الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الانتخابات البلدية حقل تجارب لاستطلاع الرأي العام

المصدر: "النهار"
وزير الداخلية بسام مولوي.
وزير الداخلية بسام مولوي.
A+ A-
عـاصـم شــيا
باحث في علم النظم والقوانين الانتخابية
 
يكثر الحديث مؤخراً عن الانتخابات البلدية وإمكانية إجراؤها او تأجيلها، فيجاهر وزير الداخلية بأنه جاهز لإجرائها ليرفع عن كاهله مسؤولية تأجيلها، ويرمي بالمسؤولية على الحكومة والمجلس النيابي، ليقينه أنّ أحداً من القوى والأحزاب السياسية الفاعلة لا يريد احترام الاستحقاقات والمهل الدستورية عامة، وإجراء الانتخابات البلدية في موعدها خاصة. حيث إختبرت تلك القوى اسلوباً جديداً من العمل التعطيلي، وتأجيل الاستحقاقات الى حين إستخدامها كحقل تجارب ودراسة ميدانية، لإستطلاع الرأي العام وإستمزاج توجهاته ومواقفه من المنظومة السياسية بكل اطيافها واحزابها. فكانت انتخابات 2009 النيابية النقطة الحاسمة لهذه المنظومة بضرورة التخلي عن مفاعيل وروحية قانون الستين، وخاصة النسخة الأخيرة منه وهو قانون 25/2008 الذي تم إقراره بعد أزمة أيار 2008، هذه النسخة التي تضمنت بعض الاصلاحات التي بقيت حبراً على ورق مثل سقف الانفاق الانتخابي.
 
لكن نتائج هذه الانتخابات أعطت المنظومة الحاكمة سفّارة الانذار بضرورة التخلي عن هذا القانون بعد أن أصبحت معظم أوراقه مكشوفة للرأي العام المعارض لها كلها. خاصة وان الانتخابات البلدية التي أعقبتها في ربيع العام 2010 أظهرت توجهاً جديداً لدى جزء كبير من الناخبين، توضّحت معالمه في الانتخابات البلدية 2016، تمثّل ببيروت مدينتي وبعلبك مدينتي. عندها ايقنت تلك المنظومة ان الخطر على فوزها بأكثرية المقاعد في طوائفها - وهي في الحقيقة لا تمثل سوى اكثرية وهمية على الصعيد الطائفي، وأقلية على الصعيد الوطني - أصبح داهماً في اي استحقاق مقبل.
 
وكان أن بدأ ما يسمى بالربيع العربي في العام 2011 الذي أتى كخشبة خلاص لتلك المنظومة، فتذرعت بالوضع الأمني على الحدود الشمالية وفي منطقتين جغرافيتين هما عرسال وعكار. وتم تأجيل الاستحقاق النيابي في العام 2013 الى العام 2015 وتمديد المجلس النيابي لوكالته النيابية من تلقاء نفسه. وعند انتهاء مدة التمديد الاول، لم يصعب على هذه المنظومة استخدام مطلب محق في تغيير القانون الانتخابي من اجل السماح للنخب الجديدة من الوصول الى الندوة البرلمانية، وكسر الحلقة المغلقة التي أحكمت إقفالها في وجه أكثرية الشعب اللبناني الرافض لها. فكان التمديد الثاني بحجة إقرار قانون انتخابي "عصري" تلك الكلمة التافهة في علم النظم الانتخابية.
 
في هذه الفترة أتت كلمة السر لانتخاب رئيس للجمهورية في العام 2016، وكان التمديد الثالث ان الرئيس لن يقبل بإجراء الانتخابات سوى على اساس قانون يصحح التمثيل عامةً، والتمثيل المسيحي خاصةً. علماً ان الرأي العام كان قد أظهر تعاضداً وطنياً عابراً للطوائف في العام 2015 على اثر أزمة النفايات، هذا التعاضد الذي كان الانذار الأهم "طلعت ريحتكم" بعد انتخابات 2009 لتلك المنظومة. فظهرت طروحات كان أبرزها "القانون الارثوذكسي" الذي تقدم به النائب السابق لرئيس مجلس النواب الاستاذ إيلي الفرزلي، إلا ان المفارقة انه في العام 2017، تم إقرار القانون 44/2017 الذي تقدم به عضو كتلة القوات اللبنانية الاستاذ جورج عدوان مأخوذاً كمسودة من القوانين الانتخابية التي تساعد الاحزاب الكبرى في إحتكار المقاعد، خاصة وان إتفاقية معراب بين الثنائي: التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية بدأت مفاعيلها على إثر الانتخابات الرئاسية، والتي كشفت للعلن لاحقاً بتقاسم المغانم المسيحية للسلطة.
 
هذا القانون كان نقطة قبول جميع أطراف وأطياف المنظومة، خاصة وانه يعمم ظاهرة الثنائية الشيعية على باقي الطوائف والمذاهب. ولكن كأي قانون يوجد ثغرات، فعملت المنظومة بالتكافل والتضامن على سد تلك الثغرات، فكان ان تم ربط العتبة الانتخابية بالحاصل الانتخابي، وإدخال الاوراق البيضاء في عملية احتساب الحاصل من أجل رفعه قدر الممكن ومنع وصول من هم خارج منهجية الثنائية. كذلك استخدام اللائحة المفتوحة من أجل التحالفات الهجينة، واللائحة غير المكتملة من أجل التلاعب على الناخبين، وتشتيت أصوات الخصوم، والانفاق الانتخابي الذي لا سقف عملياً له، وقوننة شراء الأصوات من خلال الفقرة الثانية من المادة 62 من القانون المذكور، وغيرها من الثغرات القانونية وغير القانونية مثل تقسيم الدوائر بشكل هجين وغير متجانس، وبدعة الدوائر الصغرى في بعض الدوائر بما يمنع خصوم المنظومة من تجميع اصواتهم على مرشح يكسر الحلقة المغلقة التي تم الاتفاق عليها على اثر صفقة الانتخابات الرئاسية، كذلك التوافق على تحالفات ما يسمى: "تحت الطاولة".
 
كان قد سبق إقرار هذا القانون إجراء الانتخابات البلدية في العام 2016 كحقل تجارب كما قلنا سابقاً، والتي ساعدت هذه المنظومة الى الوصول للقانون "العصري" الذي بظاهره يصحح التمثيل الطائفي، وفي باطنه يحوّل النظام الديمقراطي الى نظام التوافق الثنائي. فكان ان درست كل زعامة قاعدتها الشعبية وحجم تمثيلها الحقيقي، كذلك حجم الناخبين الزبائنيين، إضافة الى حجم الخصوم.
لكل ما تقدم، مضافاً الى الدروس المستفادة من هذه المنظومة على اثر نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، والتي أظهرت تراجع نسبة ناخبي معظم أحزاب المنظومة إن لم اقل كلها، باستثناء حزب القوات اللبنانية. وان القانون 44/2017 لم يعد يحقق الدور المطلوب منه بل أنتج سلطة تعطيلية عقيمة لا أكثرية فيها. حتى وانه وضع المجلس الدستوري في مأزق دستوري فيما حصل بملف البت بالطعون.
 
لذلك نجزم بأنه لن يكون هناك انتخابات بلدية هذا العام، وعلى الأرجح لن تكون في العام المقبل في حال وصول رئيس للجمهورية من نفس المنظومة، والذريعة سوف تكون إستناداً لمقولة: "مطلب محق يراد منه باطلاً". فتزايد المطالبين بإقرار قانون جديد للانتخابات يتضمن كوتا نسائية وغيرها من الاصلاحات، سوف تكون الذريعة الفضلى لإسكات الرأي العام من المطالبة باحترام المهل والاستحقاقات الدستورية وإجراء الانتخابات البلدية، لما تمثله من دور مهم فيما لو أتت بنخب جديدة، في ظل الأزمات التي يرزح تحتها اللبنانيون. بداية من أزمة اللاجئين والمخاطر الامنية التي تواجهها البلديات، وصولاً الى الازمة المعيشية الاقتصادية وعدم وصول المساعدات الى مستحقيها من العائلات، بل لتعزيز الزبائنية لتلك المنظومة من خلال المساعدات الدولية. فتلك المنهجية تقوم على تأجيل الانتخابات البلدية الى العام 2025 بما يؤمن للمنظومة استخدامها كدارسة ميدانية عملية لإستمزاج الرأي العام قبل نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي في العام 2026.
 
وختاماً، ان كل الحديث عن ان وزير الداخلية جاهز لإجراء الانتخابات البلدية هو عبارة عن شيك بلا رصيد مسحوب على بنك مفلس من بنوك لبنان التي تتحضر لإعلان الافلاس الاحتيالي ضمن لعبة الازمة الاقتصادية المفبركة.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم