الأربعاء - 01 أيار 2024

إعلان

"هُوَ مُجَرَّبٌ في كُلِّ شَيءٍ مِثلَنا، ما خَلا ٱلخَطيئَة"

المصدر: النهار - الاب ايلي قنبر
لقَد اتَّخَذتَ رُسلَك مِن الناس، لخِدمةِ هؤلاء
لقَد اتَّخَذتَ رُسلَك مِن الناس، لخِدمةِ هؤلاء
A+ A-
حدَّثتَنا، يومًا، يا يسوع عن الراعي الصالح. قلت: أنَا هُوَ ٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ، وَٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ ٱلْخِرَافِ"(يوحنّا 10:1). نعَم، أنتَ تَعرِف كيف تَسُوسُ -معَ اللَّواتي والذِّينَ "اختَرتَهم وقبِلتَهُم يا ربّ لِيَسكُنوا"(مزمور 65: 4) في قلبِك- حياتَهم وحياة الخلائق على اختلافِها. أنتَ الحُبُّ "تَعرفُ" حبيبك الإنسان (يوحنّا 10: 14)، ولأجلِ ذلك تُعطيه"حياةً أبديّةً"(يوحنّا3: 16)، لا بَل تَضَعُ نفسَكَ" عن الحبيب (يوحنّا 10: 15).
نتَساءَل في حضرتِك، وتحديدًا في زمَن الصَوم هذا: هل مَن يتَولّون "رِعايَة" الناس يُحِبّون ويَعرفون رَعِيَّنهم، ويَبذلون أنفُسَهم عَنها ويُعطونَها "جياةً ابديّةً" (يوحنّا 10: 28)كما أنتَ فاعِل؟
تقول الرسالةُ إلى العِبرانيِّين: "فَإِنَّ كُلَّ رَئيسِ كَهَنَةٍ مُتَّخَذٍ مِنَ ٱلنّاسِ يُقامُ لِأَجلِ ٱلنّاسِ في ما للهِ، لِيُقَرِّبَ قَرابينَ وَذَبائِحَ عَنِ ٱلخَطايا، قادِرًا أَن يَرِقَّ لِلَّذينَ يَجهَلونَ وَيَضِلّونَ، لِكَونِهِ هُوَ أَيضًا مُتَلَبِّسًا بِٱلضُّعف."(عبرانيِّين 5: 1-2)
لقَد اتَّخَذتَ رُسلَك مِن الناس، لخِدمةِ هؤلاء. فكُنتَ لهُم مِثالًا: "أنا بينَكُم كالذي يَخدُم"(لوقا 22: 27 ؛ متّى 20: 28). أرَدتَهُم قادِرين أن"يَرِقُّوا لِلناس الذين يَجهَلونَ وَيَضِلّونَ" لِكَونِهم سبَق ان "تلبَّسوا بالضعف"، إذ "يعرفون الحِكايَة" لأنّهم "ذاقوا المِغرايَة"(مثَل عامِّيّ).
أمَّا نحنُ الذين نتَولَّى رِعايَة ناسِكَ باسمِك، فأَينَ نَعيش: أفي أبراجٍ عاجِيَّة أَم بين الناس ومِثلَهم، في مغارةٍ حقيرة؟ وهَل نَرِقُّ لهُم، أَم لَسنا مِمَّن تلبَّسُوا الضَعَفات؟ هل يَعقُل ألَّا نكونَ قد قَرَأنا: "لِهَذا يَجِبُ عَلَى (رئيس االكهَنة) أَن يُقَرِّبَ عَنِ ٱلخَطايا لِأَجلِ نَفسِهِ، كَما يُقَرِّبُ لِأَجلِ ٱلشَّعب"(عب5: 3)؟ لِنُصْغِ إلى ما أَسَرَّهُ إلَينا الأب بُوريس بوبِرنْسكُوي إذ رأى أن السُلطات الكنسيّة لا تتَقبَّل يسوع الذي "أخلى ذاتهُ آخِذًا صورةَ عبدٍ، صائرًا شبيهًا بالبشَر"(فيلبّي 2: 7): " الكنيسةُ تَسعَى إلى الاستِقرار بِتَوافُقٍ وتناغُمٍ معَ قُوّاتِ وسُلُطاتِ هذا العالم: إنّها الكنيسةُ-المؤَسَّسةُ، الكنيسةُ-المُجتمَع، التي تَنسَى أنّهُ ما مِن تاجٍ أو إكليلٍ على رأسِ المسيحِ غيرُ إكليلِ الشَوك، وما مِن عَرشٍ للمسيح غيرُ الصليبِ الذي سُمِّرَ علَيه".
تُرى، هل نَعرفُ نحنُ مُتَوَلُّو رِعايَة ناسِك أنّنا خطأة وعلَينا رفعَ صلاة الاستِغفار لأجل أنفُسِنا أوَّلًا، ومن ثَمَّ لأجل الشعب على حدِّ قَولَة القدِّيس افرام السُريانيّ: "هَبْ لي أن أرى زلاَّتي، ولا أَدينَ أخي"؟ أَم نحنُ نَستَغفِرُ أثناءَ "صلاة النَوم" دون أن نَعني ما نقول: "بارِكوا أيُّها الأخواتُ والإخوَة، وسامِحوني أنا الخاطئ" و"أيُّها الربُّ سيّدُ حياتي، لا أُريدُ ان أبتَلِي بِروح البِطالة والفُضول، والتشبُّث بالرئاسة والكلام البَطّال. فأَنعِم عليَّ بِرُوح العِفَّة والاتِّضاع، والصبر والمحبّة. نعَم ايُّها الربُّ، هَبْ لي أن أرى زلاّتي ولا أَدينَ أخي"؟
هل نفقَه خُطورةَ هذا الكلام: "لَيسَ أَحَدٌ يَأخُذُ لِنَفسِهِ هَذِهِ ٱلكَرامَة-كرامةَ رِعايَة ناسِ الله- إِلاّ مَن دَعاهُ ٱللهُ كَذَلِكَ"؟ هَل أنتَ مَن دَعانا إلى كرامة الخِدمة أَم نحنُ نصَّبنا أنفُسَنا وبعضُنا بَعضًأً "رُؤَساء"؟ هل نَطلُبُ مجدَ العالم أوَّلًا، أَم مجدَك انتَ يا إلَهَنا؟ تقول الرسالةُ إلى العِبرانيِّين أيضًا وأيضًاً:"(المَسيحُ) لَم يُمَجِّد نَفسَهُ حَتّى يَصيرَ رَئيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ ٱلَّذي قالَ لَهُ: *أَنتَ ابني، وَأَنا اليَومَ وَلَدتُكَ*"(عب5: 5-6). هذه هيَ الحقيقةُ الساطِعَة!
نعَم، "الذي يَدخُلُ من الباب هوَ راعي الخِراف"(يوحنّا 10: 3)، قالَ يسوع. و"لِهذا يَفتَح (لهُ) البَوّابُ، والخِرافُ تَسمعُ صَوتَه، فيَدعُو خِرافَه الخاصَّة بأسماءٍ ويُخرِجُها. ومتى أَخرَج خرافه الخاصَّة يَذهبُ أمامها، والخرافُ تَتبَعُه، لأنّها تَعرِف صَوتَه"(يوحنّا 10: 4).
لقَد أَقَمتَ خَدّامًا لرِعايَة ناسِك، ولكِن في أيّامنا هل نَسعى نحنُ مَن نَزعَمُ الخدمة إلى رِعايَة ناسِك أَم نحنُ مُقيمون حيثُ مصالحُنا الخاصَّة؟ هل نَدخُل مِثلَك من الباب؟ هل نَعرفُ "خِرافَك" باسمائها ونُخرِجُها إلى المراعي الخصيبة(مزمور 22)؟ هل نَذهَبُ أمام "خِرافِك" كَي لا تَضِلَّ سُبُلَ الحياة؟ هل تَتبعُنا الخراف؟ هل تَعرِف صَوتَنا كي تأمَن فتَتبَعُنا ؟
ويُضيف كاتبُ الرسالة إلى العِبرانيِّين:"فَإِنَّ كُلَّ رَئيسِ كَهَنَةٍ مُتَّخَذٍ مِنَ ٱلنّاسِ يُقامُ لِأَجلِ ٱلنّاسِ" (عب 5: 1)، فهَل هذا واقعُ مُمارَستِنا؟ تُذكِّرُنا الرسالة إلى العِبرانيِّين بأنّ"رَئيسَ ٱلكَهَنَةِ ٱلَّذي لَنا لَيسَ غَيرَ قادِرٍ أَن يَرثِيَ لِأَمراضِنا، بَل هُوَ مُجَرَّبٌ في كُلِّ شَيءٍ مِثلَنا، ما خَلا ٱلخَطيئَة(عب 4: 15)". لِذا، "فَلنُقبِل إِذَن بِدالَّةٍ إِلى عَرشِ ٱلنِّعمَة". بِكَ يا يسوعُ "نَنالُ رَحمةً ونجِدَ نعمةً للإغاثَة في أوانِها"(عب 4: 16)، انتَ وحدَك القادِر ان تَرثي لنا إذ "أنتَ مُجرَّبٌ في كُلِّ شَيءٍ مِثلَنا، ما خَلا ٱلخَطيئَة". لقَد أشرَكتنا في الحياة وبَرَاتَنا "على صورتِك" البَهِيَّة، وصِرتَ إنسانًا لكَي (نتَيَقَّن) إنّك تُريدُنا أن نكون "كمِثالِك"، أن نصيرَ آلِهَة، بحسَب لاهوتِنا الشرقيّ.
ولِتَكون مسيرتُنا بِحَسَب مُشتَهى قلبِك، حدَّدتَ لي/لنا البُوصَلَة:"مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، (فليَتجاوَز) نَفسَهُ وَيَحمِل صَليبَهُ وَيَتبَعني"(مَرقُس 8: 34). أي عليَّ أن أتَجاوَز نفسي، ان أُخلِيَ ذاتي(فيلپّي 2: 7) وأن أَخرُج لِلقاء الأخت/الأخ، فأكون على خُطاك باتِّجاه الهدَف الرئيس: إتِّباعِك في حُبِّ الآخَرين وفي خِدمتِهم لِتَكون لهُم "الحياة بِوَفرةٍ" (يوحنّا 10: 10) في كلِّ حين. وخارِجًا عن هذه المُعادَلة، أَخسَرُ نفسي (مَرقُس 8: 36)، حتّى و"لَو ربِحتُ العالمَ كلَّه".
يا يسوع-عِيسى أنتَ تستحِقُّ مِنَّا تحيّةَ الشُكرِ والتَقديرِ والسلامَ: "السلامُ عليَّ يومَ وُلِدتُ ويومَ أَموتُ ويومَ أُبعَثُ حَيًّا"(سورة مريَم، 8).










الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم