الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

مسكن روحي

المصدر: النهار - ريمون مرهج
لماذا تجتاحني أعاصير الوجع الآن بعدما هجرتني منذ سنين؟
لماذا تجتاحني أعاصير الوجع الآن بعدما هجرتني منذ سنين؟
A+ A-
لماذا تجتاحني أعاصير الوجع الآن بعدما هجرتني منذ سنين؟
أهو شتاء الوحدة القارس قد عاد إليّ أم أن سهم اليأس قد أصاب طائر الأمل في روحي؟
نفسي حزينة حزينة، وأنا عدت ذاك الغريب الذي لم يدرك قلبه أحداً البتة إلا ملاك الروح. لم يفهم لغته ويؤمن بمبادئه وحياته أحد إلا ملاك الروح وحده، لكنّه اليوم يوضّب حقائبه ويُدير ظهره لمهجتي متوجّهاً نحو أفق الغربة البعيد. لم تعد كلماتي مقدّسة في أعماقه بل اعتنق الإلحاد بإيماني وأحلامنا، من رابط وُلد في مهد حبّ طاهر.
لمن أتوسّل وأناجي؟
صلّيت لك يا أمي وما زلت، فأنتِ نورنا وحارسة روحنا الواحدة، تحمينا من الانكسار، من أيّ عاصفة تمزق رابطنا فأنت ملجأنا في اللحظات الحرجة.
أنا الغريب في ضوضاء هذا العالم. اليوم سأزور الطبيعة هناك بعيداً عن كلّ الناس؛ هناك سأشعر بوجود السماء وخالقها، وسأرى وجه ملاك روحي وملكتي في عطر الأزهار؛ سأسمع همساتها في أعماقي مع تغاريد الطيور الجميلة؛ أنظر نحو السماء وفي عيون الأطفال لأرى قلبها الطاهر وأشعر بنبضاته؛ هناك سأتنشّق أنفاسك بكلّ نسمة تلفح وجهي. هي مسكن روحي، حضنتني من أعاصير الأحزان والألم، لكن اليوم تتوعّد بالرحيل رويداً رويداً، وبعد مغادرتها لن تقبل روحي أيّ مسكن آخر حتى لو بعد ألف عام، وسأعود المتشرّد الصادق البارّ العنيد الناسك في ربوع الطبيعة هناك... سأبكي فقط للزهور، للسكون، للبراءة والإخلاص، لكلّ روح طاهرة زارت هذا الكون...
فجأة، وحينما كنت أخطّ كلماتي بحبر دموعي وبريشة آهاتي وتنهيداتي سمعت صراخاً انبعث من صدري مزلزلاً ضلوعي، وشعرت بروحي تنتفض قائلة: "من الممكن أن تزور الطبيعة في أوقات عديدة لترتاح من الألم، لكن من المستحيل ما دمت في هذه الأرض أن افترق عن مسكني، لأنّني به أتنفّس وأحيا، ومن دونه يكون فقط مسكني السماء، نحن روح واحدة للأبد... فأنا هو، وهو أنا حتى تنطفئ الشمس وتسقط النجوم من الفضاء وينتهي الكون أجمع...



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم