الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

قدرةُ اللهِ عظيمةٌ!

المصدر: النهار - جنان غسّان الصّايغ
إنّ أوبئةً كثيرةً لأخطرُ من كورونا...
إنّ أوبئةً كثيرةً لأخطرُ من كورونا...
A+ A-
إنّ أوبئةً كثيرةً لأخطرُ من كورونا...
إنّ أغنى الغنى هو العقلُ، بِهِ يُميّزُ الإنسانُ بين الشيء وضدّه، والشيء ودونه. والعاقلُ هو الذي ينظر بعين البصيرة الشفّافة ويرى أنّ فعل الإله حكمةٌ، وهوى النفوس ظلمةٌ، والكلُّ منّا يقرّ بأنّ اللهَ عزّ وجلّ عادلٌ غيرُ جائرٍ، فمحكمة الله قد حكمت بالعدل، حين أتى هذا الوباء ودخل، ربّما لأنّ النفوس قد تركت تعاليمَ مُبدِعِها، والبشر خالفوا أوامِرَ خالقِهم، فقد يكون هذا الوباء الفتّاك، عدوُّ العالمِ المشتركِ، جاَء بعد إمهال الله لعباده، فأصابَ أجسامَهم تأديبًا لنفوسهم التي أُصيبَت بوباءٍ أخطر من الكورونا، وباء الشرّ وعصيانِ الله. والعظمةُ للخالق سبحانه وتعالى، فكأنّه أراد من هذا الوباء الحاصل ذُلّةً وجزاءً للملوك الظالمة وللحكّام الغطارس وللمتجبّرين والمتكبّرين. وغدت الحياة على الأرض شبهَ متوقّفة عن الجريان، والخلاص والحلّ الوحيد لكلّ هذه الأزمات يملكه فقط ربُّ الأرض والسّماوات.
كان الوضع في لبنان مختلفًا عن الدّول الأخرى مُذْ دخل هذا الفيروس العنيد أرضنا، أو ما يُسمّى بالفيروس التّاجي لأنّ لبنان كان حين دخل، وما زال، يعاني من أزمات اقتصاديّة واجتماعيّة قد تكون أخطر من الكورونا هذا المستجدّ. فأتت تلك الطّائرة في ذلك اليوم الذي لا يُمكنني أن أنساه؛ يوم الجمعة في تاريخ الواحد والعشرين من شُباط، يومها كنت في الحافلة، عائدة من الجامعة إلى البيت، حين وصلني خبر أوّل إصابة موكّدة بالكورونا في لبنان، وهي لراكبة من ركّاب تلك الطائرة التي أتت من إيران. وعندئذٍ كان هذا الخبر بمثابة صدمة، ولا أنكر أنّني شعرت حينها بخوفٍ كبير وصل إلى الهلع، فالخوف أكثرُه كان من أنّهُ إذا صار وانتشر المرض بسرعة قياسيّة، وارتفع عدد الإصابات بشكلٍ جنونيّ، فالمستشفيات هنا غير كافية لاستقبال كمّ هائل من المرضى، كما أنّه لا يُوجَد أسرّة وأجهزة تنفّس اصطناعيّة كافية للجميع.
وماذا عن المغامرة التي نعيشها نحن الطلّاب مع هذه الأزمة؟ فنحنُ نعيشُ كُلّ يومٍ بيوم، مع قلقٍ يرافقنا، أوّلاً حول مصيرِنا وحول مرضٍ قد يصيبنا في أيِّ لحظةٍ، وثانيًا حول مستقبلِنا الدراسيّ المجهولِ. بدأ العام الدراسيّ فيه بحرائقٍ حرقت قلوبَنا مع ما أحرقت، وبثورةٍ كبّرت قلوبَنا وغيّرت عقولَنا، وأخيراً بمرضٍ أوقف دروسَنا وكادَ يُوقِفُ حياتَنا. فأيُّ دروسٍ ستُنجَزُ في ظلّ هذه الظروف العصيبة؟ وأيُّ تعليمٍ من بُعد قد ينجحُ ويكونُ فعّالًا في بلدٍ منهوبةٌ مواردَهُ وخيراتَه، ومقطوعةٌ عنه الكهرباء والماء، ومعدومةٌ فيه مجانيّة التعليم والطبابة وغيرها ؟! وما ذنبنا نحنُ كطلّابٍ لنتحمّل مسؤوليَّةَ أخطاءٍ لمْ نرتكبْها نحن؟ وأن تجري تجارب على حسابنا؟ فخطّة التعليم من بُعد تحتاج تدريبًا وتجهيزًا واستعدادًا مُسبَقًا أكان للطلّاب أم حتّى للأساتذة. ويتساءل معظم الطلّاب اذا كان الخوف من ضياع العام الدراسيّ أهمّ من الخوف على نفوسهم وشعورهم بالإحباط، فمن يدري إذا كانوا مهتمّين بمدى قابليّتِنا وجهوزيّتِنا واستعدادنا لتلقّي الدروس بعد كلّ ما عشناه!
ولم يكن عدوُّ اللبنانيّين الكورونا فقط، فنحن نحارب عدوّين، عدوًّا جرثوميًّا وعدوًّا بشريًّا ظالمًا وخطيرًا أكثر من العدوّ الأوّل، بكلّ بساطةٍ، نحن نخوضُ الحربَ حربين؛ حرب صحيّة وحرب اقتصاديّة. لذا لا يمكنني كتابة هذا المقال من دون أن أبوح بمكنونات قلبي، و من دون أن أقول وأعترف بكلّ فخرٍ أنّ لبنان كان وما زال طائر الفينيق، يقع ثمّ ينهض وينفض الغبار عنه، ويجتاز كلّ الصّعاب والمحن، وإنّ اللّبنانيّين أثبتوا في هذه المحنة، وعبر التّاريخ أنّهم يتقاسمون رغيف الخبز، وليست هذه الأيّام هي الأيّام القاتمة الوحيدة التي صبغت جمال لبنان بظلامها، وليست هذه المرّة الأولى التي يخرجُ فيها هذا البلد من شتّى أنواع الشدائد والكُرَب والنكبات، مستعيدًا قوّته وصموده من جديد، وإنّ بعد كلِّ عُسرٍ يسرا
يبقى السؤال الذي يشغلني كيف سنتخلّص من بعض الأوبئة الأخطر من الكورونا ومن كلّ أوبئة العالم؟ فقد نجد علاجًا مع الوقت لمرض الكورونا، ولكن ما العلاج لأوبئة الجوع والفقر والحاجة التي تقتل الآلاف يوميًّا؟! وما العلاج لوباء الظلم المُميت؟ إنّ الظالمين لأخطرُ وأقبحُ أنواع الأمراض البشريّة، فمهما أرسل الله سبحانه وتعالى إلى الأرض من دروسٍ وعِبر المراد منها استشعار البشر، والرّضا والتسليم لمشيئة القدر، فتراهم لا يصطلحون، ولا يتراجعون عن الظلم والشر، والبغض والحقد والطمع والجشع، وتمنّي السوء للآخرين. وفي حين أنّ هذه الأوقات هي فرصة للعالمين، للتوبة إلى الله عزّ وجلّ، ولزيادة وتقوية إيماننا فيه، وبالتالي إعادة النظر في سلوكنا وأفعالنا، وتصرّفاتنا وأفكارنا، فتلك الأنواع من البشر تزداد أنانيّتهم وحبّهم لذواتهم أكثر وأكثر، كما يزداد ظلمهم وشرّهم وإجرامهم. فلو كانوا يعلمون أنّ الدّنيا كلّها مملكة لله عزّ وجلّ، وأنّ البشر وُكلاء لا مُلّاك، وضيوف على أرضه، لماتوا خجلًا ولرأوا أنفسهم الدّنيئة والخسيسة والرّخيصة!
لذا ينبغي أخيرًا أن نتضرّع لله ونطلب منه أن يصرف عنّا هذا الوباء. وصدق من قال:
وإنّ كريمَ الحيِّ يُكرِمُ ضيفَهُ فكيف الكريمُ الحيُّ وهو قديرُ!


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم