مطلوبين عالتّحقيق والتّهمة؟ البحث عن الحقيقة والمطالبة بالعدالة

المشكلة كبيرة في وطني وهي في معظم الأحيان تتخطّى حدود العقل والمنطق.
قي قضيّة تفجير المرفأ مثلاً، من يطالِب باستكمال التّحقيق والوصول إلى الحقيقة والعدالة يُطلَب للتّحقيق، ومَن هو مطلوب في القضيّة الأساس يتربّع على عرشه، يحافظ على منصبه، ويجلس في منزله مُحصّناً، مرتاحَ البال!
مَن يؤمن بالقضاء، ويلجأ للمؤسّسات الشّرعيّة، يتقهقر في سعيه ويُساق للتحقيق، ومن يعرقل مسار القضاء، ويكفّ يده، يرفع الصّوت مطالباً بأن تأخذ العدالة مجراها. جميلٌ ومُحقٌّ هذا المطلب، ولكن كيف للعدالة أن تأخذ مجراها والقضاء مجمَّد عن القيام بمهامه وعن استكمال التحقيق؟!
غريبٌ عجيبٌ أمرُ هذا البلد!
مؤسّساته تعمل بالحدّ الأدنى لدرجة أنّنا من أجل إجراء معاملة ما غالباً ما نقرأ: لا نستطيع استكمال المعاملة إذ "لا وجود للحبر"، أو "ما في طوابع"، أو "بسبب غياب التيّار الكهريائي". مسؤولوه اللامسؤولين أيضاً يصرّفون الأعمال بالحدّ الأدنى، والفراغ سيّد الموقف في كلّ مكان، لا في المناصب الشّاغرة فقط. والقصور في وطني، حتى القصور تعيش الفراغ والتناقضات! قصر جمهوريّة بلا رئيس، وقصرالعدل ينتظر العدالة. شركة الكهرباء بلا كهرباء وآبار المياه بلا مياه. خوابي الزيت لم تعد ملآى وأهراء القمح فارغة.
في كلّ المجالات، وكلّ القطاعات، وكلّ المرافق، شحٌّ وتعب وأزمات وعراقيل وانقسامات. الفكر أيضاً مُثقَلٌ ومُنقَسِم، وانتماء البعض وولاؤه منقسم، والوفاء لا تعريفَ موحّداً له، وحبُّ الوطن والتّضحية من أجله موضوعٌ تكثرُ حوله النّزاعات. وعند كلّ جلسة تفكير ونقاش وتحليل للأحداث نسأل أيّ لبنان نريد؟! ولكن لكلٍّ إجابته وتعريفه وقناعاته النّابعة في الغالب من توجّهاته وانتماءاته، ويا ليتها تنبع من فكره الحرّ، وصدق روحه الوطنيّة، لكان البلد والشعب بألف خير. إنّها لمأساةٌ حقّاً! فكلّ فريق يغنّي على ليلاه، وكلٌّ ينادي أنّا أمّة. الويل لنا!
ومع كلّ هذه العراقيل، وكلّ هذه الآفاق المسدودة، لم تُكبَّل كلُّ الإرادات، ولم تُستَعبَد كلّ النفوس، ولم تُطفأ كلّ الآمال! تفجير 4 آب دمّر البشر والحجر، مأساةٌ قتلت الأبطال، والمأساةُ نفسُها وَلَدَتِ الأبطال. وعند كلّ امتحانٍ للحرّيّة تُغَربَلُ المواقف، وتَظهَرُ الطّينة الحقيقيّة لكلّ مواطن.
من مواقفِ هؤلاء الأبطال تتّضح هويّة لبنان، ويتّضح بالفعل لا بالقول أيّ لبنان نريد؟ نريد لبنان الحرّيّة، لبنان العدالة، لبنان الإنسان، لبنان الوفاء لأرواح ضحّت، وانتقلت ليبقى الوطن؛ ولبنان الوفاء لأبنائه المناضلين الذين ما زالوا ههنا يقاومون الظّلم والشرّ لينهض الوطن وتنتظم المؤسّسات فيحيا المواطن بكرامته. لبناننا وطنٌ لا يرضخ ولا يستسلم، واللّبنانيّ الأصيل على صورة وطنه، لا يرضخ ولا يستسلم، ولا يغرّه ترغيب ولا يخضع لترهيب. اللبنانيّ الأصيل يضع القضيّة نصب عينيه، ولا يحيد عنها إلى أن تتحقّق، لأنّ قلبه ينبض لهذه القضيّة، وهو لا يستمدّ ولاءه والتزامه إلّا من دماء الأحبّة الذين رحلوا. اللّبناني الأصيل هو المواطن الصّالح، حامل مشعل الحرّيّة والعدالة. وإن تحرّك الباطل واستشرس مُحوِّلاً البحث عن الحقيقة والعدالة إلى تهمة فمرحبا بهذه التّهمة. فخرُنا أن تكون الحقيقة تهمتنا، وسيظلّ السّعي للعدالة رسالتنا إلى أن تتحقّق الرسالة. #مكمّلين.