الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

مايا نصر... من لبنان إلى الفضاء

المصدر: "النّهار"
ابراهيم مخزوم
ابراهيم مخزوم
مايا نصر
مايا نصر
A+ A-
 
 شباب طموح وأحلامه تتخطّى حدود الأرض. جملة تُلخّص حال الشباب اللبناني اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى. على الرغم من كلّ الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان في السنوات الأخيرة، كان شبابه وسيظلّ بقعة ضوء تعطي الأمل لغدٍ أفضل. ومن لبنان إلى الفضاء، رحلةٌ شبه مستحيلة بنظر الجميع إلّا مايا نصر، الفتاة اللبنانية الطموحة التي شقّت طريق أحلامها بالاجتهاد والمثابرة، لتصل من بلدها الصغير إلى وكالة "ناسا" العالمية، وتساهم في مهامّ استكشاف كوكب المريخ.

بدأت رحلة مايا عام 2014، حين تلقّت خبر قبول طلبها للدراسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT الشهير، الذي كان خيارها المُفضّل في عمر الـ 16، لتلاحق أحلامها بالعمل في مجال استكشاف الفضاء. وتسعى اليوم إلى نيل شهادة الدكتوراه في مجال هندسة الطيران.
خلال سنوات دراستها في الولايات المتحدة الأميركية، عملت على عدّة مشاريع مع وكالة الفضاء "ناسا"، وأصبحت اليوم عنصراً أساسياً في مهامّ استكشاف كوكب المريخ.
عملت نصر مع الوكالة منذ عام 2016 على تطوير النسخات الجديدة من "MOXIE"، وهي "تجربة استخدام موارد الأوكسجين في الموقع على المريخ".
هدفها الرئيسي هو التحضير للاستكشاف البشري على سطح المريخ في المستقبل، وتركّز عملها على أهداف المعايرة والتوصيف لأجزاء مختلفة من "MOXIE" ونمذجة ذلك. بالإضافة إلى ذلك، تقود نصر اليوم عملية الـ"Downlink" من مركبة "بيرسيفيرانس"، التي حطّت على سطح الكوكب الأحمر مؤخراً. وهي عملية تحميل البيانات وتفسيرها من الآليات على السطح، وهي الجزء الثاني بعد عملية الـ"Uplink" التي تتمثل بإرسال هذه الآليات إلى الموقع.
 
 
وتقول نصر في حديثٍ لـ"النهار" عبر اتصال "زوم": "أعمل على مشروع لإرساله إلى محطة الفضاء الدولية ISS، والفكرة خلف هذا المشروع هي تمثيل البشرية. وذلك قد يحدث من خلال أعمالٍ فنية من البشر في جميع أنحاء العالم، لتمثيل أكبر عدد ممكن من البلدان. إنّه ليس مشروعاً علمياً، بل أقرب إلى مبادرة إنسانية".

أما عن أحلامها، فتقول ابنة الـ 23 عاماً، بأنّ لها شغفاً كبيراً بالمريخ بشكلٍ عام، وتودّ مواصلة العمل الذي تقوم به الآن، قبل أن تضيف بحماسة: "أرغب بأن أصبح رائدة فضاء يوماً ما، وهذا حلم الجميع في هذا المجال". وذكرت نصر اهتمامها الكبير بالقانون والسياسة في مجال الفضاء، "أرى نفسي في المستقبل أعمل على التعاون الدولي في الفضاء الخارجي، ولوائح القوانين، وضمان الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي".

وعند سؤالها عن أصعب التحديات التي واجهتها في مشوارها، بدأت الحديث عن لبنان، البلد الذي تحبّه مايا بشكلٍ كبير. لكنّ الانتماء إليه كان للأسف أكبر عقباتها، "كان جواز السفر اللبناني أكبر عقبة لديّ في الولايات المتحدة خلال السنوات السبع الماضية، إنه جواز إشكالي للغاية نظراً إلى أنّ لبنان يندرج على لائحة البلدان المُقيّدة للإرهاب والأعمال العسكرية. لديّ الكثير من المشاكل في الوصول إلى الكثير من المعلومات، أو الذهاب إلى المواقع، أو الوصول إلى جميع الاجتماعات أو القوائم البريدية. هناك دائماً وسيط حتى عندما يكون مشروعي الخاصّ".
 
وأضافت أنّ هذه القيود تزداد حين يتعلق الأمر بمعلوماتٍ حساسة أو بمجالات الدفاع في استكشاف الفضاء. وأشارت إلى أنّه لا يمكنها فعل أيّ شيء حيال ذلك، "عليك فقط أن تفعل أكثر من زملائك لأنّ لديك جواز سفر لبنانياً. لا يهم كم أنت جيّد أو ما تفعله، فهم ينظرون إلى المكان الذي أتيت منه".

كلّ من يسعى لاستكشاف الفضاء يُضطر إلى مغادرة لبنان اليوم، لكنّ الحال لم تكن دوماً كذلك. فالبلد الصغير المُطلّ على المتوسط امتلك نادياً للصواريخ في ستينيات القرن الماضي، وحلم بغزو الفضاء يوماً ما. وعن هذه النقطة تقول نصر: "من المحزن أننا كنّا نمتلك مثل هذه البرامج وكنّا السبّاقين من قبل، واليوم ليس لدينا فرصة للقيام بذلك. ولكن حتى في ذلك الحين لم يدم البرنامج طويلاً قبل أن يتم تسييسه وعسكرته".
وشددت: "ما دمنا ننظر إلى هذه المجالات فقط من منظور العنف والتسليح، فلن يكون هناك دافع لاستكشاف الفضاء". وأعربت الشابّة عن حزنها لما يحدث في لبنان اليوم، وهي التي تتابع أخبار وطنها بشكلٍ يومي وتتفاعل معها: "هناك العديد من الأولويات للناس في الوقت الحالي، فالناس لا يستطيعون إعالة أسرهم، واستكشاف الفضاء ليس من بين الأولويات بالتأكيد. لذلك هناك مشاكل ملحّة تحول دون التفكير باستكشاف الفضاء"، ورغم تأثرها الكبير بالأوضاع ليست متفاجئة بما آلت إليه الأمور.

ورغم كلّ المتاعب التي جلبها الوطن لمايا، أثّر في عقليتها بشكلٍ كبير، تقول: "ساعدتني الخلفية اللبنانية على أن أكون أكثر حرصاً وجاهزية في كل الأوقات. هناك خوف من حدوث أخطاء، وتوقع الأسوأ دائماً. خلال الصيف، كانت مشاهدة عملية الإطلاق مرعبة، كنت أفكر في كلّ الأشياء السيّئة التي يمكن أن تحدث".

ومما لا شك فيه، هو أنّ هذه الشابّة اللبنانية مثالٌ يُحتذى في الحياة، للشباب اللبناني الذي يتعايش مع ظروفٍ مرّت بها شخصياً وليست بعيدة عنها، فتوجّه نصر رسالة إلى هذه الفئة: "لا تقيّد نفسك بما يقوله الناس من حولك.
هناك الكثير من القيود، ومحاولة التغلب عليها هي أهم خطوة لمتابعة الأحلام". وفي رسالةٍ أخرى للنساء تقول: "إذا كنت شغوفة بشيء ما وترغبين في العمل على شيء تحبينه، فإنّ الأمر يستحق بذل جهدك لإثبات أنك جيّدة. لأنّ إتقانك عملاً ما هو الطريقة الوحيدة لإثبات قدرتك على فعل ذلك للآخرين".
 
وأشادت بحضور العنصر النسائي القويّ في مهمة "مسبار الأمل" الإماراتي الشهر الفائت، "عندما تنظر إلى الفريق، تجد غالبيته من النساء. ويسعدني أن أرى هذا التغيير في بلد عربي، وأودّ أن أرى المزيد من ذلك في المستقبل".
 
وأضافت: "النساء في هذا المجال تحت دائرة الضوء، لذلك علينا القيام بأشياء أكثر دقة لإثبات أننا في المكان الذي يجب أن نكون فيه، علينا أن نكون أكثر حرصاً فقط لأننا إناث".
مايا نصر نموذج لشبابٍ لبنانيّ حَلَم، اجتهد، فوصل وألهم الآلاف من أبناء جيله، نموذج عن كنز يفتقر إليه الوطن كل يوم مع هجرة الأدمغة المستمرة. لبناننا وطنٌ حُكم عليه تاريخياً بأن يهجره خيرة شبابه، ولا يبدو أنّ المستقبل سيكون مختلفاً. نفتخر بهم وبإنجازاتهم ونرفع رؤوسنا، قبل أن نخفضها خجلاً لأنهم ليسوا بيننا.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم