب عدم الخجل من المصارحة في مسببات القلق.
-طلب المساعدة النفسية إذا ما عادت الحياة إلى طبيعتها في ظل عجز الفرد عن الانخراط مجدداً في المجتمع والخروج والاستمرار بالتشدد بالإجراءات الوقائية المبالغ فيها، رغم عدم وجود موانع فعلية ومنطقية.