لطالما كان احتكار شركات التكنولوجيا الكبيرة للسوق قاتلاً للشركات الناشئة التي تسعى للابتكار في سوق تنافسيّة مليئة بالتحدّيات التقنية والقانونيّة؛ هذا ما أضاءت عليه "نتفليكس" في المسلسل الألماني "كود المليار دولار" (The Billion Dollar Code) (2021) المؤلُّف من أربع حلقات.
يروي المسلسل المستنِد إلى أحداث واقعيّة قصّتين تدوران في زمانين مختلفين؛ قصّة تأسيس مشروع "تيرافيجن" في 1993، والدعوى القضائيّة التي رفعتها شركة "أرت + كوم" على "غوغل" في عام 2014 لسرقتها فكرة ما يُعرف اليوم بـ"غوغل إيرث" (Google Earth)، حين التقى المسؤولان عن المشروع للمرة الأولى بعد فترة طويلة.
قصّة المسلسل
ينقل "كود المليار دولار" الروح الإبداعية التي سادت في أوائل التسعينيات في برلين، حين قام يوري مولر وكارستين شلاتير، بمساعدة مجموعة من المخترقين الإلكترونيّين الشباب وطلاب الفنون، بتأسيس مجموعة "أرت + كوم" للبرمجة والفن الرقمي.
وبعد حصولهم على تمويل من شركة "داتش تيليكوم" عام 1993، نجحوا في تطوير مشروع "تيرافيجن" (Terravision)، وهو مجسّم إلكترونيّ لكوكب الأرض، خلال عام واحد فقط، الأمر الذي كان يُعتَبر مستحيلاً خلال تلك المدّة الزمنيّة القصيرة، ثم تمكّن الشريكان من تجهيز المشروع لتقديمه في معرض الاتصالات الدولي في كيوتو - اليابان، في عام 1994، حيث سمح للمستخدمين بـ"التحليق حول الأرض" لرؤية أماكنهم المفضّلة ومواطنهم، ممّا حقّق نجاحاً باهراً.

ولكن كود برنامج "تيرافيجين" سقط أثناء رحلة الشريكين إلى وادي السيليكون في ولاية كاليفورنيا الأميركية في الأيدي الخطأ. وفي عام 2005، أطلقت "غوغل" برنامج "غوغل إيرث".
لم تقم شركة "أرت + كوم" بالإجراءات القانونيّة "الكافية" لحماية أفكارها. فبحسب ما نقله المسلسل، لم تكن شركةً بقدر ما كانت مجموعةً من الشباب المؤمنين بقدراتهم، يذهبون إلى النوادي ويرقصون حتّى الصباح، ولكن مع الدّعم والأدوات المناسبة أمكنهم تحقيق أشياء عظيمة.

تقول المحامية المسؤولة عن القضيّة إنّ هذه ليست المرّة الأولى التي تقوم فيها "غوغل" بالاستحواذ على أفكار الآخرين وتحويلها إلى تطبيقات باسمها، وإلى مصدرٍ جديد لأرباحها. وكانت الدعوى - وفقاً للمسلسل - محاولةً لحماية المخترعين من تسليم أفكارهم للشركات الكبرى من دون الحصول على أيّ تعويض.
يصوّر المسلسل أيضاً المحاكمة التي دارت بين عامَيّ 2014 و2017، وتُظهر خسارة شخصين كانا يوماً ما شابين بأحلام كبيرة، في مواجهة إحدى أكبر الشركات في العالم. كذلك يستنسخ في مشاهد المحكمة أجزاءً من بيانات المحكمة الفعليّة لتجنّب التعارض مع "غوغل".

ردّة فعل إيجابية
لقي "كود المليار دولار" استجابة جماهيريّة إيجابيّة، إذ منحه المشاهدون درجة 8 من 10 في موقع "IMDb"، و4,9 من 5 على "غوغل"، و97 في المئة على موقع " Rotten Tomatoes". واعترف محامي براءات الاختراع جاستون كروب في مراجعته للمسلسل بأنّه كان مفتوناً بالتصوير الدقيق للمحاكمة والتطورات التقنيّة، حتى وإن كان هناك اضطرار للمبالغة في بعض المشاهد والشخصيّات.
وبالرّغم من العمل الدقيق الذي قامت به فرق الإنتاج لنقل القصة بشكل دقيق، فإنّها أخطأت عندما صمّمت حرف C في عنوان المسلسل كرمز لحقوق النشر (C مع دائرة في داخله)، في الوقت الذي يتحدّث فيه المسلسل عن براءات الاختراع.
هذا، وكتب ناقد الأفلام تانول ثاكور في "ذا واير" أنّ "كود المليار دولار" يمثّل واقع شركات التكنولوجيا الكبرى (Big Tech)، لأنه على مدى السنوات العديدة الماضية "أصبحت أنياب "Big Tech" أكبر وأكثر ترويعاً"، على حدّ تعبيره. وأضاف: "أصبحوا يتدخّلون في الانتخابات، ويجرّدون العمال من إنسانيّتهم، ويبيعون بياناتنا، ويسجنوننا في عالم يبدو أنه لا يوفر الراحة أو الهروب".

كذلك يسلّط صنّاع المسلسل الضوء على ذلك بوساطة السخريّة من شعار "غوغل" "لا تكن شرّيراً" (Don’t be Evil)، ويكشفون أيضاً عن أنّ "غوغل" لديها تاريخ طويل من انتهاكات براءات الاختراع؛ بذلك يمثّل المسلسل العديدَ من الشركات الصغيرة التي لم تحصل على مستحقاتها أبداً.
"كود المليار دولار" هو إشارة للمبدعين والمستثمرين وغيرهم إلى فهم عملية الاختراع والنظام القانونيّ لضمان حقوقه وحماية أنفسهم من الاستغلال في ظلّ هيمنة الشركات العملاقة، ويُمكن اعتباره أيضاً تحذيراً مهمّاً، إذ أصبح من الضروريّ الحديث مع الخبراء والقانونيّين قبل نشر الأعمال للعلن.
نبض