الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

المدرسة الرسمية أساس الوطن

المصدر: النهار - سعد نسيب عطاالله
شكوت يوماً، بعد عقود على تخرجي من المرحلة الثانوية، صعوبة العيش في لبنان، وعدم توفر فرص عمل سهلة المنال في القطاع العام
شكوت يوماً، بعد عقود على تخرجي من المرحلة الثانوية، صعوبة العيش في لبنان، وعدم توفر فرص عمل سهلة المنال في القطاع العام
A+ A-
ترصد السلطة المتسلّطة لكل عام دراسي منحاً مدرسية، تفوق مئات ملايين الدولارات للعاملين في القطاع العام، ولا ترصد سوى بضعة ملايين هامشية لدعم المدرسة الرسمية؛ مع العلم أن كل هذه المنح تعطى فقط للمدارس الخاصة، التي يصر هؤلاء الأهالي على تسجيل أبنائهم فيها!
ما هذا النظام الغريب العجيب الذي يرمي المدارس الرسمية في مسلخ الإهمال والتجاهل، في حين أن الأكثرية الساحقة من العاملين في القطاع العام هم خريجو المدارس الرسمية، التي لها الفضل في تأهيلهم المعرفي، كون هؤلاء هم من الطبقتين الوسطى والدنيا، ولم يكن في مقدور أهاليهم تحمل أعباء أقساط المدارس الخاصة!
شكوت يوماً، بعد عقود على تخرجي من المرحلة الثانوية، صعوبة العيش في لبنان، وعدم توفر فرص عمل سهلة المنال في القطاع العام، في حضرة رئيس الثانوية الخاصة التي درست فيها، والتي أسسها مرسلون بروتستانت أجانب في أواخر القرن التاسع عشر، فكانت إجابته المباشرة المختصرة التالية: "نحن لم نقدم لكم المعرفة والعلم حتى تبقوا في لبنان وتعملوا فيه، بل أن تهاجروا إلى دول متقدمة، تعملون وتعيشون فيها بصورة دائمة"!
جاءت إجابة الرئيس لي في وقت متأخر من صراعي العملي في لبنان والدول الخليجية، لأنني نشأت في بيت تربيت فيه على التعلق بأرض الأجداد الفلاحين الذين حرثوا، وزرعوا، وقطفوا مواسم الخير والبركة، بعيداً عن تورطهم في أعمال القطاع العام غير المنتج، القائم على التبعية، والخضوع لأصحاب الإقطاع، والمتسلطين على موارد الوطن!
أي مستقبل تهدف إليه تلك السلطة المتسلطة في دعمها للقطاع التعليمي الخاص الذي يؤهل الخريجين للتوجه إلى هجرة الأرض والوطن؟
إن المدرسة الرسمية ليست بحاجة إلى وزارة تربية تقوم على محاصصة المدارس الخاصة التي تنمو على عطاءات ومنح القطاع العام، بل إلى مجلس تربوي عالٍ يتشكل من جميع الهيئات الاقتصادية والإنتاجية والنقابية، التي تعمل على دعم المؤسسات التربوية العامة، في كل مراحلها - من التأسيسية إلى الجامعية - بحيث إنها ترصد مبالغ مادية كافية لضمان تطوير التعليم الرسمي، وبالتالي تضمن وفرة اليد العاملة المؤهلة، من أجل استمرارية مؤسساتها الإنتاجية الخاصة، وضمان استقلالية الخريجين بعيداً عن نفوذ العاملين الفاسدين في القطاع العام!
لا بد من التأكيد أن الطالب في المدارس الخاصة يعتبر زبوناً لدى مؤسسات التعليم الخاصة، وتسري عليه المقولة التجارية: "الزبون دائماً على حق" التي تبغي الربحية المادية، قبل الكسب المعرفي العميق؛ وأن الطالب في المؤسسات التربوية العامة هو كناية عن طالب علم ومعرفة، ولا يحمي ويكفل بقاءه فيها سوى التحصيل المعرفي الصحيح والدؤوب، والالتزام بالدور الوطني المتمكن، بعيداً عن الاستغلال والابتذال!
إن النضال من أجل ديمومة وقوة المدارس الرسمية، والالتزام باستقلاليتها الفكرية والعلمية، هو الضمانة الراسخة لديمومة بقاء كل شعب في وطنه الأم!



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم