لست أرغب في الكتابة لأنني أجهل عمّا أكتب ربّما، إذ لا تحضرني الآن أيّ مادّة معيّنة، بيدَ أنّني في أعماقي استشعر فائضاً من أفكارٍ وموادّ فوضوية تتأجّج في داخلي من غير تحديد فحواها ومضامينها، أو أن أنجح في وضع عنوانٍ واضح لها.
فتنتابني في الحين مشاعر متناقضة تتأرجح بين الرضا والغضب، خصوصاً مع ما آلت إليه حال البلد، وما نشهده من تعثّر أقلّ ما يقال فيه "نار جهنم".
كتبت كثيراً، وقبلي كتب كثيرون، وبعدي سيكتب كثر عن هذا الوضع الدراماتيكي، الذي لم نألفه حتى في عزّ الحرب اللبنانية.
المؤسف والمفجع في الأمر أنك تكتب ولا من يقرأ، وإذا قرأ لا يفهم.
المسؤول في بلادي أصّم أذنيه عن صوت الناس، فهو لا يفقه لأنين محتاج، ولا يتأثر لوجع مريض.
كلّ شيء في وطني يدعو إلى الكآبة، فتلاعب الدولار بهذا الشكل المريع يفقدك كلّ توازن ويحجب عنك التركيز.
الغلاء المستشري وطمع التجار يوازي في مرارته فساد السياسيين، وكأنَّ هذا البلد في الأصل تأسّس على دعائم من الغشّ والجشع والسرقات، يُستغرَب معها كيف ما نزال صامدين.
نتغنّى بنسب المثقفين والمتفوقين على امتداد الوطن والمهجر، غير أنّ هؤلاء أنفسهم لو دعوا إلى ربوع الوطن لأخفقوا في إيجاد الحلول لنهضته.
فما السر الذي يجعل من أيّ لبناني ناجحاً في الخارج، وفاشلاً في الداخل.
أيعقل أن تبقى تتحكّم بالسلطة زمرة من المستهترين بدل أن تديرها مجموعة من المتنوّرين والصالحين.
أيعقل أن يبقى شعبٌ بأكمله رهينة منظومة أصابت شعبها باليأس، ولم تيأس هي نفسها من التمسك بمفاصل الدولة، مع أنها عاجزة عن إدارتها بمسؤولية أو ضمير.
تفشل الدولة العليّة بإجراء كلّ الاستحقاقات الانتخابية، وتعجز عن حلّ أزمة معيشيّة خانقة طالت مجمل الشعب اللبناني؛ فأيّ أملٍ ننتظر من حكومة عقيمة وفاشلة؟
لا يسعنا معها إلا أن نقول: يا "طالب الدبس من قفا النمس".