الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

القلق الوجودي... رحلة البحث عن معنى الحياة

المصدر: "النهار"
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
منى حمدان
 
لطالما تسلّل القلق الوجودي إلى يومياتنا، ورافقنا دائماً في كل خطوة من رحلتنا المليئة بالمشاعر المتناقضة والتقلبات المُبهمة.
 
تغمرنا هذه المشاعر التي تسري في جميع خلايا أجسامنا، وتغرينا للبحث عن الحقيقة وعن وعينا وأرواحنا، وإعادة جمع ما انفرط منها لإحيائها من جديد. وتحفّز لدينا التوق إلى الانعتاق، وتخطي العوائق للقفز إلى بدايات جديدة.
وتُجبرنا على نبش أعماقنا بحثاً عن كينونتنا ومعنى وجودنا، ومحاولة تقدير ما وهبته لنا الحياة. فالقلق الوجودي يسبّب غالباً شعوراً بعدم قيمة الحياة، وأن الوجود لا يحمل أي دلالة أو معنى أو هدف.
كما يجذبنا أحياناً للسعي نحو التحرر من شعور الوجود الذي يُرغمنا على مواجهة خياراتنا التي ترافقها المخاطرة دائماً، فلا يمكن أن نكون على يقين بأن خيارنا صائب دائماً.
 
ويدفعنا أيضاً إلى اكتشاف علاقتنا بأنفسنا وبالمحيط الخارجي، حتى لو كنا نعلم أن كل شيء محكوم عليه بالتناهي يوماً ما، فهذا جزء طبيعي من التجربة الإنسانية.
 
وعلى الرغم من أن هذا القلق ليس مرادفاً للخوف بالضرورة، إلا أننا قد نجد أنفسنا فجأة معرّضين للسقوط في هاوية غامضة، ومحاصرين في مكانٍ مظلم ومقفل كأنه قبر الحياة.
 
لكن الأصوات الصادرة عن أحداث الليل، تملك القدرة على تحريك النجوم من حولنا، وبعثرتها فوق يومياتنا على شكل ألوانٍ لا يمكن عدّها أو إحصاؤها.
 
فهل يمكن أن يكون القلق الذي يعتبر غالباً مصدراً ومرادفاً للألم، مفتاحاً للفرح؟
نعم، لأنه يشكّل فرصة للبحث عميقاً في دواخلنا وعوالمنا، وتحديد معنى وهدف لحياتنا، ويفتح الأبواب أمام تجارب جديدة.
وقد يكمن السر في قدرتنا على التخلي عن أوجاعنا والابتعاد عنها، والتواصل العميق مع كينونتنا، حتى وإن كان بشكلٍ مؤقت، لكنه على الأقل يشكّل المرحلة الأولى لاحتفالنا بالحياة وبإيجابية تأثيرنا في محيطنا.
إذ يضع هذا القلق مرآةً أمامنا تحمل تساؤلات حول معنى الحياة والوجود والموت، وتعكس صورة صراعنا الداخلي بين الجزء الذي يتوق إلى الحرية والبحث عن المعنى، والجزء الذي يقف في طريق تحقيق ذلك.
 
ما هو القلق الوجودي؟
القلق الوجودي ليس مجرد قلق عابر، بل هو استفهام عن الوجود نفسه. وينشأ نتيجة إدراك الشخص الفعلي لحريته في اتخاذ قراراته الخاصة. فيسأل نفسه عن معنى وجوده، وكيف يمكنه خلق معنى لحياته الشخصية.
 
ينتج عن ذلك شعور عميق بالقلق والتوتر، والتفكير المستمر في الهدف والمعنى، شعور من النوع الذي يصعب تجنّبه.
وبالتالي، تقع علينا مسؤولية إيجاد آليات مواجهة نفسية لنتمكن من التأقلم على العيش معه، خصوصاً أن أحداث الحياة الرئيسية قد تستفز القلق الوجودي. كما يساعد دائماً التحدث إلى الأصدقاء والصديقات للحصول على الدعم العاطفي، واللجوء إلى العلاج النفسي. فمن خلال العلاج، يمكن أن نتعلّم كيفية العثور على معنى لحياتنا والتعامل مع تحديات الإنسانية.
لكن ليس بالضرورة أن تحمل الحقيقة دائماً الإجابات التي نبحث عنها، بل وهم المعرفة وثقلها أحياناً هو ما يقتل أي معنى في داخلنا. ولن ينفعنا بعد ذلك الانغماس في العمل، للتهرّب من الأسئلة والأفكار. فعلى الرغم من أنها خطوة لا تترك مساحةً للقلق الوجودي، إلا أنها أيضاً لا تسمح بخلق مساحة لحياة حقيقية.
ويمكن للرهبة التي تشعل القلق الوجودي في أنفسنا أن تجعل الحياة أكثر تحدياً، كما يمكنها أن تشكّل دافعاً للنمو والتغيير والتطوير.
 
عصر الأزمات الوجودية
شهدت السنوات الأخيرة معارك هامة وفرضت علينا تحديات كثيرة، أبرزها التغير المناخي، انتشار فيروس كورونا، النزاعات الدولية، الحروب المتتالية، والعنف الذي لا ينتهي. وجميعها أزمات تستفز لدينا غريزة البقاء، وتدفعنا إلى التصرف على أساس أن الموت آتٍ في أي لحظة.
 
ووسط كل ما نعيشه، يتزايد التفكير بمعنى الوجود والغاية منه، وننطلق في رحلة التساؤلات حول وعينا وتجاربنا وخياراتنا التي شكّلتنا، ونقترب من نقطة تحول في مسيرتنا. وقد نكتشف أن الإجابات عن تساؤلاتنا الوجودية موجودة في طريق رحلة اكتشاف أنفسنا.
 
كانت هذه السنوات الأخيرة حزينة ومُرهقة في كثير من الأحيان. أحاطنا الموت من كل صوب، وفقدنا أصدقاء وأقارب وأشخاصاً نحبهم إلى الأبد. لذلك، كان من المهم بالنسبة إلى كثيرين الحفاظ على توازن نفسي يساعدهم في معاركهم اليومية الحياتية.
 
ووسط ضجيج الحياة يتعين علينا غالباً أن نوجّه أنظارنا نحو دواخلنا لفهم طبيعة وجودنا وإعطاء معنى لحياتنا بأنفسنا بدلاً من الحصول عليه من المجتمع والأديان التي تُنصّب نفسها المسؤول الأول عن تحديد ما هو مهم وما هو أخلاقي.
 
وإن كنت لا أقدّس شيئاً أو أحداً، إلا أنني أؤمن بأن القلق ليس مشكلةً يجب حلها فقط، بل هو أبعد من ذلك بكثير. إنه جزء لا مفرّ منه من الحياة سيختبره الجميع، لكنه أيضاً أمر إيجابي، يساهم في تعليمنا دروساً هامة حول الحياة التي يجب أن نعيشها بفرح وحرية.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم