الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الصيادلة يقفلون ويبحثون عن وظيفة: فائض في العرض العمولة تحتسب على سعر 1500 والخسائر والاعباء تضاعفت

المصدر: النهار
الصيادلة يقفلون ويبحثون عن وظيفة: فائض في العرض
الصيادلة يقفلون ويبحثون عن وظيفة: فائض في العرض
A+ A-
يقول سامر وهو صيدلي ان ثمن الدواء قبل اعوام كان في حدود 40 الى 50 الف ليرة وتبلغ جعالة الصيدلي نحو عشرة الاف ليرة واكثر، الامر الذي كان يوفر مدخولا جيدا، يجعل المهنة مرغوبة لانها تحقق ربحا ماديا ومكانة اجتماعية لائقة. اما وقد انخفضت اسعار الادوية في لبنان الى حدود 10 الاف و12 الف ليرة، فان ربح الصيدلي تدنى في العبوة الواحدة الى نحو 2500 ليرو او 3000 ليرة، اي بتراجع قدره 75 في المئة، قبل ان تخسر الليرة اللبنانية من قيمتها الشرائية اكثر من 75 في المئة، لتبلغ قيمة خسائر الصيدلي نحو 150 في المئة. 
 
ولما كان الصيدلي غير قادر على رفع سعر الدواء او التسعير بالدولار فان متوجباته الاجتماعية والعائلية باتت تفوق قدرته، لانها تزيد كثيرا عن هامش ربحه الذي لم يتبدل. وبات معظم الصيادلة لا يؤمنون الضروريات المعيشية ما حمل نحو 600 منهم الى اقفال صيدلياتهم. ويبحث عدد كي  منهم عن فرصة عمل خارج البلاد، او في مستشفيات ومؤسسات صحية داخل لبنان توفر لهم راتباً مضموناً يقيهم شر العوز. وقد كشفت كلية الصيدلة في جامعة بيروت العربية عن نتائج مقلقة بشأن واقع مهنة الصيدلة في لبنان ومستقبلها والتحديات التي تواجهها وفق الأرقام التي أظهرت ارتفاعا في معدلات الصيادلة بالنسبة لعدد السكان وضيقا في أفق الممارسة مع غياب التخطيط الصحي والتشريعات اللازمة لذلك. واعتمدت الكلية على دراستين مشتركتين حول قطاع مهنة الصيدلة في لبنان ونشرتا في مجلتين علميتين مرموقتين قام بهما باحثان من جامعتي بيروت العربية والأميركية في بيروت وارتكزتا على تحليل قاعدة بيانات الصيادلة المسجلين في النقابة من العام 1954 حتى 2018 ومقابلات مع مصادر المعلومات ومتخذي القرار في قطاع الصيدلة.
 
ونبهت الدراسة الأولى التي قام بها الدكتور محمد علي حجازي من كلية الصيدلة في جامعة بيروت العربية والدكتورمحمد علم الدين من الجامعة الأميركية في بيروت ونشرت في مجلة Human Resources for Health إلى التحديات التي باتت تواجه مهنة الصيدلة بسبب عدم التخطيط الصحيح والعرض غير المستند الى الحاجة المجتمعية والسكانية. ويظهر تحليل البيانات ان في لبنان أعلى معدل صيادلة نسبة للسكان في العالم إذ تخطى نسبة 20 صيدلي لكل عشرة الاف مواطن في حين بلغ المعدل العالمي المسجل عام 2017 نسبة 5 صيادلة لكل عشرة الاف مواطن، ويتخطى لبنان في هذا المعدل معظم دول منظمة التعاون والتنمية (OECD) مع فارق كبير بينه وبين الدول المتقدمة مثل فرنسا (11.2) والولايات المتحدة (9.2) وكندا ( 10.4) والمملكة المتحدة (8.3) وألمانيا ( 6.4).
كذلك كشفت الدراسة تكدُّس الصيدليات بشكل غير متوازن حيث بلغت النسبة 7.3 صيدلية لكل عشرة الاف شخص (أي صيدلية لكل 1350 مواطن) وهو أعلى بثلاثة أضعاف عن المعدلات العالمية حيث يصل متوسط دول الـOECD الى 2.5 صيدلية، وفي فرنسا (3.4) وكندا (2.6) وألمانيا (2.2) والمملكة المتحدة (2.2).
ومن المفارقات التي أظهرتها الدراسة غياب الدور الاكلينيكي للصيادلة حيث أن نسبة الصيادلة في المستشفيات خجولة جدا (1.7 صيدلي لكل 100 سرير) مما يثير تساؤلاً عمن يشرف على صرف الدواء داخل المستشفيات وما قد يترتب عليه من مخاطر على صحة المرضى.
 
هذه التساؤلات تنسحب أيضا على صيادلة المجتمع حيث تظهر الأرقام تواجد ما معدله صيدلي واحد داخل كل صيدلية مع دوامات عمل طويلة ومليئة بالأعباء والتحديات مما قد يحول من قدرة الصيدلي على تقديم الرعاية الصحية والتعليمية والاستشارية للمرضى والاكتفاء بدور نمطي كصرف الأدوية.
 
ويحتاج الصيادلة وفق نتائج الدراسة إلى إعادة تخطيط وتنظيم المهنة وتطوير المنظومة الصحية بقوانين واجراءات سريعة وحديثة تتعاون فيها كل الجهات الحكومية والنقابية والمنظمات الصحية الفاعلة لتكون صحة المريض هي الأولوية ولتحقق الأمن الصحي والدوائي للمجتمع.
 
وأظهرت دراسة ثانية قام بها الباحثان حجازي وعلم الدين نشرت في المجلة العلمية PLOS ONE الى اختصار ممارسة الصيدلة في لبنان وخنقها في قطاعين فقط: الصيدليات (64%) وشركات الدعاية الدوائية (24%)، مما يظهر الحاجة الملحة الى توسيع الاستثمار في القطاعات الصيدلانية المختلفة مثل الصناعة الدوائية,، والصيدلة الاكلينيكية والاستشفائية والتعليم والبحث العلمي وما له من انعكاسات ايجابية على صحة المجتمع وأمنه الصحي. وعزت الدراسة اختلال ميزان العرض والطلب في القطاع الصيدلي الى ضعف تخطيط القوى العاملة في الصحة في لبنان وسهولة دمج الصيادلة الوافدين من خارج لبنان (يشكلون 30% من الصيادلة) واعطائهم حق ممارسة المهنة بمجرد امتحان بسيط يسهل اجتيازه مع غياب أي اتفاقيات اوتفاهمات لتسهيل عمل الصيادلة خارج لبنان (فقط 8% من الصيادية يعملون في الخارج) مع العلم أن التعليم الصيدلي في لبنان يمتاز بالجودة العالية ويحظى باعتمادات دولية مرموقة. ووفق الدراسة فإن سوء تنظيم المهنة يرجع الى ضعف القوانين وغياب التشريعات اللازمة فهي إما قوانين قديمة جدا أو أنها لا تطبق بشكل جيد أو تحتاج الى تطوير لتواكب التحول والتطور في الممارسة الصحية حول العالم. يضاف الى ذلك عدم وجود رقابة على الممارسات الصيدلانية ووجود خلل في القطاع الحكومي وربما تضارب مصالح يحول دون هذه التشريعات.
 
وقد لاحظت كلا الدراستين ضغوط عالية وبيئة مليئة بالتحديات بالنسبة للصيادلة في لبنان، مما يهدد مستقبل المهنة ورسالة الصيادلة في لبنان. هذه الضغوط أُثقلت في الآونة الأخيرة بتحديات مستجدة مثل جائحة كورونا، وانهيار سعر الصرف، وتخفيض أسعار الدواء دون تخطيط، وانقطاع الأدوية وغيرها من المخاطر الأمنية مما أدى الى اقفال أكثر من 600 صيدلية في العام 2020 (بحسب نقابة الصيادلة في لبنان) ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة أكثر في االأشهر المقبلة ما لم تتم المبادرة الى اجراء الأصلاحات اللازمة. ويسود معظم الصيادلة في لبنان شعور بالاستياء والاحباط في ظل عدم القدرة على تحمل الأكلاف التشغيلية والمعيشية مع الارتفاع الهائل بسعر صرف الدولار (13000 ليرة للدولار الواحد) بينما لا تزال عمولتهم تحتسب على سعر 1500 ليرة للدولار مما بات يهدد قدرتهم على الاستمرار بالقيام بواجباتهم ومسؤولياتهم الصحية تجاه المرضى والمجتمع.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم